صحيفة السوسنة الأردنية

المال السياسي أو المال الانتخابي أو المال الأسود، تتعدد الأسماء والأوصاف لأكثر محركات الصراع داخل جماعة الإخوان المسلمين، مشكلة  ظل يتحدث عنها القادة بهمس خلال العقد الماضي مما فاقم المشكلة وجعل منها مشكلة مستعصية تحتاج إلى معالجة حاسمة.

تصل لي عبر البريد الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي بعض الرسائل من أبناء الحركة الإسلامية ومن أنصارها ومحبيها تطلب مني أن أرفق في الحركة وأتوقف عن الكتابة في محركات الصراع داخل الحركة الإسلامية  معللين طلبهم بان طرق الإصلاح الحقيقية تكون  بالنصح الداخلي لا بنشر الغسيل على حبال الإعلام والمواقع الالكترونية.

هنا اكتب مؤكد بان ما يكتب لا يستهدف شخص بعينه أو تيار أو جهة داخل الحركة الإسلامية كما انه لا يستهدف الحركة الإسلامية ذاتها كما يتصور البعض، بل أن الكتابة جاءت تستهدف الظواهر السلبية داخل الحركة الإسلامية تلك الحركة التي تعتبر مكسب مجتمعي وضرورة وطنية لبناء هذا البلد.

 الكتابة ترد في سياق إصلاح تلك الحركة المؤهلة الوحيدة لقيادة الأردن إلى مرحلة أخرى ما بعد عصر الفساد الذي نعيشه حاليا،  كل المؤشرات على الأرض من  فساد بطانة النظام تؤشر على أن القادم الوحيد لإدارة مستقبل الأردن هي الحركة الإسلامية.

أقول لمن يرسل، أنني لست قريب من صانع القرار في الحركة الإسلامية ولا قريب من الجسم الداخلي حتى يتم النصح كما يطلب البعض، كما أن القناعة متأصلة بان الحل هو بنشر الوعي بحقيقة المشاكل  وكشفها لا بإخفائها والتستر عليها للحفاظ على شعبية تتآكل في ظل التدافع الداخلي والصراع المحموم الذي لم يتوقف، فالزوايا التي لا ترى الشمس تتعفن وتغطية التقرحات قبل تنظيفها توصل إلى بتر الأعضاء.

 الكتابة تستهدف  نشر الحقائق كما هي محاولا أن تكون مرآة للواقع كما هو بكل تفاصيله ، وذلك للوصول إلى مستقبل واعي للحركة الإسلامية يتجنب به تلك الأخطاء والخطايا  التي ترتكب بحق هذه التنظيم الذي هو ملك للوطن ولكل واحد من أفراد هذا الشعب  الذي ينتظره لقيادة مستقبلهم .

(1)    خلل تشريعي

المال السياسي محرك قوي  من محركات الصراع  داخل الحركة الإسلامية ناتج ونابع من ضعف تشريعي في النظام الأساسي للحركة الإسلامية ،إذ تتم انتخابات المواقع القيادية على جميع الصعد بنظام انتخابي  غير قادر على تلبية اتساع  التنظيم وتطوره .

نظام انتخابي يقوم على مبدأ "فلا تزكوا أنفسكم" ، نظام انتخابي يحصر الترشيح  في تزكية الآخرين للقيادة دون أن يرشح نفسه أو يطرح رؤيته ، مما قد يدفع  إلى الواجهة أشخاص ليس لديهم رغبة أو ليس لديهم مشروع في قيادة مستقبل الحركة  لمدة أربع سنوات عمر مجلس الشورى المنتخب .

نظام انتخابي يحصر القاعدة الانتخابية بالأشخاص القادرين على تسديد اشتراكاتهم التنظيمية مصدر دخل الحركة الإسلامية  الوحيد للصرف على أنشطتها، إذ يكون كل عضو ملزم بدفع 3.5% من دخله الشهري  للحركة، نظام قديم  يحرم كثير من المعسرين من الترشح أو حتى التصويت.
نظام انتخابي يحرم الشباب من المشاركة  فلا يحق للفرد الاخواني  الشاب أن يشارك لا في الترشح علاوة عن حرمانه حق التصويت في الانتخابات، إذ لا يحق للفرد المشاركة في التصويت إلا بعد قضاءه خمس سنوات في المرحلة التنظيمية  الثانية حيث  قد تستمر المرحلة التنظيمية الأولى من سنة  إلى ثلاث سنوات مما يعني انه لا يحق للفرد الاخواني من العناصر الشابة أن يدلي بصوته في اختيار قيادته إلا بعد مرور فترة تمتد من ستة سنوات إلى ثمانية سنوات على التحاقه  بالتنظيم. 

نظام انتخابي  يحرم المرأة ويحرم العناصر الشابة ويحرم العناصر النشيطة والعاملة المعسرة من المشاركة في التصويت علاوة على حرمانها من الترشح، نظام انتخابي يجعل ما يزيد عن 75 % من  الجسم الاخواني غير مشارك  في صناعة  المشهد القيادي وفرزه.

(2)         ما لا يجد طريقه في النور يجد طريقه في الظلام

الديمقراطية قطعة فكرية واحدة وان الأخذ ببعضها وإهمال بعضها الأخر يؤدي إلى تشوه في  الشكل والممارسات  وتشوه في النتائج أيضا .

خلل تشريعي في النظام الأساسي اوجد البيئة المناسبة ليكون المال السياسي مؤثر في المشهد الانتخابي  للقيادات  الداخلية الحركة الإسلامية.

يتدخل المال السياسي حينما يكون بعض الأفراد من المعسرين غير القادرين على دفع اشتراكهم السنوي فيجدون من يدفع عنهم  تلك الاشتراكات تحت بند القرض أو المساعدة المالية أو المنحة بأسماء ومسميات مختلفة.

قد لا تكون المشكلة في دفع المال عن الأفراد المعسرين ولكن المشكلة تظهر في انتقاء الدفع ليكون عن الأفراد أصحاب المواقف الانتخابية الواضحة المؤيدة لمن يملك المال أو التصرف به مما يعطي من يملك المال  فرصة لزيادة قاعدته الانتخابية ويحسم معركته بسهولة ويسر .      
التيار المعتدل  يصف نفسه بأنه ضحية المال السياسي الأسود الذي اتخذ شكل العمل المؤسسي داخل التنظيم، البعض في التيار المعتدل يؤكد بان التيار المتشدد لديه تنظيم داخل التنظيم وانه قادر على تجميع المال وتوظيفه في العملية الانتخابية وان هذا التنظيم الداخلي الذي بدأ يكشف من خلال بعض الأفراد الذين غادروه هو من يدير المال الأسود ويوظفه في العملية الانتخابية .
التيار المتشدد ينفي وجود المال السياسي أو استخدامه له ويبرر أن بعض التجاوزات ما هي إلا  تجاوزات محدودة وشخصية ولا تأخذ شكل العمل المؤسسي كما يدعي التيار المعتدل ، وانه يقف في صف مكافحة ذلك المال والضرب على يد من يستخدمه وأنهم لم ولن  يوفروا الحماية لكل من استخدم المال السياسي وأنهم  يؤيدون كل إجراء يتخذ لمكافحة تلك الظاهرة .

قضية ماركا وتكشف المال السياسي الذي استخدم هناك في الانتخابات الأخيرة لمجلس الشورى واستبعاد العضو الفائز المحسوب على التيار المتشدد بموجب قرار قضائي إخواني داخلي، وما ترتب عليه من نتائج يؤكد بان المال السياسي استخدم واثر في نتائج  فرز القيادة الحالية إذ أن الاستبعاد تم لعضو مجلس شورى ماركا بعد انتخاب المراقب العام الحالي الذي فاز بفارق صوتين.

مكتب الإرشاد كان على ما يبدو مقتنعا بوجود المال السياسي  في انتخابات الإخوان الأخيرة من خلال ما قدم بين يديه من أدلة، ضغط لحل تلك الأزمة من خلال لقاءات بيروت واسطنبول وأصر على محاولة تقليل أثار المال السياسي الذي استخدم في الانتخابات الأخيرة لصالح التيار المتشدد على ما يبدو  بتوصيته إعادة تشكيل المكتب التنفيذي واستبعاد الأشخاص  الذين تدور حولهم  الشبهات باستخدام المال السياسي، إلا أن حدوث الأزمة المصرية واعتقال أعضاء مكتب الإرشاد أوقفت تلك الضغوطات فتأصلت الأزمة واستفحلت.

التيار المتشدد الذي يملك أغلبية في مجلس الشورى لم يقدم أي تعديل على النظام الأساسي من شانه أن يعالج ظاهرة المال السياسي في الانتخابات .
 
يفسر البعض تمسك التيار المتشدد بالنظام الانتخابي الحالي كون هذا النظام يخدم مصالحه ويسمح له باستخدام المال السياسي الذي يملكه ويملك القدرة على توظيفه في أي معركة انتخابية داخلية من خلال التنظيم الداخلي داخل الجسم التنظيمي على حد وصف البعض  .

(3)    الآثار والتوصية

الآثار:-

المال الانتخابي الأسود يترك أثار غاية في الخطورة على داخل الحركة الإسلامية ويهدد مستقبلها تتمثل تلك الآثار  بالتالي

1-     استخدام المال السياسي يعدم الثقة بين أفراد التنظيم الواحد ويجعل القيادة محل شكوك الأفراد مما ينعكس على مدى دعمها والتعاطي مع قراراتها من قبل القواعد الاخواني كما انه يتعدى أكثر من ذلك بفقد الثقة بالقيادة وبشرعيتها الانتخابية .

2-    استخدام المال السياسي يؤسس إلى صعود قيادات غير مؤهلة في المراحل القادمة مما يؤدي إلى  إفقار  الصف القيادي للكفاءات الفاعلة القادرة على إدارة المراحل الصعبة .

3-    استخدام المال السياسي  يسمح للجهات الممولة أن تؤثر في المشهد القيادي سواء كانت تلك الجهات  جهات صديقة أو أفراد أصحاب مصالح مما يجعل القيادة التي تأتي بالمال السياسي رهينة لمن يدفع  المال ويقدمها للصف القيادي ، وهنا  مكمن الخطورة .

            التوصية:-

لما كان الضعف التشريعي هو السبب الذي سمح بتسلل هذا المرض إلى الجسم التنظيمي لا يمكن معالجة تلك الظواهر بالتثقيف أو بترميم الوازع الخلقي الانتخابي بمفرده  بقدر ما يكون أكثر تأثير إصلاح النظام الانتخابي الداخلي من خلال .

1-    تعديل النظام الانتخابي برفع شرط تسديد الاشتراك عن الناخب وإبقاء الشرط  على المرشح،   إذ يقاس نجاح أي عملية انتخابية بحجم المشاركة فيها  فكلما اتسعت دائرة المشاركة الانتخابية في صناعة القيادة تكون القيادة معبرة عن رغبة  وتطلعات  القواعد الاخوانية مما ينعكس بشكل ايجابي على التنظيم .

2-    العمل على توسيع دائرة القواعد الانتخابية  وذلك من خلال السماح للشباب بالإدلاء بأصواتهم ـ بحيث يسمح لكل فرد أنهى المرحلة الأولى من عمره التنظيمي المشاركة في اختيار قيادته  .

3-    رفع الحظر عن مشاركة المرأة الاخوانية في الانتخابات و السماح  لها في  الترشح والانتخاب  لتكون شريكة في صناعة القرار وقيادة المرحلة .

4-    الانفتاح في ممارسة العملية الانتخابية والسماح بطرح البرامج والرؤى للمرحلة القادمة والحديث بعلنية  ، بحيث يتم إغلاق المنافذ أمام الشائعات  والانطباعات السلبية الغير مبنية على الحقيقة  ، عندها نكون أمام عملية انتخابية تفرز قيادة تعبر عن اختيار القواعد الاخوانية .