خرائط الدمار تفضح النهب الثقافي في سوريا

mainThumb
الاثار في سوريا

07-08-2025 09:34 AM

السوسنة - في مشهد يعكس حجم الخسائر التي لحقت بالذاكرة الثقافية السورية، كشفت بيانات رسمية أن أكثر من مليون قطعة أثرية تم تهريبها خارج البلاد منذ عام 2011، في ظلّ فوضى الحرب والانهيار الأمني، ما يجعل من نهب الآثار أحد أبرز وجوه الدمار غير المرئي الذي أصاب سوريا.
ووفق المتحف الوطني في دمشق، فإن الأسواق السوداء في أوروبا وآسيا لا تزال تستقبل آثارًا منهوبة من سوريا، وسط صعوبات متزايدة في تعقب واستعادة تلك القطع، خاصة في ظل غياب سجلات رسمية دقيقة قبل الحرب، وهو ما يعرقل الجهود الدولية المبذولة للتوثيق والاسترداد.
خريطة الدمار الثقافي
تُظهر صور الأقمار الصناعية، التي عرضها برنامج "النقطة صفر"، حجم التدمير الذي طال المواقع الأثرية في محافظات عدة، أبرزها إدلب وحلب. وأفاد الباحث الأثري أحمد الخنفوس بتوثيق حفريات غير قانونية في نحو 290 موقعًا أثريًا في إدلب وحدها، فيما دُمّر نحو 20 موقعًا أثريًا بالكامل في حلب، المدينة المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو.
التهريب: من الفوضى إلى التنظيم
ويروي منقب أثري سابق – يُعرف باسم "خالد الأحمد" – تفاصيل عمليات التنقيب السرية التي كانت تُجرى ليلًا، تحت جنح الظلام، لحماية المهربين من رقابة محتملة. كما طوّر هؤلاء طرقًا بدائية لحفظ القطع الأثرية خلال نقلها، تجنبًا لتلفها.
ويقول أنس حاج زيدان، مدير المديرية العامة للآثار والمتاحف، إن عمليات الاسترداد تصطدم بغياب توثيق دقيق قبل 2011، وهو ما كان نتيجة إهمال متعمد من النظام السابق، بحسب قوله، لتسهيل عمليات التزوير والاتجار غير المشروع بالآثار.
شبكات تهريب متعددة الاتجاهات
الخبير العسكري العميد الركن عبد الله الأسعد، حدّد ثلاث مراحل رئيسية لنهب الآثار السورية:

  • ما قبل 2011: حيث شارك مسؤولون نافذون في الدولة بعمليات تنقيب وتهريب.
  • مرحلة الثورة: تزامنًا مع الفوضى الأمنية، زادت أعمال النهب العشوائي، بمشاركة فصائل مسلحة، أبرزها تنظيم داعش الذي دمر تماثيل بذريعة دينية وهرّب أخرى لبيعها.
  • المرحلة الحالية: حيث تتواصل أعمال التنقيب غير الشرعي في مناطق عدة، وسط غياب أمني تام.

وأكد الأسعد أن طرق التهريب شملت المعابر مع تركيا ولبنان والأردن، وحتى إسرائيل، داعيًا إلى تنسيق محلي ودولي لملاحقة المهربين واستعادة التراث السوري المسلوب.
حضارة تُباع في المزادات
القطع المنهوبة – التي تضم تماثيل، لوحات جدارية، عملات، وأواني خزفية – ظهرت في مزادات عالمية، بحسب شهادات موثقة، دون أن تتمكن دمشق من استعادتها بسبب غياب الوثائق القانونية، وهو ما وصفه الأسعد بـ"الجرح المفتوح في جسد حضارة تُنهب أمام أعين العالم".
محاولات لإعادة الذاكرة
رغم التحديات، تعمل المديرية العامة للآثار والمتاحف بالتعاون مع اليونسكو والإنتربول على بناء قواعد بيانات رقمية للقطع المسروقة، وتوثيق الأضرار في المواقع الأثرية، بالإضافة إلى المطالبة القانونية بالاسترداد من الدول التي تحتفظ بآثار سورية.
وتطالب جهات سورية معنية بالملف بفتح تحقيقات في السرقات التي جرت قبل عام 2011، والتعاون مع دول مثل فرنسا وروسيا وتركيا وإيران لاسترجاع آلاف القطع التي يُعتقد أنها في حوزة متاحف ومجموعات خاصة.
ذاكرة منهوبة.. بانتظار العدالة
فيما لا تزال آثار الحرب ترخي بظلالها على الشعب السوري، يشكّل نهب تراث البلاد الثقافي خطرًا دائمًا على الهوية الوطنية. وبينما تستمر عمليات التنقيب والتهريب، تسعى السلطات السورية لاستعادة ما يمكن من آثارها، في سباق مع الزمن لإنقاذ ما تبقى من الذاكرة الجماعية لشعب عاش على أرضٍ شهدت ولادة أولى الحضارات.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد