إضراب المعلمين والعقلية العُرفية

mainThumb

18-08-2014 04:46 PM

سنأخذ في البداية لماذا تم الإفراج عن نقابة المعلمين لتصبح دستورية بعد منعها لعدة عقود أي منذُ عام 1957م وحتى عام 2012م حيث خاض خلالها المعلمون الكثير من المحاولات النضالية لإحيائها ، حتى وصلت الأمور بالنظام السياسي الأردني إلى إيداع الكثير من نشطاء المعلمين في السجن لمجرد مطالبتهم بالنقابة ، اما حراك المعلمين الآخير لإحياء النقابة والذي إمتاز عن سابقاته بالحراك الجماعي على مستوى الوطن مترافق مع الإصرار والعزيمة وتحملهم للكثير من الضغوطات المختلفة التي مارستها العقلية الأمنية التي تدير الدولة ، فكان إلتفاف المعلمين حول نخبة تمثل معلمي الوطن من شماله إلى جنوبه حيث تم إختيارهم بطريقة ديمقراطية لم تستطع الدولة حتى اللحظة من ممارستها أن استطاعوا اعتراف النظام السياسي الأمني العُرفي بأحقيتهم في إحياء نقابتهم والإعتراف بدستوريتها بعدما كانت خطاً أحمر كما غيرها من الخطوط الحمراء الكثيرة التي وضعها النظام السياسي الأمني العُرفي أمام المواطن الأردني ، ولكن عندما ننظر إلى الظروف التي خدمت المعلمين نجد أن ثورات الربيع العربي في مقدمة هذه الظروف لإخراجهم من الشارع الاحتجاجي وبالتالي تحييد فئة كبيرة من المجتمع الأردني وهي الأكثر انسجاماً فيما بينها وتتعامل مع مطالبتها بالنقابة بنفس طويل لا يكل أمام التسويف والمماطلة أو الضغوطات الاجتماعية التي اصطنعها العقل الأمني من خلال توجيهات لوسائل الإعلام.

العقلية الأمنية للدولة إستشعرت مدى خطورة بقاء المعلمين في الشارع الاحتجاجي في ظل ثورات الربيع العربي إضافة إلى الظروف الداخلية السائدة ، حيث بدأت تتشكل مجاميع إحتجاجية تطالب بتغييرات جذرية سواء إقتصادية أو سياسية إضافة إلى إشارة هذه المجاميع ومنها المعلمين إلى الفساد المستشري في بنية النظام السياسي مُعللين أسبابها والمطالبة بمحاسبة مسببيها ، وطرحهم لمشاريع إصلاحية قادرة على إخراج الوطن من حالة التراجع المُستمر على كافة الصُعد ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ومطالبة هذه المجاميع الاحتجاجية بإجراء تعديلات على الدستور الأردني تُعيد السلطة إلى الشعب ومقدرات الوطن التي نُهبت ، حيث كان المعلمون يواجهون رفض منحهم النقابة كونها أحد الخطوط الحمراء وغير دستورية بأن طالبوا بتعديل الدستور ، وبالتالي أوجد ثقافة جديدة لدى الشارع الأردني بشكل عام والشارع الاحتجاجي بشكل خاص أن الدستور ليس مُنزل من السماء ولا يحمل الصفة القُدسية التي تمنع تعديله عندما تتعارض نصوصه مع المصلحة العامة وبالتالي يمكن تعديله إذا توفرت الإرادة السياسية أو الرغبة الشعبية.


عندما أقر المجلس العالي لتفسير الدستور بـ دستورية النقابة كانت إستجابة للظروف الطارئة وخوفاً من تبعات الاستمرار بالتعنت والرفض ، فكانت العقلية الأمنية حاضرة في مواد قانون نقابة المعلمين لتقييدها وإفراغها من مضمونها وتحييدها عن دورها المهني الحقيقي وبالتالي دورها الوطني ، وحرصاً من العقلية الأمنية على عدم وجود أي دور للنقابة في العملية التعليمية بكافة محاورها وحتى المسار المهني لأعضائها على عكس العُرف النقابي في باقي النقابات ، ولذلك جاءت بعض مواد القانون واضحة في منعها للنقابة من التأثير أو التدخل في المسار التعليمي حتى وإن كانت على صواب في رؤيتها ليبقى دورها كأي طرف آخر من خارج أطراف العملية التعليمية فتدخل إطروحاتها في باب التوصيات وهي غير مُلزمة لصانع القرار ونعلم أن مصيرها الأسر في الأدراج أو سلة المهملات ، وسنعرض تالياً المادة الخامسة من قانون نقابة المعلمين حيث تنص على :

(المادة 5)- تلتزم النقابة بما يلي: -

أ‌- المحافظة على متطلبات العملية التربوية ورعاية مصلحة الطالب وعدم الإضرار بحقه في التعلم.
ب‌- مراعاة أحكام قانون التربية والتعليم ونظام الخدمة المدنية والتشريعات الأخرى.
ت‌- عدم ممارسة الأنشطة الحزبية.
ث‌- عدم التدخل بسياسات التعليم والمناهج والبرامج والمعايير المهنية وشروط مزاولة مهنة التعليم والمسار المهني والوظيفي للمعلمين.
ج‌- اللجوء الى الاساليب المشروعة في تبني مطالب المعلمين وخاصة الحوار.
وعند التمعن في نصوص هذه المادة نجد أن العقلية الأمنية هي التي شرّعت القانون ووضعت الموانع أمام المعلم ونقابته من أي دور إصلاحي للمسار التعليمي.

أما المادة الرابعة من القانون والتي تتناقض مع المادة الخامسة من حيث المضمون والهدف والتي بيّنت الغاية من وجود النقابة ودورها تجاه منتسبيها حيث نصت على :
(المادة4)- تعمل النقابة على تحقيق الاهداف التالية: -
أ‌- الارتقاء برسالة المعلم ومهنته وتطويرها والمحافظة على أخلاقياتها وتقاليدها.
ب‌- الإسهام في رفع المستوى العلمي والثقافي والاجتماعي للمعلم.
ت‌- المحافظة على حقوق المعلمين وكرامتهم.
ث‌- تأمين الحياة الكريمة للمعلمين وعائلاتهم في حالة التقاعد والعجز والشيخوخة والوفاة.

عند مقارنة نصوص المنع على النقابة في المادة الخامسة ونربطها بنصوص المادة الرابعة ، نتساءل كيف يكون الارتقاء برسالة المعلم ومهنته وتطويرها والمحافظة على اخلاقياتها وتقاليدها وفي نفس الوقت تمنع المادة الخامسة النقابة من التدخل في المسار المهني للمعلم وتمنعها من التدخل في المناهج وسياسات التعليم والبرامج والمعايير المهنية أو شروط مزاولة المهنة؟!! ، أما مراعاة احكام قانون التربية والتعليم ونظام ديوان الخدمة المدنية والتشريعات الأخرى ذات العلاقة ، فكيف سترضى النقابة تسليم منتسبيها لرؤية العقلية الأمنية وتشريعاته العُرفية الظالمة؟!!

وزير التربية ومن بعده رئيس الوزراء ومن بعدهم بعض الكتاب في الصحف اليومية أو مقدمي بعض البرامج الإذاعية _ونعلم بأنها توجيهات من العقلية الأمنية التي تتحكم بصنع القرار_ حمّلوا النقابة ومنتسبيها المعلمين نتائج إمتحان الثانوية العامة وذلك من اجل تأليب الراي العام عليهم وتحميلهم وزر غيرهم من أصحاب القرار في الشان التربوي ، في حين كان اعتراف وزير التربية في أكثر من لقاء قبل الأزمة أن هذه النتائج هي نتاج تراكمات لسنين طويلة من الفساد والسياسات التربوية الخاطئة ، ويتحمل مسؤوليتها كل أطراف العملية التربوية ونحن نعلم ان المعلم تم إخراجه منذُ أكثر من عقد من دائرة التأثير على المسار التعليمي ليصبح دوره ثانوياً مقارنة مع السنوات الذهبية التي يتغنى بها الجميع عندما كان المعلم صاحب الريادة وله الدور الأساسي والفاعل في المسار التعليمي ، إن ما حدث خلال العام الدراسي الماضي من إدعاءات وزير التربية من قدرته على ضبط إمتحان الثانوية العامة كان لإظهاره الحاجة المُلحة لتطوير العملية التعليمية ، ولكن بعيداً عن المعلم ودوره المحوري ، وذلك من خلال تعديل قانون التربية والتعليم وإعادة تعريف المعلم والتي ستؤثر حتماً على نقابة المعلمين وعدد منتسبيها ودورها النقابي المهني وزيادة في تهميش المعلم ووضع آليات جديدة لما يُعرف بـ التوجيهي والتي نعتقد بأنها مرحلة إنتقالية لخصخصة التعليم الثانوي وذلك بعد إلحاق الصف العاشر الأساسي بالمرحلة الثانوية ، فيضعون السم بالدسم ، وزير التربية والتعليم إستطاع أن يكوّن رأي عام بناءً على توجيهات من العقلية الأمنية لتمرير رؤية صندوق النقد الدولي ومطالبه المُتكرره عند كل قرض يمنحه للدولة الأردنية في إحداث تغييرات تشريعية جذرية على المسار التعليمي بكافة جوانبه ، ولذلك كان لا بد من ممارسة كل ما أمكن لضمان إستمرارية تحييد نقابة المعلمين بصفتها الاعتبارية وتقييد منتسبيها بـ نظام ديوان الخدمة المدنية الجديد وفي المستقبل القريب ما سيطرأ من تعديلات على قانون التربية والتعليم.

إضراب المعلمين والذي بدأ إعتباراً من صباح يوم الأحد 17/8/2014م هو معركة وجود بين الحكومة والمعلمين وبالتالي فإن نجاح النقابة في قيادة هذا الإضراب من خلال إلتزام المعلمين بقرار مجلس نقابتهم _والأصل أن يلتزموا لأن المطالب مهنية وتلبي الحدّ الأدنى من طموحاتهم_ مما سيؤدي إلى فرض أمر واقع جديد بإعادة المعلم إلى مكانه الذي يجب أن يكون فيه ليصبح شريكاً اساسياً في إصلاح التعليم ، في حين تسعى الحكومة لتحقيق رؤية العقلية الأمنية بتحييد النقابة وإبعادها عن دورها الحقيقي تجاه العملية التعليمية وإفشالها وتقزيمها بعيون منتسبيها وبالتالي عدم قدرتها في المستقبل من الدفاع عن حقوق المعلمين او المحافظة على شخصيتهم وكرامتهم ، في حين أن الوجه السياسي في الإضراب والمتمثل بالإسلاميين فإن العقلية الامنية ترغب في إسقاطهم وازدياد النظرة السلبية السوداوية تجاههم من المجتمع وبالتالي إخراجهم من المشهد السياسي ومؤسسات المجتمع المدني دون الحاجة إلى القيام بحظرهم كما فعلت بعض الدول العربية من حولنا ، وحتى لو تم حظرهم فلا يكون من ردة فعل مؤثرة على المشهد السياسي الأردني.
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد