مليون لحيدان!

mainThumb

16-09-2008 12:00 AM

توقع كاتب الخبر الزميل سلطان القحطاني في موقع جريدة «إيلاف» الإلكترونية، أن مضمون ما يعلن في تقريره سوف يثير جدلاً حول العالم لأسابيع، وبالفعل، وفي غضون ساعات من نشر ذلك صباح الجمعة، انتشرت فتوى رئيس «المجلس الأعلى للقضاء» في السعودية الشيخ صالح اللحيدان في أرجاء الأرض كافة، وصار العنوان الرئيسي للأخبار أن شيخاً سعودياً يستقبل ذكرى أحداث سبتمبر بفتوى تجيز قتل أصحاب الفضائيات.
صاحب الفتوى قال حرفياً: «إن من يدعون إلى الفتنة إذا قدر على منعه ولم يمتنع قد يحل قتله، لأن دعاة الفساد في الاعتقاد أو العمل إذا لم يندفع شرهم بعقوبات دون القتل جاز قتلهم قضاءً».

حسناً هي فتوى شاذة، ولا أعتقد أن عالماً مسلماً يمكن أن يؤيدها، على الأقل مشايخ الأزهر، الذين نقلت «روزاليوسف» المصرية اليومية تعليقاتهم، وقد قالوا انها ليست من الإسلام.

لكن مثل هذا الكلام لن ينظر إليه على أنه كذلك في العالم الغربي، وأياً ما كانت خلافاتنا الداخلية في أمة الإسلام، وأياً ما قال علماء الإسلام الثقات في رفض هذه المعاني الغريبة، فسوف ينظر إلينا على أن فينا رجلاً يتحدث باسم الدين، ومن السعودية، قد أفتى بذلك.

الوجه الأهم للمسألة في رأيي يمكن أن نكتشفه في مجموعة التعليقات التي نقرأها على الخبر في مواقع الإنترنت العربية على اختلاف توجهاتها، ذلك أن فيها ما يؤكد أن مثل ذلك الكلام يجد تأييداً، وله صدى، ومن المؤسف أن قطاعات عربية مسلمة عديدة ترى أنه لا حل سوى القتل!
على الموقع الذي نشر الخبر أولاً، أي جريدة «إيلاف»، وجدت من يهاجم محرر الخبر، لأن لغته متحاملة على الشيخ اللحيدان، وبخلاف بعض المنتقدين للفتوى وشذوذها، فإن هناك من كتب: «الله معك ياشيخنا»، ومن زايد عليه وكتب نص آية قرآنية تقول: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف».

وفي حين أن المواقع السعودية التي نقلت الخبر خلت من التعليقات، مثل موقع «قناة العربية»، وموقع جريدة «الجزيرة»، بما يشير إلى أن مديري المواقع ربما يكونون قد حذفوا ردود الأفعال برمتها، من أيّ?Zد ومن رفض، فإن موقع جريدة «الراي» الكويتية قد اعتمر بسجال ساخن بين رافض ومؤيد.

هذا يقول: «جزاك الله خيراً»، وذاك يقول: «لم يقل منكراً»، وثالث يقول: «صح لسانك»، ورابع يقول: «اللهم احفظ علماء الأمة». وفى المقابل فريق آخر أقل حجماً يرفض الفتوى ويقول أحدهم: «لا أعرف من أين يأتون بتلك الفتاوى»، وثانٍ يقول: «الفتوى مبالغ فيها»، وثالث يعلق: «كل شيء لا يروق لهم يفتون بتكفيره وقتل صاحبه»، ورابع يضيف: «إلى متى يستمر هؤلاء بتسميم عقول الشباب؟».

الموضوع تطور إلى مدى أبعد في منتدى تابع لـ «حركة حماس»، «منتدى فلسطين للحوار» إذ راح المعلقون المؤيدون يؤكدون أن هذه الفتوى تنطبق على أصحاب القنوات العبرية وقال أحدهم: «هل تنطبق الفتوى على القنوات العبرية؟»، وأضاف شخص آخر: «لا تنس القنوات التي تبث المسلسلات الخليعة».

والمعنى أن المشكلة ليست فقط في طبيعة ومضمون الموقف المتطرف الحاد الذي يأخذ به الشيخ اللحيدان، وإنما في أن بيننا مليون لحيدان غيره، ربما لا يكونون في حاجة إلى صدور فتواه، يؤيدون تلك الرؤى، ويناصرون تلك الابتداعات، وأظنهم فقط ينتظرون أن يقول بها أحد، بل إنهم على استعداد لتطويرها وتحويرها، وفوق ذلك يدافعون عن الشيخ وأمثاله، ويهاجمون من ينتقدهم.

هذا ومن جانب آخر يطرح تساؤلاً جوهرياً: هل هؤلاء المشايخ هم أبناء بيئتهم ويعبرون عن اتجاهات موجودة بين العرب والمسلمين، أم أنهم هم الذين خلقوا تلك الاتجاهات بين الناس، إلى أن أصبحت أقوى من الشيوخ المستنيرين فصارت استنارتهم فى رأي أنصار اللحيدان وما ماثل «خروجاً عن صحيح الدين»؟

ما تثيره تلك الفتوى أعمق بكثير من خشيتنا، أن نواجه حملة تشويه غربية جديدة للإسلام تعقيباً على ما نطق به شيخ منسوب إلى الإسلام.

* نقلا عن صحيفة "الرأي العام" الكويتية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد