ما تداعيات إغلاق مضيق هرمز على العالم

mainThumb

22-06-2025 06:48 PM

وكالات - السوسنة

في خضمّ تصاعد التوترات الإقليمية والضربات العسكرية المتبادلة، يعود مضيق هرمز إلى واجهة الأحداث، كإحدى أكثر نقاط الاختناق الجيوسياسي حساسية في العالم. ومع تداول أنباء عن إمكانية إغلاقه من قبل إيران ردًّا على الهجمات الأميركية الأخيرة التي استهدفت منشآت نووية داخل أراضيها، يبرز هذا السيناريو كأحد أكثر الاحتمالات المثيرة للجدل والخطورة في آنٍ معًا، لما له من تداعيات اقتصادية وجيوسياسية تتجاوز حدود المنطقة.

يمثّل مضيق هرمز شريانًا حيويًا للطاقة العالمية، حيث تمر عبره نحو خمس التجارة النفطية اليومية، بما يتجاوز 17 مليون برميل، فضلًا عن كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال، خصوصًا من قطر. هذا المعبر الاستراتيجي لا يخدم فقط دول الخليج المصدّرة للنفط كالسعودية والإمارات والكويت، بل يشكّل أيضًا نافذة تصدير أساسية لإيران نفسها، التي تعتمد عليه في نقل أكثر من 80% من صادراتها النفطية، والتي تشكل مصدرها الرئيسي للعملة الصعبة.

ورغم أن التهديد الإيراني بإغلاق المضيق ليس جديدًا، إذ تم التلويح به مرارًا في مراحل مختلفة من التصعيد، إلا أن تنفيذه الفعلي سيكون بمثابة قرار مكلف وخطير بالنسبة لطهران. إذ أن خسارة العوائد النفطية – في ظل العقوبات الغربية المتراكمة والاقتصاد الإيراني المثقل بالأزمات – تعني انكماشًا اقتصاديًا حادًا، وانهيارًا جديدًا للريال، وعودة دوّامة التضخم والبطالة، ما يهدد بإشعال اضطرابات داخلية قد يصعب احتواؤها.

أما بالنسبة لدول الخليج، فرغم محاولاتها الاستراتيجية لتقليل الاعتماد على المضيق من خلال إنشاء خطوط أنابيب برية كـ"شرق-غرب" في السعودية و"أبوظبي-الفجيرة" في الإمارات، إلا أن هذه البدائل تبقى محدودة السعة، وغير كافية لتعويض التوقف الكامل للممر البحري. ما يضع دول المنطقة أمام احتمالات اضطراب صادراتها النفطية وتراجع الإيرادات، في وقت دقيق اقتصاديًا وجيوسياسيًا.

وعلى المستوى العالمي، فإن الإقدام على إغلاق مضيق هرمز من شأنه أن يدفع بأسعار النفط إلى مستويات صادمة، قد تتجاوز 150 دولارًا للبرميل، ما يشكل صدمة عنيفة للأسواق العالمية التي لم تتعافَ بعد من آثار التضخم والتقلبات الاقتصادية. ارتفاع أسعار الطاقة سيؤثر مباشرة على تكاليف النقل والإنتاج، ويضغط على سلاسل الإمداد وأسعار السلع الأساسية، ما يفاقم الأوضاع في الاقتصادات النامية والمتقدمة على حدّ سواء.

بلدان مثل الأردن ومصر، التي تعتمد إلى حدّ كبير على استيراد الطاقة، ستكون من بين أول المتضررين. إذ سيتضاعف العبء المالي على الموازنات العامة، ويرتفع الضغط على الدعم الحكومي، ما يخلق تحديات اجتماعية واقتصادية داخلية متزايدة في ظل أزمات معيشية قائمة أصلاً.

من زاوية استراتيجية، لا تبدو إيران بصدد اتخاذ خطوة كهذه، بقدر ما تستخدمها كورقة ضغط تفاوضية في لعبة توازنات إقليمية ودولية معقّدة. فإغلاق المضيق، وإن بدا سلاحًا ردعيًا على الورق، يبقى خيارًا محفوفًا بالمخاطر العالية، ليس على الخصوم فقط، بل على إيران نفسها، التي قد تجد نفسها في مواجهة عزلة أشد أو حتى ردٍّ عسكري دولي يُعيد فتح المضيق بالقوة.

في المحصلة، لا يُقرأ هذا التهديد إلا في سياق لعبة شطرنج جيوسياسية، تسعى فيها طهران إلى تعظيم مكاسبها التفاوضية أو ردع خصومها دون أن تحرق أصابعها بالنار التي تشعلها. فالمضيق، الذي تنبض به حركة الاقتصاد العالمي، ليس مجرد نقطة جغرافية، بل محور توازن إقليمي، يعبّر كل توتر حوله عن مدى هشاشة هذا التوازن وقابلية الاشتعال إذا ما اختلطت المصالح بالحسابات الخاطئة .











تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد