موسم الهجرة الى الموت

mainThumb

02-07-2009 12:00 AM

قرأت رواية (موسم الهجرة الى الشمال) قبل اكثر من ثلاثين عاما .كنت مراهقا انذاك ، وقد اهدرت عقدا كاملا من حياتي فيما بعد لأدرك ان الطيب صالح لم يكن يقصد اطلاقا ان يقدم لي صورة البطل القدوة ، كما لم يكلف نفسه عناء ادانة ممارسات مصطفى سعيد..بل ترك ذلك للقارىء لي ...ولم اكن معتادا على ان امتلك الخيار والقرار.

كان يكفي الطيب صالح ان يكتب روايته (موسم الهجرة الى الشمال) ليتربع على عرش العبقرية الأدبية التي اوصلت روايته ليتم اختيارها عام 2002 لتكون من بين أفضل مئة رواية عالمية في تاريخ الإنسانية.

المضحك المبكي في الموضوع ان هذه الرواية التي اعتبرت اول عمل ادبي كبير يتناول الصراع بين الحضارات ، حتى قبل التنظير له فكريا من صمويل هنتنجتون في كتابه (صراع الحضارات).

المضحك المبكي ان هذا العمل العظيم قد منع في بلده السودان قبل عامين ، وربما لا يزال المنع ساري المفعول حتى الان ، على اعتبار ان الرواية تنتمي الى ادب (البورنوغرافي)..يعني الى الأدب الجنسي ،،،،. بوفاة الطيب صالح نخسر واحدا آخر من جيل العمالقة امثال نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف وجبرا ابراهيم جبرا ومحمد الماغوط ومحمود درويش وغيرهم....جيل ربما هو في طريقه الى الإنقراض بعد انتهاء عصر العمالقة في كل شيء..في الأدب والعلم والسياسة والفلسفة والفكر والفن والموسيقى.....،،.

الذي يعزينا في وفاة الأديب الكبير ان رحيله عن الحياة يعطي دفقا قويا لأدبه ، فيكتب عن اعماله في الشهر اللاحق لرحيلة ما يعادل ما كتب عنه طيلة حياته ، وهذا يؤدي هذا الى نفاذ اعماله من المكتبات والأكشاك ، ويحفز دور النشر الى طباعتها من جديد على عجل ، وربما يتضاعف عدد القراء مرة واحدة.

مصطفى سعيد بطل موسم الهجرة من الشمال كان ساخرا كبيرا على طريقته ، انه ابن الشعوب المقهورة المستعمرة الذي يترك بلده ويصعد الى عاصمة البلد المستعمر (بكسر الميم طبعا) بحثا عن الثأر ممن أذل شعبه وانتهك بلده وكرامته واستعبده.

لكن مصطفى سعيد كان يبحث عن ثأر ساخر وعدواني ، يصل في نهايته الى القتل ..قتل جين موريس(المكافل الرمزي للآخر المستعمر) التي لا تكف عن الإبتسام للسخرية من البطل ....فينتصر عليها اخيرا بالنجاح في امتلاكها ..ثم قتلها.

هكذا..ينتصر مصطفى سعيد على المستعمر بالقتل والإعتداء ، كما انتصر المستعمر على بلده بالقتل والاعتداء ، ثم يدفع البطل ثمن جريمته بالسجن ، بعدها يعود الى بلده ليعيش في قرية صفيرة معزولة حياة مفرطة العادية ، بعد ان تخلص من عقدة المستعمر ليوصي الراوي بأن يحاول ابعاد ولديه ، اللذين انجبهما من زواجه بعد العودة ، عن الفضول والترحال.

بالمناسبة ، الفتح الجديد الإضافي في عالم الرواية العربية ، ان مصطفى سعيد ..البطل ، لم يكن يحمل ايا من صفات البطولة المنمذجة ، لا هو بالقوي ، ولا بالوسيم ، ولا بالعبقري ، ، بل هو انسان عادي وإشكالي ، وانطباعات معارفه اكثرها سلبية ، ..انها بطولة عفوية متمردة على الأطر التقليدية الجاهزة.

وهكذا بينما كنا نواري جسد الطيب صالح الثرى ، اعدنا الحياة الى مصطفى سعيد والى غيرة من ابطال روايات الطيب صالح وقصصه القصيرة.الدستور



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد