العبادي : خطاب 14/1/1998 عملية استشهادية سياسية - فيديو
15-08-2012 04:10 PM
معارك برلمانية الحلقة 37 / بقلم د. احمد عويدي العبادي ( حصري بالسوسنة )
هناك قصة طريفة لهذا الخطاب الذي جاء ضمن صراع البقاء والكرامة أمام اللئامة والحرب المستعرة بيني وبين أعضاء مثلث الغم، ودوائر الحكم والتحكم والمهمات , ومدير المخابرات السجين , أقول لهذا الخطاب قصة طريفة جديرة بالذكر هنا.
ففي نهاية عام 1998 وأثناء مناقشة موازنة العام الذي يليه / أي عام 1999 , وبعد أن توكد أنني سأكون أخر المتحدثين غادر رئيس مجلس النواب في حينه في مهمة قيل أنها رسمية ؟؟ على رأس وفد برلماني إلى مصر , وانه سيعود قبل أن يأتي دوري بالحديث ،والذي يفترض ان يكون في أخر اليوم الرابع أو الخامس من المناقشة، يكون الرئيس خلالها قد عاد من أسوان المصرية حيث ذهب للمشاركة في مؤتمر برلماني هناك.
وحسبما هو النظام الداخلي لمجلس النواب , فقد تولى رئاسة المجلس النائب الأول للرئيس د. يوسف الشريدة وهو المعروف بأدبه الجم ومكتوميته ، وكرهه للمناكفات الصغيرة، لأنه من عائلة نبيلة لا تنزل إلى الصغائر ولا تتعامل مع الصغار إلا مرغمة . وقد استغل الزملاء هذه النقطة فيه , وبدأوا يتهربون من نصاب الجلسة، مما أغضبه بل وأخرجه عن طوره لأنه اعتبرها مؤامرة ضده لتفشيله، كما كان هناك العديد من النواب الذين لا يريدونه أن يترأس الجلسة، ربما حسداً من عند أنفسهم أو لأسباب لا أعرفها.
وفي هذا الجو المشحون من تهريب نصاب الجلسة سحابة اليوم الأول من غياب الرئيس في أسوان , ثار غضب الرئيس بالوكالة واعتبر تصرف النواب اهانة له ولا بد له أن يثأر لكرامته . وهذا ما قرأته في وجهه وعينيه, ولو لم يتكلم , وكانت هذه فرصتي للقيام بخطتي التي أريدها تسللا لكي لا يحال بيني وبين ما أريد , ولكي يعتبر الرئيس بالوكالة أن خطابي ماهو ا لا نمط من استعادة الهيبة للرئاسة وبخاصة أن المعروف أن خطاباتي لا تعرف السقوف إلا سقوف الأردن وخطوط الأردن .لذا لابد من إشعاره أنني في الخندق معه وقد كنت كذلك لأنه محترم وصديقي أيضا.
التقينا في المساء،على وجبة إفطار رمضاني في بيت احد نواب الشمال الكائن في تلاع العلي , وكان عدد المدعوين محدودا مقتصرا علي وإياه وعدد قليل من النواب، وكانت جلستي وإياه في ركن من المضافة بشكل منفرد وكل منا يبحث عن ثار الكرامة والأنفة : هو يريد إثبات انه رئيس ناجح وأنا أريد أن أكون نائبا ناجحا , وقد تعمدت الجلسة دون أن ينتبه إلينا احد , وبينما كان الضيوف مشغولون بأكل الفواكة وشرب الشاي والعصائر والنميمة والصوت الجعجعي ( من الجعجعة ) مال إلي وشكا لي من تهريب النصاب , وكأنه يطلب إلي مساعدته ضمن الاحترام المتبادل بيننا وأننا من قبيلتين بقيتا على مر القرون حلفاء عشائريا ووطنيا منذ كانوا من عشائر الكرك في زمن الصليبيين إلى أن استقر بهم المطاف هم في الشمال وبني عباد بوسط الأردن , وكلانا يعود إلى جذور واحدة وطنيا . وهنا وجدتها فرصة للإدلاء بدلوي قبل عودة رئيس المجلس . قلت له: اسمع يا دكتور يوسف أعطني الكلام غداً، وأنا أعيدهم إليك، وبإذن الله سوف أحقق النصاب إن طار.
قال: هل جهّزت خطابك؟ / قالها بفرحة وبشاشة , فملت إليه أتحدث همسا كي لا ينتبه إلينا أكلة القصعة والفواكه وما لذ وطاب والقطائف والنمامون ( من النميمة ) وعملاء المدير السجين فتخرب الخطة, قلت: نعم، ومنذ أيام قبل بدء النقاش، ولا يغرنّك تظاهري أنني لم أكتب كلمتي بعد. قال: ماذا ستتكلم؟ قلت: سأقول كلاماً يشفي غليل الأردنيين، وأنت من عائلة معروفة بتاريخها الوطني وهي عائلة الشريدة الكريمة، وسوف يسرك ما تسمعه.
ولكن أريده أن يكون بثاً حيّاً ومباشراً على الهواء , وإلا فلا داعي للخطاب , ولمحت إليه حول الموضوع كي لا يفاجأ ويقاطعني , ولكي أرى ردة فعله . وبالفعل وجدتني وأنا انظر إلى وجهه وعينيه في ردة فعله وفرحة الهادئ وكأنني احك له على جرب كما يقول المثل الأردني .
قال بلهفة رزينة: كيف تعرف انه بث حي ومباشر ؟ قلت: من خلال التوكد من البث المباشر غداً. وأن تطلب كرئيس مجلس بالوكالة انه يجب البث المباشر لخطابات النواب, لعل ذلك يساعد على التزامهم بتحقيق النصاب لان الناس ستنظر إلى نوابها وتعيب على الغائب والخائب منهم. قال: سأجري اتصالاتي الليلة بصفتي رئيس المجلس بالوكالة، لأتوكد من الأمور، وإن الإعلام سيغطي الجلسة مباشرة على الهواء عبر شاشة التلفزيون إن شاء الله .
قلت: عندما يفلت النصاب، ارفع يدي فجأة وبدون سابق إنذار وبدون علم أي نائب أبدا ، وأقول لك: أعطني الحديث وأنا أعيدهم جميعاً إلى القبّة الآن، قال: اتفقنا على بركة الله. قلت: تكتم الأمر وإلا فلن افعلها ؟ قال: نعم، لا يعلمه إلا الله ثم أنا وأنت. قلت: على بركة الله. وعندما غادرنا منزل المعازيب في أم السماق بعمان الغربية. تواعدنا عند السيارة خارج بيت المعزب من خلال الإشارات الخفية دون أن يشعر بنا احد , وبينما كان كل منا يهم بالركوب بسيارته وأكدت له العهد والمكتومية همسا ، وأكد لي الالتزام بهما همسا ، وفعلاً كان كتوماً ملتزما مثلما كنت كذلك.
وفي الصباح، بدأت الجلسة ويجب أن تبدأ بالثلثين 54 من 80 وعند إعلان اكتمال النصاب، يمكن أن ينزل إلى 41 من 80. رفعت يدي، وسألت: معالي الرئيس هل الجلسة على الهواء مباشرة؟ ( وهذا مدون في مداولات المجلس ) فقال: نعم، وأكد ذلك أحد الوزراء المهمين في الحكومة، ولكن أحداً لا يدري لماذا سألت هذا السؤال ؟ ولا يدري لماذا أجابني رئيس المجلس بالوكالة هكذا ؟ كما أن الوزير نفسه لا يدري ماهي القصة سوى انه يريد التباهي انه أمر بالبث المباشر ،ولم ينتبه احد إلى السؤال وربما اعتبره الذكي في المجلس انه نوع من الهرطقة والسخافة.
كنت أريد إجراء محاكمة سياسية للفاسدين وللمدير المسجون على الهواء مباشرة، وليكن بعدها ما يكون، أريد أن يسمع الأردنيون والعالم، وليكن بعدها الطوفان السياسي، والاغتيال والاعتقال والافتراء كائنا ما كان , ومع هذا لست نادما على ما فعلت رغم كل الأذى والخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بي وبأسرتي ولا زالت ,ولو عادت بي الأيام والوقائع لفعلت الأمر نفسه بدون تردد لأنه استحقاق وطني وتاريخي.
فقول الحق جهاد ولا بد له من ثمن , وإلا فما الفارق بين من المجاهد والقاعد ؟ إذا لم تكن التضحية هي الفارق ؟ والشجاعة هي الفارق وقول كلمة الحق هي الفارق ؟ والقوة الصحيحة هي الفارق ؟ .
فانا أؤمن أن هناك محاكمات قضائية يكون الحكم فيها للدليل , وحيث أن لصوص بلادي لا يتركون دليلا فانه يتعذر إرسالهم للقضاء لاختفاء الأدلة , ولكن المحاكمات السياسية شيء آخر , وهو ما مارسته و أؤمن به لأنه يرتب الأشانة وليس الإدانة وهو كاف لإنهاء مستقبل اللصوص عندما لا يكونوا شركاء باللصوصية مع صاحب القرار أو جباة له . وبالعودة إلى مناقشاتي طيلة عضويتي بالبرلمان لمرتين تجدني سلكت المحاكمة السياسية لأنها قائمة على الاستشعار والنتائج . أما اللصوص فيريدون محاكمات من نمط يحتاج إلى دليل ملموس ووثائق وهو أمر متعذر في اغلب الأحيان لان لصوص بلادي يتلفون الدليل قبل أن يولد . وعلي أن اعريهم سياسيا وكفى .
كان رئيس الوزراء في حينه غائباً عن الجلسة لاستهزائه بالمتحدثين وتوكده أنني لن اخطب ووقوعه ضحية التمويه والدهاء الذي سلكته وطمأنتهم أنني لن أتحدث وان تحدثت سأكون آخر المتحدثين ، وبلغ استهزاء أحد نواب رئيس الوزراء المقرّب منه جداً( وهو من الذين هاجمتهم ) أقول بلغ استهزاءه بالنواب انه لم يحضر إلى الجلسة وراح يشارك في ندوة في الجامعة الأردنية على انه الخبير الاقتصادي الذي لا يشق لع غبار؟؟؟، وكانت وزيرة التخطيط التي شملها هجومي وتعريتي السياسية لها , أقول كانت مسافرة في أمريكا .
وكان عدد الوزراء الحضور لا يتجاوز أربعة وزراء بالضبط من أصل ستة أو ثمانية وعشرين وزيراً، وكان الاستهتار بالجلسة والمجلس ورئيس المجلس بالوكالة قد بلغ شأوا من قبل الحكومة والعديد من النواب , وشعرت إن كرامتنا الأردنية تمتهن ممن لا يفهمون أهمية المسؤولية ولا الوطنية .
أما أنا فما يهمني إن كان من سأهاجمه حاضرا أم غائبا, المهم التحدث على الهواء مباشرة للأردنيين جميعا ليسمعوا مني وليس ليسمعوا عني , ولا يهمني إن كان رئيس الوزراء موجودا أم لا , فهذا عندي لا يقدم ولا يؤخر . المهم أن الظروف صارت مواتية تماما لإلقاء الخطاب والقيام بالعملية الاستشهادية السياسية والحمد لله .
وأخيراً حدث ما كنت أتوقعه وأتمناه وكأنني رسمته بيدي والحمد لله , وكانت أوراقي ووثائقي جاهزة، وأنا اجلس بهدوء كبدوي صبور يرقب الأعداء من على رأس تل يراهم ولا يرونه حتى إذا مااقتربوا أوقعهم في الكمين , وشعر رئيس المجلس بالوكالة د يوسف الشريدة أن نبله وأدبه، قد سمح للبعض من النواب أن يمارس ما لا يتفق مع النبل والأدب، وطار النصاب، وهنا غضب الرئيس بالوكالة وخرج عن طوره، عندما لم يستمع إليه أحد في البقاء والإلحاح ,وهو يصيح عليهم بالاسم : يا فلان النصاب , يا فلان النصاب , يا جماعة الجلسة منعقدة , ولا احد يسمع له أبدا . واعتبرها رسالة له لتفشيله . فالحكومة غائبة , والنواب يلعبون في قاعة التشريفات الخلفية في المجلس , وعلى الرئيس أن يرفع الجلسة لانعدام النصاب , وهذا فشل له , بل اهانة لشرفه وهو لا يرضى ذلك ولا أرضاه أيضا ..
نظرت وإذا الأمور شوربة والنواب عبثيون ولا يتحملون المسؤولية , والكل يعرف انه لن يسمعوا لخطاب إلا إذا كان خطاب د احمد عويدي العبادي , فصرت أنا بالنسبة للرئيس بالوكالة كمنقذ أعظم لكيانه الرئاسي , وصار ينظر إلي وكاد أن يبادر بالطلب إلي أن أتحدث / اخطب , ففهمت عليه , وفزعت له أيضا فزعة وطنية وفزعة كرامة , فلقد جاءت الخطة حسب السيناريو المتوقع والحمد لله: فرفعت يدي بهدوء الواثق من نفسه , وقلت: معالي الرئيس، أعطني الكلام الآن وسوف أعيد لك النواب والحكومة إلى القبة، بعون الله (قلت ذلك خارج التسجيل مباشرة بدون سماعة وبدون استئذان ).
وهنا وجدها الرئيس بالوكالة فرصة لضرب هؤلاء الذين لم يلتزموا بالنبل الذي يتمتع به هو . وكان النصاب قد هبط إلى 35 أو 36 نائباً وحينها يجب رفع الجلسة , فقال بصوت مرتفع على السماعة : الكلمة الآن لسعادة الزميل د. أحمد عويدي العبادي فليتفضل. وهنا نهضت ببطء في لحظة ضياع نصاب الجلسة , معطياً الفرصة لوصول الخبر إلى النواب الجالسين عبثا والعابثين جلوسا في قاعة التشريفات المجاورة،وعودة من صاروا على أبواب القبة للخروج , وما أن وصلت المنصّة،وفتحت أوراقي حتى كان العدد قد تجاوز أل 45 نائباً. ثم قفز بسرعة وخلال دقائق إلى أكثر من ذلك بكثير .
وتأنيت ببطء الواثق من نفسه ومن ذخيرته وما في جعبته , في فتح الأوراق والملفات،وبدأ النواب يتوافدون من الردهات الجانبية، وبدأ الوزراء يعودون من غرفة الوزراء الجانبية في المجلس، وتنفس الرئيس بالوكالة الصعداء، وابتسم ابتسامة المنتصر وتبادلت وإياه ابتسامة النصر دون أن لاحظ علينا احد ما يدور , ودون أن يعرف احد ماتم تخطيطه بيننا بليل عندما كانت البطون الجشعة تلتهم ولا شبع والألسنة الفالتة تثرثر ولا تتوقف . وهنا شرعت في الخطاب، وألقيت ما في جعبتي. كنت تباطأت ليبلغ كل واحد يعرف، ممن لا يعرف أنني على الهواء. نعم أنا الآن على الهواء مباشرة في فرصة تاريخية هيأها الله سبحانه وفقنا إليها .
وعلى مدى ساعة ونيف من الخطاب، على البث المباشر، وعلى الهواء مباشرة، قلت ما سوف نقرأه في هذا الكتاب (ج1 + ج2). أما الخروج على النص فموجود في جلسات المجلس ومحفوظ فيها ضمن وثائقه.
وعندما كان نائب رئيس الوزراء المقرب من الرئيس ومن ولي العهد في حينه في الندوة بالجامعة، تلقى مكالمة هاتفية على الخلوي من مصادر تسمى عليا يسأله: أين أنت الآن؟ فقال الوزير المدلل : لماذا يا سيدي , فقال المصدر العالي الذي كان يتابع الخطاب : لا أراك في جلسة المجلس؟ قال إنني في ندوة في الجامعة، قال له المصدر المهم: الله يخرب بيتك: هذا الدكتور العويدي نازل فيك على الهواء مباشرة الآن. قال الوزير: إن العويدي، حسب المعلومات عندي، لن يخطب، وإذا خطب فسيكون في أخر المتحدثين. قال له: أترك شغلك والتحق بالقبّة، إنه على الهواء مباشرة يخرب بيتك، فركض الوزير إلى السيارة الحكومية يسمع الخطاب من الإذاعة حتى وصل القبة ليسمع بقيته مباشرة , وهو يقول : يخرب بيتك يالعويدي حاقد عنصري . وهي الصفات التي يعلل بها الفاسدون أنفسهم عند ذكر اسمي عندهم . .
وقد اخبرني شخصيا احد كبار الشخصيات السياسية / رئيس وزراء سابق , فيما بعد انه كان يريد الخروج من منزله لمواعيد هامة جداً، فلما قيل الكلمة الآن للدكتور احمد عويدي العبادي جلس يسمع الخطاب، وأوعز لمرافقيه أن يتصلوا بالأطراف التي تنتظره على الموعد لتأجيل الموعد لساعة أو ساعتين , ولكي يتابعوا خطابي معه على الهواء مباشرة ، ليتذاكروا في أمره فيما بعد (أي أمر خطابي) بعد أن يلتقوا على موائد منسفية ( من المنسف ) من دماء الشعب الأردني .
أما أحد الوزراء الذي كان في زيارة إلى أمريكا، فقد تم الاتصال به من وزارته يطلب إليه مشاهدة خطابي على الفضائية الأردنية ، وما أبرزته من وثائق حول فساد ذلك الوزير. أما رئيس مجلس النواب الذي كان في الصعيد بمصر, فقد قطع زيارته بناء على تعليمات عليا وعاد فوراً على أول طائرة، ليترأس المجلس في اليوم التالي. هذه حقائق للتاريخ يعرفها كل من هو معني بها أو تابعها بإخلاص ودقة .
وهكذا، وبمكتومية كاملة، وتمويه عسكري وأمني، ولأنه لم يطلع أحد من الناس على خطابي قبل إلقائه،ولا يعرف اقرب المقربين إليّ ماذا سأقول،وخدعتهم بإعلاني أنني هذه المرة لا أريد الخطابة والمناقشة، متظاهراً، أنني إن تحدثت، فسوف أكون آخر المتحدثين.أقول لهذا كله كان النجاح رفيق مسرتي في ذلك الخطاب والحمد لله رب العالمين .
وفعلاً، أكل الجميع هذا الطعم والمقلب ، وكنت وضعت اسمي على القائمة لأكون أخر المتحدثين احتياطاً، وليس توكيداً وقد لا أتحدث، وحتى رئيس المجلس ورغم ما هو عليه من فراسة وذكاء، قد انطلت عليه حيلتي هذه، وذهب يرأس وفداً إلى مؤتمر في مصر , وحتى الحكومة انطلت عليها الحيلة. بل وحتى مدير المخابرات في حينه انطلت عليه الحيلة . ومفادها أنني لن أتحدث هذه المرة، وبالتالي كان الجميع في راحة واسترخاء عندما فجرت هذا البركان.من هنا فإنهم لم يعودوا يثقون بي بعدها مهما اظهر وتظاهرت من اللطف والزهد وعدم الاهتمام , وصاروا يعتبرون ذلك مني نمطا من المخادعة والتمويه الذي ينطوي على أمور لا تسرهم أبدا . إنهم يعتبرونني مراوغا ومخادعا ويتعذر التكهن بما سأفعله , وهم يعرفون أنني الوحيد من البشر الذي يعرف ماذا يريده احمد عويدي العبادي , وما عداي يأتي ضمن الادعاء بأنه يعرف ماذا أريد وهو يجهل ما أريده تماما . إنها الحياة لعبة ومسرحية وان المكتومية هي من يؤذي المتربصين لأنهم لا يستطيعون معرفة ماذا سيحدث مما يزيد عليهم الأثقال والأحمال , قاتلهم الله
لم يندم رئيس المجلس بالوكالة على ما فعله، ولم يتحدث ولم أتحدث لأحد حول الترتيب المسبق وبقي لاتفاقنا طي الكتمان ، وهذه المرة الأولى التي أكشف بها هذا السرّ واكتشفت أن هذا الرجل/ د يوسف الشريدة كتوم جدا وجدير بالثقة فهو قليل الكلام لا يثرثر ولا يتحدث بالصغائر التي يتحدث بها الصغار , وجدير بالثقة على الأسرار. أما أنا فلست نادماً أبداً، رغم المعاناة والأذى، والتشهير الكاذب والشرشحات التي تعرضت إليها بسبب خطابي ذاك ولا زلت أتعرض إلى يومنا هذا ، ولكن الله سبحانه أنقذني والحمد لله رب العالمين، ودمّر المتآمرين جميعاً.
وقد رأيت هنا تدوين بعض فقرات هذا الخطاب المناسب لهذا الموقع من الكتاب, كما هو في سجلات مجلس النواب لتلك الجلسة في 14/1/1998، وهي على النحو التالي:
سعادة النائب الأول لرئيس المجلس: رئيس الجلسة- رئيس المجلس بالوكالة) أنا باعتقادي أنه عدد كبير من الوزراء المعنيين غير موجودين، وفي كثير من كلمات الزملاء تتطلب وجود هؤلاء أصحاب المعالي، الجواب عند أبو زهير
معالي نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات ووزيراً للتنمية الإدارية: سيدي الرئيس كما مررت لك ملحوظة معتذراً قبل قليل الحقيقة أنه يوجد وفد رسمي بعض الوزراء انشغلوا معه وليس كل الوزراء. وأنا قبل ربع ساعة طلبت أصحاب المعالي يلتزموا حضور الجلسة وأن شاء الله لكم ذلك. وأرجو قبول اعتذارنا. وشكراً.
سعادة النائب الأول لرئيس المجلس:
لنتابع المناقشة، إذن الكلمة الآن لسعادة النائب أحمد عويدي العبادي.
وهنا ادون في هذه الحلقة الفقرة المتعلقة في هجومي الصاعق على مدير المخابرات المسجون , والتي اوجدت لي متاعب عانيت منها طيلة حياتي الى الان انا واهل بيتي , وهذا نص الفقرة :
معالي الرئيس. الأخوة الزملاء،
من المؤسف المحزن أن الترهل والفساد قد تسلسل حثيثاً إلى الدائرة الأمنية الحساسة في الدولة، وهي دائرة المخابرات، التي اعتدناها مؤسسة وطنية عادلة عاقلة زمن إدارتها السابقة وكانت ولا زالت لها في قلوبنا المحبة والاحترام لأنها بنيت بدماء الأردنيين. ولكن عطوفة قمة هرمها الحالي قد نحا بها من العقلانية والواقعية والمصداقية إلى الارتجال والثارات والرعونة. ومن ممارسة الواجبات الوطنية الموكولة إليه إلى العمل الدؤوب للتفريق بين القيادة والشعب، وملاحقة ومضايقة الأردنيين في الداخل والخارج دون الاهتمام بالمخاطر الحقيقية ضد الوطن.
ومن الإيثار والتضحيات إلى التهام المكاسب الشخصية، ونشر المعلومات المضللة، وتوسيع دوائر الاحتقان الشعبي، فضلاً عن تقيد عطوفته الواضح بتعليمات الحكومة السابقة، وتصفية الحسابات الشخصية، وتحويل كل من تسول له نفسه بانتقادها أو انتقاد حكومته المفضلة الراحلة إلى محكمة أمن الدولة بجريمة إطالة اللسان لأنه نصب من نفسه مقامات عليا).