تصريحات الذهبي .. وأسئلة مهمة

mainThumb

13-02-2009 12:00 AM

مؤخرا، وفي واحدة من السوابق التي لم يعتد الأردن عليها، إلا ما ندر، خرج رئيس المخابرات العامة السابقة محمد الذهبي بتصريحات صحفية كان لا بد من التوقف عندها وقراءتها بتمعن ولأكثر، ويبقى السبب الأكثر أهمية هو أن هذه التصريحات تخرج من مدير مخابرات شهد حقبة مهمة كادت أن تتفجر معها المنطقة وهي الفترة التي شنت فيها إسرائيل عدوانا "لئيما" على قطاع غزة وضع كل المنطقة في "مهب" تغيرات لم تكن بالحسبان وغير موازين "القوى" والتحالفات في المنطقة، بل وأشر الى تحول محتمل في تاريخ القضية الفلسطينية التي تمثل عنوان الصراع الأهم في منطقة الشرق.

الذهبي، كشف لصحيفة السبيل "الإسلامية" أهم ما يمكن أن يقال عن "حقبة" غزة، سواء ما سبقها بقليل أو خلالها أو ما جاء بعدها وما زالت إرتداداته على الإقليم وعلى الاردن بشكل خاص، واضحة حتى الآن، وإذا ما تجاوزنا واحدا من العناوين المهمة لتصريحات الذهبي والمتمثل في أنها "صرفت" لصحيفة السبيل التي تمثل الناطق الرسمي بإسم جماعة الإخوان المسلمين "زعيمة" المعارضة الأردنية، فإن فالرجل كشف بأن أكبر الخاسرين منذ الحرب على غزة حتى الآن، هو محور الإعتدال الذي يُفرز الأردن عمليا "عليه"، بل ويؤكد بأن أكبر الرابحين، هو محور الممانعة الذي "إستفادت" منه الشقيقة سوريا عبر تحالفها مع إيران وتركيا، وأن حماس أثبتت أنها "الرقم الصعب جدا" في المعادلة الإقليمية الآن وبأن سلطة "عباس" فاسدة ولا تسعى سوى الى الحكم والإمتيازات وأنها لأجل ذلك مستعدة بالتفريط بالأرض والحقوق.

ويؤكد الذهبي بأن أميركا والغرب أدارتا ظهرهما لمحور الإعتدال على الرغم من أن إدارة بوش "المنصرفة" كانت دائما تتحدث عن سلام قد يأتي عبر هذا المحور.

تصريحات الذهبي هذه تثير الكثير من التساؤلات، ومن أهم يا يمكن أن نسأله هو : هل سيبقى الأردن ضمن محور الإعتدال، أم أنه أمام خيار التغيير، وإذا ما فرض التغيير نفسه على الأردن الآن من أجل "المصلحة"، فكيف يمكن أن تكون الخطوة "التغييرية" القادمة وما هي مبررات التي يمكن أن تكون مقنعة ولا تضر بمصالح البلاد العليا؟

والأجابة على هذه الاسئلة، لا يمكن أن تكون إطلاقا بمعزل عن التطورات العالمية والإقليمية الهامة التي باتت تهب رياحها على المنطقة، فحماس صمدت، وكما قال "الباشا" امام كل محاولات "إلغائها" وباتت أكثر شعبية فلسطينيا وعربيا، وتبقى النتيجة المهمة بأن حماس وأخذت معها في إرتفاع شعبيتها كل التيارات "الممانعة" والمعارضة، ما يعني أن قوى المعارضة برمتها أصبحت "رقما صعبا" أيضا داخل أوطانها، وهذا يؤشر الى أن المعارضة الإسلامية في الاردن خصوصا، أصبحت ذات قوة أكثر من ذي قبل ما يعني بأن بوصلة الدبلوماسية "الداخلية" الاردنية أصبحت بحاجة الى "عملية جراحية" تأخذ في حسبانها التغير الإقليمي لا سيما "غربا" من أجل الإمساك بأوارق سياسية واللعب بها في الوقت المناسب لتنعكس إيجابا على الإستقرار الداخلي.

وثانيا، فإن الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما يتحدث عن إنفتاح على الإسلام من منطلق الإستراتيجية الأميركية الجديدة والقاضية بتغيير صورة أميركا في العالم والتي شوهتها الحرب على الإرهاب التي شنها الرئيس السابق جورج بوش وكان عنوانها "غير المرئي" محاربة الإسلام الذي هوجمت أميركا في أحداث سبتمبر الشهيرة تحت عنوانه، وهنا، وثالثا، فإن واشنطن تتحدث عن "حوار" مع الممانعين من دمشق الى طهران الى حزب الله، ثم الى حماس، وفي هذا تشابك وتداخل وتقاطع وتغيير لن تكون نتائجه سهلة على الاردن، ولا بد معه وأن تتغير الخيارات بما يضمن نتائج أقل "إرهاقا" خصوصا لجهة "مؤامرة" الوطن البديل التي يلوح بها دائما أعداء الأردن، وإذا ما نظرنا الى التغير الحاصل الآن داخل إسرائيل وإحتمال أن يشكل صاحب برنامج "الوطن البديل" زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، الحكومة الإسرائيلية، فإن تغيير البوصلة السياسية لجهة تقوية الجبهة الداخلية، وكذلك الحال بالنسبة للدبلوماسية الخارجية والتمعن في كل البدائل المتاحة، يصبح ملحا ويتجاوز مرحلة الحديث الى مرحلة التنفيذ.

الذهبي كان الى وقت قريب جدا مدير المخابرات، وقبل الحرب على غزة كان يدير حوارا مع حماس في الوقت الذي مرت به علاقة عمان بـ "سلطة غزة" وزعمائها في الداخل والخارج بتوتر شديد، وعاصر "الباشا" كذلك فترة الحرب، ليس كمراقب، بل كمتابع لكل معلومة صغيرة وكبيرة، وشاردة وواردة، وهو لأجل ذلك تحدث بناء على معلومة، ومن هنا تأتي أهمية تصريحات الذهبي، وأهمية أن نقرأها حتى نعرف كيف يمكن أن نواجه ما هو قادم وضمن المصلحة الأردنية، وأن نجيب على الأسئلة التي تضعنا أما حقيقة التغيير دون أن نغرس رؤوسنا بالرمال كأن ما يجري لا يعنينا.

Nashat2000@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد