لا سلام من دون توازن القوى

mainThumb

18-05-2009 12:00 AM

منذ معاهدة ويستفاليا في القرن السابع عشر ومعاهدة ويترخت في القرن الذي يليه, اللتين حفظتا سيادة الدول الاوروبية, القوية والضعيفة, كان السلم العالمي ينشأ فقط في حالة توازن القوى داخل القارة الاوروبية, وعندما كان يختل هذا التوازن لصالح طرف ضد آخر تندلع الحروب وهو ما حدث في الحرب العالمية الاولى عام .1914

اما الحرب العالمية الثانية فقد اندلعت لان حالة توازن القوى لم تنشأ في اوروبا وحاول اعداء المانيا فرض سلام من جانب واحد عليها, وبعد الحرب نشأ ما يعرف ب¯ »التعايش السلمي« القائم على توازن القوة, وتوازن الرعب بين المعسكرين الاقوى في العالم, حلف الاطلسي وحلف وارسو.

ما ينطبق على النزاعات الدولية, استنادا الى وقائع التاريخ وحقائق السياسة ينطبق ايضا على الصراع العربي - الصهيوني, ولا يوجد اي منطق يجعل هذا الصراع استثناء. ولقد مرّ من الوقت ما يكفي, فمنذ توقيع المعاهدة المصرية- الاسرائيلية في عام 1979 تم الترويج بان من مقومات السلام في المنطقة, الحفاظ على اسرائيل متفوقة عسكريا على جميع العرب. وهذا اسوأ ما حدث, بل انه اسوأ الاخطاء الكارثية التي وقع فيها الجانب العربي.

منذ 30 عاما وقع خلل هائل في التوازن الاستراتيجي بين العرب واسرائيل بعد خروج مصر من المواجهة, ثم ازداد هذا الخلل بعد توقيع منظمة التحرير اتفاقية اوسلو والاردن معاهدة وادي عربة. وبينما تلقت اسرائيل خلال هذه السنوات اقوى الاسلحة واحدثها من امريكا والغرب تراجعت قوة الجيوش العربية, بل احكم الحصار على تسليحها باسلحة متطورة وبذلك اصبحت القوة كلها بيد اسرائيل للتحكم بادارة الصراع ونتائج المفاوضات.

لقد قامت معاهدات السلام السيئة مع اسرائيل على اساس تخلي العرب عن توازن القوة في الصراع, ومن هنا ساهمت هذه المعاهدات في فتح شهية قادة اسرائيل لشن الحروب وضرب مشاريع السلام عرض الحائط.

في مذكرات هنري كيسنجر عن رحلاته المكوكية بين القاهرة وتل ابيب التي اسفرت عن توقيع معاهدة السلام بينهما, يذكر بانه عندما قابل رابين قال له: اسرائيل لا تستطيع ان تقدم تنازلات لمصر إلا اذا زودتها امريكا باسلحة جديدة تجعلها متفوقة عسكريا, ويضيف كيسنجر, وبعد ان تعهدنا لاسرائيل بالتفوق عسكريا, قال لي رابين عندما طالبت الحكومة الاسرائيلية بتقديم تنازلات ما دمنا اقوياء لماذا نقدم التنازلات?!

وفي قول قديم لجمال الدين الافغاني »اذا تساوت القوة ظهر العدل« ولان السلام شبه العادل لم يعد ممكنا في المنطقة بسبب غطرسة القوة الاسرائيلية, فانني ادعو كل من يريد البحث والاستقصاء في احجية تعذر قيام سلام في المنطقة الى العودة لكتب التاريخ والسياسة, ولكل ما نشر عن تاريخ الصراعات بين الشعوب, فقد يجد الاجابة في جملة واحدة هي: انه في ظل غياب توازن القوة بين العرب وبين اسرائيل من المستحيل تحقيق سلام يعيد للعرب والفلسطينيين حقوقهم واوطانهم المحتلة.

من المؤلم انه في لغة الارقام تنفق بعض الدول العربية الصغيرة على التسليح 3 اضعاف ما تنفقه اسرائيل. وان الانفاق على التسلح في العالم العربي اكبر من الانفاق على التنمية الاقتصادية بعشرات المرات. وانا اتجنب ذكر الاسماء والارقام, حتى لا احرج احدا, لكن كل هذا الانفاق, للاسف يدخل في باب العولمة وتبادل المنافع »الاقتصادية والامنية« بين هذه الحكومات وبين المصالح الرأسمالية الكبرى, وباختصار, تنفق اسرائيل على السلاح لتصنع قوة وتبني نفوذا ومجدا على حساب كرامة العرب وحقوقهم, وننفق نحن العرب اضعاف ما تنفقه بلا هدف ولا معنى وبلا استراتيجية.

العرب اليوم


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد