من عتمة السجن

mainThumb

06-07-2009 12:00 AM

د. محمد فلاح القضاة

بسم الله الرحمن الرحيم
أنا يوسف، ابعث إليكم بهذه الرسالة وكلي أمل أن تجد لديكم دقائق لقراءتها، ودقائق للتفكر بها.

من ظلمات الرحم خرجت قبل 17 شهراً، قُيدت أمي بالسلاسل قبل ولادتي بشهور، وزُجت في غيابات الزنازين، وتحت رحمة من لا رحمة في قلبه، وحين حان خروجي لهذا العالم والمفترض أن يكون سعيداً، خرجت إلى عتمة السجن، وأول ما رايته أصفاد الحديد، وقساوة السجانين، وبرودة ووحشة وهدوء قاتل يقطعه تارة بكاء ونحيب، وتارة أخرى صرخات تعذيب.

لم أطالب بزغرودة أُمٍ أو جدة بمناسبة ولادتي ولكني استقبلت بزامور السجن يعلن تارة الاستيقاظ وأخرى إطفاء الأنوار.

يا سادة، أنا يوسف ابن 17 شهراً، لم اسمع كلام أبي ولم أحس بحنانه ولا حتى لامست شفتاه وجناتي ولا اعرف أخواتي وإخواني، وكل ما اعرفه قضبان تحيط بي وبأمي التي أنهكها الجلادون من جهة، وذبلت من البعد عن فلذات كبدها وعن الزوج والأب والأم من جهة أخرى.

يا سادة، أنا يوسف ابن 17 شهراً فقط ، وما لي في دنياي إلا العزلة والظلام الدامس والبرد القارص والرطوبة والحرارة العالية والأكل المتعفن، وبعد كل ذلك إهانات تقتل أمي التي تشبثت بالحياة لا حباً بها وإنما خوفاً عليّ?Z من فراقها، وطمعاً في أن أسليها بوحشتها.

يا سادة، أنا يوسف ابن 17 شهراً فقطـ ، استحلفكم بالله وبكل القيم الإنسانية، لو كان ابنكم او شقيقكم أو زوجكم مكاني ماذا كنتم ستعملون؟ استحلفكم هل تستطيعون النوم؟ هل وهل؟

يا سادة، أنا يوسف ابن 17 شهراً فقط، ولدت والأصفاد تطوّق أمي، والأسلاك الشائكة تحاصرني، ولا أعرف من الحياة إلا جدراناً مظلمة وسجانين قساة وكلاماً لا أفهمه. وأقول لكم يا سادة إنه كلام بذيء ببذاءة السجانين، وقاسٍ بقساوة قلوبهم، وغليظ بغلاطة ألسنتهم.

يا سادة أنا يوسف ابن 17 شهراً، لم أر?Z طائرة في حياتي، ولم أحمل سلاحاً، فأنا سجين، وأنا أسير ظلمات العدو، تصوروا أيها السادة أني أسير!!! أسير كما أُسرتْ فلسطين من قبل المغتصبين، وأنا كالشجر والحجر في فلسطين أسيرٌ لأننا ببساطة ولدنا في فلسطين، ولأننا ببساطة نريد العيش بسلام، كما يعيش كل البشر.

يا سادة، أنا يوسف ابن 17 شهراً، وغداً سأكبر وأعدكم بأنني لن أركع إلاّ لله، و لن أُقبّل يديْ سجاني. واعدكم أن أبقى أحلم بالحرية، و أن لا أنسى، ولو قتلوني، أعدكم أن أدافع بروحي المحلقة فوق فلسطين أن أقاتلهم وأقول لهم لما نستشهد من روح الجنة؟.

يا سادة، أنا يوسف ابن 17 شهراً فقط، لا أطلب منكم أن ترحموني فالله الوحيد الرحيم، ولا اطلب منكم فك قيد أمي، فأنت مصفد بالسلاسل أكثر من أمي، ولا اطلب منكم رزقاً فأنتم سجانون مثلهم، ولتعلموا يا سادة أنكم لستم سادة فالله وحده سيد الأكوان.

نعم أنا يوسف ابن 17 شهراً فقط وسأكبر حتى أصبح سيداً حراً في وطني، وستُس?Zجِّلُ صفحات التاريخ على صفحاتها بأحرف من نور اسمي ، وسيعرف الناس جميعاً بأنني أصغر أسير في العالم، وأما أنتم يا سادة فتسجل صفحات التاريخ أنكم سجانون أغبياء.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد