صحيفة السوسنة الأردنية

أربعون يوما يا أختي الحبيبة وشقيقتي الغالية وتوأم الروح ما أشرقت فيها شمسك البهية التي ما اعتدنا على غيابها يوما واحدا وغاب عن أسماعنا صوتك الرخيم الوقور نبحث عنه في كل مكان ننتظره في كل لحظة عسى أن يعود فيجبر كسر القلب الحزين وتنتشي به الروح العليلة ولكن وا أسفاه لا الخيال رأيناه ولا حتى صدى الصوت سمعناه غبت فجأة دون إخطار رحلت دون وداع أهكذا يفعل المحب بأحبائه؟ ما هذا الجفاء ولم نعهد من قلبك العظيم إلا الصلة والحنو والدفء الكبير؟ هي عادتك عشت بصمت كبير ورحلت بصمت أكبر بكثير.

     أختاه أم قتيبة البعيدة القريبة الغائبة الحاضرة الراحلة المقيمة اشتقنا إليك وافتقدنا جلساتك الهنية ألم تشتاقي أنت إلينا  وتفتقدي جلساتنا الجميلة ؟هل هُنَّا عليك فآثرت البعاد عنا  والرحيل ؟ أم غلبك الشوق والاشتياق لأمنا فعجلت الرحيل إليها ؟ هل قابلتها ؟ هل ارتميت في حضنها الدافئ ؟ هل تعانقت روحكما الطاهرتين ؟  هل بلغتها سلامنا وحرقة فراقها ؟هنيئا لكما هذا اللقاء والعناق الطويل  لقد سبقتنا إليها  يا مريم  قبل أن يمضي على رحيلها ثلاثة أعوام ألا تعلمين أن رحيلك بهذه السرعة بعد أمنا الحبيبة قد كان كالقشة التي قصمت ظهر البعير ؟ فالقلب بعدكما ملأه الحزن واليأس والألم العميق. والجرح ينزف لا طبيب يوقفه ولا صديق حميم  .

أختاه أتذكرين ؟ كنا خمسة شقيقات ما فرقتنا الأيام والسنون كنا معا كأصابع يد واحدة متناسقات متشابهات ما دخل خلاف بيننا قط همنا واحد فرحنا واحد وألمنا واحد وفجأة ودون سابق إنذار جاء سهم الموت الغادر ليبتر السبابة في هذا الكف الجميل فما عاد الكف كما كان لا شكلا ولا مضمونا تشوه منظره ووهنت الأصابع الأربعة وهي تنزف دما ودمعا وألمًا وحرقة على غياب الأعز والأغلى فكيف يهنأ العيش للأربعة بعدك يا أم قتيبة ؟ آه يا أُخيتي كم آلمنا فراقك لقد كُسِر منا الظهر وأُوجِع القلبُ وقتل الروح آه يا وجعنا الأبدي ويا ألمنا الباقي في النفس الكسيرة التي امتلأت بعد رحيلك بالجزء الأول من اسمك فأصبحت الحياة مر ومرار غص به الحلق والقلب والروح الكئيبة .

أخيتي أتعلمين ماذا أتمنى الآن ؟ أتمنى أن أراك لمرة واحده أعاتبك فيها لماذا لم تخبرينا عن ألمك الشديد ومرضك العنيد لماذا آثرت أن تعاني العذاب والألم وحدك الم نعتد أن نتشارك الهموم والألم هل خفت علينا من الألم والخوف عليك أما علمت أن رحيلك فجاه كان أشد ألمًا وفجيعة ؟ أم آثرت الصمت والصبر وهذا طبعك وليس بالأمر الغريب فأنت مريم ومن يعرفك يعلم أن سر اختلافك عن البشر ذاك الصمت والصبر الرهيب . آه من هذا الخبيث كيف تجرأ أن يتخذ من اطهر جسد في الوجود مقرًا له يأكل منه بصمت عجيب وكأنه قد تيقن  أنك لا تطردين ضيفا ولو كان يستل سهم الموت ويخفي الحقد الدفين .
مريم أختي الحبيبة أما استعجلت الرحيل أما كان بوسعك الإبطاء بالمسير حتى ترين بسملة الصغيرة في مريولها الأزرق نحو المدرسة تسير ؟ أو تنتظرين سخاء تحمل لكِ بشرى النجاح الكبير أو ترين تقى تتألق بزي التخرج الفريد؟  أعلم أن هذا قضاء رب العرش العظيم  وله في كل أمر من الحكم الكثير  فيا رب اغفر لنا وساوس القلب الكليم  وارحم أُمَّنا وأختنا وألهمنا الصبر بعدهما واجمعنا بهما مع الحبيب المصطفى في جنات النعيم  .

أقول يا رفيقَتي دربنا
يا راحلا وجميل الصبر يتبعه                          هل من سبيل إلى لقياك يتفق
ما أنصفتك دموعي وهي دامية                       ولا وفى لك قلبي وهو يحترق

وأقول
بعدتم عن العينين فازداد حبكم                        وغبتم وانتم في القلوب حضور

اللهم اغفر لهما وارحمهما واغسلهما بالماء والثلج والبرد وألبسهما من السندس الأخضر واسقهما من الرحيق المختوم وأسكنهما مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا اللهم آمين واجبر ربي كسرنا وأجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها اللهم آمين والحمد لله رب العالمين

شقيقاتك