هل تقع حرب عالمية .. ثالثة؟

mainThumb

28-09-2008 12:00 AM


في سابقة عسكرية ذات مدلولات عميقة وبما انطوت عليه من رسائل في مختلف الاتجاهات، خرج الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف على العالم وهو ينظر عبر منظار مفتوح العينين (على عكس الحال الذي ظهر عليها وزير الدفاع الاسرائيلي عمير بيرتس خلال تموز 2006، وهو يراقب عمليات ميدانية بمنظار مغلق، وهو الذي هدد السيد حسن نصرالله بأنه لن ينسى في حياته اسم بيرتس، لكن هذا البيرتس ذهب الى سلة مهملات التاريخ فيما سطع نجم نصرالله)..

الرئيس الروسي الشاب جلس بعد المناورة اللافتة بالذخيرة الحية، التي ضمت ثمانية آلاف جندي، بينهم ستة آلاف من جنود الاحتياط (وفي ذلك مغزى كبير) بمشاركة عشرات الدبابات والطائرات المقاتلة والقاذفة، جلس بين عجائز (اقرأ قادة) الجيش الروسي وطلب اليهم إعداد خطة تحديث وتطوير شاملة، بما في ذلك الترسانة النووية ينتهي تنفيذها في العام 2020، على ان يضعوا بين يديه وفي غضون شهرين فقط خطة تفصيلية برزنامة زمنية محددة..

ليس ثمة شكوك في ان مثل هذه المناورة العسكرية الضخمة نسبياً، ما كان لها أن تتم لولا ازمة القوقاز وتداعياتها وردود الفعل الغربية، وخصوصاً الاميركية على الخطوة الجراحية الروسية، التي وضعت حداً لكل الخطط الاميركية الرامية الى تطويق روسيا ومن ثم تقسيمها على النحو، الذي تنبأ به الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين.

قلنا بوتين؟.

نعم.. إذ قبل عامين تقريباً خرج فلاديمير بوتين على شعبه في خطابه السنوي المتلفز متسائلاً: هل تريدون ان يحدث لروسيا ما حدث للعراق؟.

وقتذاك كان السؤال مستغرباً ولافتاً.. بل ربما رآه كثيرون انه في غير محله وانه ربما يكون لأبعاد انظار المواطنين الروس عن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجههم على رغم النجاح الذي احرزته ادارة بوتين منذ تسلمها السلطة رسمياً في 7 ايار 2000 والارتفاع الواضح الذي طرأ على مستوى معيشة الروس وأمنهم وتراجع معدلات البطالة والفقر والجريمة..

بل ان هناك من حاول لاحقاً الربط بين هذا التصريح العجيب الذي يضع روسيا بتاريخها وحضارتها وعمقها الجغرافي وامكاناتها الهائلة في مرمى الغزو في مكانة دولة ضعيفة ومحاصرة ومنهكة كالعراق قبل احتلاله، وبين خطاب بوتين (الأشهر ربما) امام مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن (شباط 2007) الذي حمل فيه حملة شعواء ولاذعة على السياسات الاميركية الساعية الى الهيمنة وخلق الاتباع وتركيع الخصوم ورفض الحوار بين الاصدقاء والحلفاء، بل ان كل ما طالب به (بوتين) هو مجرد ان نكون شركاء.

لكن ادارة بوش كانت على الدوام غائبة عن السمع والبصر، وواصلت سياسات الغطرسة والاستعلاء ومضت في انكار تبعات تورطها في العراق وافغانستان وانهيار حلفائها في لبنان، وتعثر مشروعها المعلن في محاصرة سوريا وعزلها، اضافة الى مضيها قدماً في مساعيها لنشر الدرع الصاروخية في بولندا وجمهورية التشيك وفي الآن نفسه، الضغط على دول حلف شمال الاطلسي ليس فقط في ارسال المزيد من القوات الى افغانستان، (كان نيكولا ساركوزي اكثر المتحمسين لهذا المطلب اقرأ الأمر الاميركي وتمثل في ارسال مئات من الجنود الفرنسيين الى قندهار وكابول رغم الصفعة المؤلمة، التي تلقاها الجيش الفرنسي بفقدانه عشرة جنود وعشرات الجرحى في كمين طالباني محكم).

وانما ايضاً في ممارسة المزيد من الضغط على دول الحلف كي تقبل جورجيا واوكرانيا في عضويته، الأمر الذي حالت دونه برلين وباريس ولو مؤقتاً، الى ان اندلعت حرب اوستيا الجنوبية، فانقلبت المعادلات وبات مطلوباً على نحو لا مفر منه، تغيير قواعد اللعبة التي ارادت واشنطن وبعض صقور بروكسل (بما هي مقر لحلف شمال الاطلسي) الزام موسكو بها.

هل هذا يعني أن روسيا تمردت او استفاقت بعد طول غيبوبة؟ أو انها ادركت ولو متأخراً وبعد اعتراف واشنطن وعدد لا بأس به من دول الاتحاد الاوروبي باستقلال اقليم كوسوفو، أن النار اقتربت من غرفة نوم القياصرة في الكرملين وأن السيناريو العراقي (او قل اليوغسلافي بعد ان تم تنفيذ السيناريو السوفياتي بمهارة وحقد على يد يلتسين ومن قبله غورباتشوف) يوشك ان يطبق على روسيا التي تعاني ما تعاني من تشظٍ عرقي ولغوي وحركات وتنظيمات متمردة لا تخفي سعيها للاستقلال التام وليس الاكتفاء بصيغة الحكم الذاتي (الموسع او المقلص لا فرق) التي لم تعد في نظر قوميي تلك الجمهوريات ذات الحكم الذاتي وبخاصة في الشيشان والانغوش وربما داغستان كافية، في ظل ارتفاع منسوب المشاعر القومية التي ايقظتها فترة ما بعد انتهار الحرب الباردة واحتدام الصراعات القومية والعرقية في البلقان ووسط اوروبا؟.

ربما بعض وربما كل تلك الاسباب، معطوفة على ما لحق بروسيا من مهانة وشعور بالدونية والخوف ايضاً، بعد ان تراجعت مكانتها الدولية وسادت الفوضى معظم ارجائها وباتت احتمالات انهيارها كدولة واردة، ما جعل من الحماقة التي ارتكبها صنيعة بوش ورايس ميخائيل سكاشفيلي، فرصة لاعادة كتابة تاريخ جديد للصراع بين الشرق (الذي لم يعد شرقاً بالمعنى التقليدي الذي كان في قاموس الحرب الباردة) والغرب الذي فقد هو الآخر جزءاً لا يستهان به من تماسكه، ما بدا في لحظة ما وكأنه احرز نصراً جماعياً كنظام اقتصادي رأسمالي استطاع أن يهزم الاشتراكية ويتركها عارية بلا أنصار او تأبين، لكن حرب جورجيا ثم الازمة المالية الراهنة التي تعصف بأحد الاسس التي ارتكزت عليها الرأسمالية واقتصاد السوق، خلقت اجواء مغايرة يمكن القول انها مفتوحة على كل الاحتمالات، وإن كان ثمة ما يمكن الجزم به وهو أن الرأسمالية رغم ما تتمتع به من حيوية وقدرة على التكيف واستعادة زمام المبادرة، إلاّ انها هذه المرة دخلت في دورة التراجع التي قد تتعمق وتتواصل.

أين من هنا؟.

ما دفعني للمقاربة هذه والتساؤل الذي جاء في عنوان المقال، هو تنبؤ عرافة بلغارية شهيرة اسمها فانجيليا جوشيتروفا ديميتروفا والمعروف اختصاراً بـفانجا يوم أمس، أن حرباً عالمية ثالثة ستندلع في العام 2010 ستكون اطرافها على الارجح الولايات المتحدة واسرائيل ضد جمهورية ايران الاسلامية واهمية ما قالته ينبع من انها تنبأت بأحداث شهيرة وقعت فعلاً مثل تفجيرات 11 ايلول 2001 ووفاة الاميرة ديانا وبيرسترويكا غورباتشوف.

والله أعلم.. .الرأي

kharroub@jpf.com.jo

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد