صحيفة السوسنة الأردنية

د. أحمد مشرّف الحراحشة

كلية الآداب ـ جامعة آل البيت

يا أيها الراحل عنا ، المزجي مطيته غب السرى بعيدا . من أجبرك على الرحيل .

لماذا لم تتريث قليلا حتى نودعك ! كنت فينا تنتظر القافلة على مفرق الطريق ، كعجلة الراكب ، وقبست من دنيانا قبسة العجلان .كنت غيمة عطر ، عطرت قاعات الجامعة ودروبها لسنوات عزيزة . لماذا لم تعد إلينا ، فنحن ننتظرك منذ أسبوع على المفارق والأبواب ، هل وجدت ما وعدك الله به ، أم اكتفيت بالبعد فنمت . سبع ليال عجاف مرت علينا في غيبتك ؛ كاليالي يعقوب في غيبة يوسف عندما ألقوه في غيابة الجب وحيدا بلا زاد ولا أنيس .

أعزمت على البعد عنا ؛ لأننا لا نستحق رفقتك ، لأنك الطاهر فينا ونحن الملوثين بسقط المتاع . ألأننا النمامون والمغتابون والمتسلقون حيطان الجار والدار والدولة والوطن صباح مساء !

ماذا فعل بك سجيس الليالي في ليل الشتاء البارد الطويل ؛ وأنت تنام نومة اللحود وتشرب المطر ...

هنيئا لك يا ثرى المنشية بجسد يحيى المضمخ بطيب الأخلاق وعبير الفضيلة والمعروف .

أاحتاجت الأرض للحناء فطلبت خضاب كفيك يوم عرسك . يا زين الشباب ! خجلت من لون خديك شقائق النعمان فاحمرت . وحبس الدحنون نفسه عن دنيا الربيع في انتظار قدومك لتمده بنسغ الحياة ، ولونته بلون الدم ؛ كأردية فادي الوطن .

ازينت لك الأرض ورقص الثرى على أسيل خديك ليزهر النوار . يمج الثرى عطرك كل صباح لتفوح أزاهير الربيع بعطر محاسنك وسمح معاملتك ، كنت تخجل من الصغير قبل الكبير ، فغابت عن قاموسك كلمة لا وأبدلتها دوما بنعم .

يا محــمد بن يحيى ...

يا قرة عين أبيك ، لا تبكي ، فلا يبكي من كان أبوه مثل ابيك ـ يحيى ـ ، ما مات من بكت عليه المروءة والصدق والأخلاق . وافتقدته دور العلم والمعارف ، والمعارف عند أهل النهى ذمم .

أبـــوك ما مات حتى أتعب الخيل في سوح العلم ، واحتل صفحة ناصعة في سجل الشرفاء والمخلصين والأبرار ، صنع من الفخار إكليلا ازينت به المنشية الأبية التي انجبته .

أبــوك ما مات حتى مات مضرب سيفه واعتلت عليه القنا السمر ، سنكمل المسيرة على هدي أخلاقه مهما اتسع بنا العمر وتراخت لنا المنية .

ما لنا حيلة إلا الدعاء و كلمات دامعة ، عزيزة لا نسفحها إلا ليرضى يحيى والوطن .

كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر ـــــ فليس لعين لم يفض ماؤها عــذر