مدن الصيف: مجرد ذريعة للكتابة

mainThumb

22-08-2013 10:58 PM

يسافر الكاتب في المدن والبلدان لا ليكتب عنها بل لكي يكتب عن نفسه. الآخرون لهم مهنة في الحياة، الكاتب حياته مهنته. كل شيء يتحول إلى أدب، قال غابرييل غارسيا ماركيز عندما عاد إلى بلدته بعد أول غياب. إلى سرد. هكذا قال من قبله اليوناني الرائع كازانتزاكس عندما عاد إلى كريت. شهرت باريس توفيق الحكيم عندما كان من رواد الكاتبين عن حياتها. حاول أن تعيد قراءة «عصفور من الشرق»: الحكيم كتب عن نفسه لا عن باريس. هي حاضرة لأنه موجود فيها. إنها مجرد فصل من رواياته أو مسرحياته، ولكن هذه المرة في سرد ذاتي.

من يقرأ عنوان «باريس مهرجان متحرك» لإرنست همنغواي يعتقد أنه كتاب في وصف باريس. غلط. إنه مذكرات خلابة عن حياة همنغواي في باريس يوم كانت تصنع شهرة الكتّاب الفرنسيين والغرباء على السواء. جورج أورويل، القاتم الجميل والحزين المتألق، كتب عن تلك الحقبة من فندق بائس آخر، لكنه كان جارحا ومريرا. وصف باريس وهو فيها، أما همنغواي فكتب «مهرجان متحرك» بعدما ابتعد عن أيام الفقر والضنى.

المدن وسيلة. مجرد ذريعة من ذرائع الكتابة. والسفر موضوع غني. لذلك ترى أن المدن المفضلة عند الكتّاب هي المتسامحة مع بؤسهم والمتضافرة مع شعورهم باليأس. سمها، إذا شئت الاختصار، مرابع السرد ومنافي الطيبين. بيروت إحداها. كانت تطوي أحزانهم وتعطيهم كرسيا صغيرا وطاولة وغرفة في فندق ومشاهد وجوه جميلة وتنادي عليهم: هيا، إنها فرصة لن تتكرر: بيروت والشباب معا. احزنوا واكتبوا. وأنت يا محمد الماغوط اشحذ قلمك وبدد حزنك في ضوء القمر، وأنت يا بدر شاكر السياب اكتب، فأنت أشعر أهل العراق منذ ألف عام، وسوف يكرهك طبعا عبد الوهاب البياتي، فهل عرفت عنه أنه أحب شاعرا؟ عفوا، أنه أحب أحدا؟

يأتي الشعراء إلى بيروت لكي يغنوها: نزار ومحمود درويش. وكتبت غادة السمان «لا بحر في بيروت». وكان الصادق النيهوم يجلس على شاطئ البحر فيرى اللامنتهى الأزرق، لكنه سرعان ما يعود خائفا إلى داخله، محتميا بما احتمى به طوال حياته القصيرة، قلم شفاف مشرق وحان وغزير الموهبة والتأمل. في الكتابة، ما أعظم أيها الصادق الحبيب أن يكون الكاتب آتيا من الينابيع والجذور. مائة مليار لم تستطع أن تجعل كاتبا من الرجل الذي كنت سبب إحدى عقده الشوكية. منع حتى الاحتفال بذكراك ومات حتى من دون ذكرى.

إذا كانت تلك «أم المعارك» فإن باريس أم المدن في «صناعة» الكتَّاب. أشهر كتّاب أميركا توسلوا المادة والشهرة في أزقتها. أشهر الأسماء الأجنبية لمعت في سمائها، في مرحلة ما: جبران خليل جبران، أمين معلوف، همنغواي، ماركيز، هنري ميللر، جيمس جويس، سنغور، بابلو نيرودا، أوكتافيو باث، كارلوس فوينتس، عبد الرحمن بدوي، طه حسين، وسواهم سواهم ممن لا نعرف ولا تعرفون. طمنوني عن صيفكم. عليكم بالقراءة السارة وسوف أحاول ألا أثقل عليكم. عسى إجازتكم بعيدة عن بلاد النكد. إلى اللقاء.

 

* الشرق الاوسط



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد