معضلة اصلاح الجامعات

mainThumb

05-07-2009 12:00 AM

منذ ان رفعت الحكومات المتعاقبة شعار اصلاح الجامعات مع بداية هذا العقد, تعرضت الصروح التعليمية الكبرى (الحكومية) لهجمة مضادة هي محض »سياسية« هدفها سيطرة الحكومة على الحقل التعليمي ومحاولة تشكيله وفق معايير وقيم ابعد ما تكون عن شروط الاصلاح. لقد تراجعت البيئة الجامعية النقية التي تكفل تخريج اجيال اكثر علماً, وتوفر الامن الوظيفي للاساتذة من اجل تشجيع البحث والمبادرة والمنافسة المعرفية والعلمية.

لقد تحولت (الجامعات) الى ضحية للسياسة, ومنذ ان مرّت بهدوء حادثة اقصاء احد رؤساء الجامعات (الدكتور عدنان البخيت) عن موقعه بسبب مقالة في مجلة. كان واضحاً ان الجامعات ستصبح جزءاً من النزاعات والقرارات ذات الطابع السياسي من اجل السيطرة عليها والسعي الى رسم دور للشباب من خلال تشكيل هيئات من خارج البيئة الجامعية هدفها احداث عزل قسري لتأثير العملية التعليمية على المسارات الفكرية والسياسية للطلبة.

عندما يتغير رؤساء الجامعات 4 او 5 مرات خلال ثماني سنوات فان ذلك مؤشر على تقدم »السياسي« على »الاكاديمي« الذي تم تحت قصف مكثف من شعارات »الاصلاح« التي حملت »السياسة« الى قاعات المحاضرات بزعم زرع المفاهيم الليبرالية بين صفوف الشباب. وقد خدع الكثيرون بهذا الانفتاح المفاجئ, غير اني دهشت, وانا اسمع احد المسؤولين يتحدث عن خطط للسيطرة على الجامعات واعادة تشكيلها اداريا واكاديميا في تجاهل واضح لمبدأ استقلال الجامعات مما جعلها عرضة للضغوط الخارجية التي افقدت الهيئات الادارية والتعليمية الاستقلالية والحصانة, وفرضت التقييم الوظيفي على اسس سياسية غير اكاديمية.

خلال هذا العقد تسلل الى الجامعات اسلوب (التلقين السياسي) ليضاف الى مناهج (التلقين) الاكاديمي التي كانت الهيئات التعليمية تسعى للتخلص منه, وشاهدنا اشكالاً تنظيمية مستوردة من خارج الجامعات تحت شعارات ليبرالية مدعومة بالنفوذ والاغراءات من اجل فرض توجهات سياسية معينة على الطلبة, او لمواجهة التيارات الاسلامية والعشائرية التي هي الاخرى كانت ثمرة للنزاعات السياسية خارج الجامعات, وليست وليدة تعددية فكرية من قلب العملية التعليمية.

وبموازاة ذلك تعرضت البنى الادارية الى مخطط لاخضاعها للقرارات السياسية, وهكذا اصبحنا نشاهد داخل الجامعات مظاهر (التخلف) السياسي السائدة خارجها وبدلا من ان تكون مصدر الابداع والتفكير والتغيير للمجتمع اصبحت ضحية تبعية وظيفية قرارها بايدي السياسيين, مما قضى على فرص بناء أطر ادارية واكاديمية »مستقلة« مما ادى الى »هجرة العقول« التي اشار اليها تقرير الدكتور انور البطيخي, اي النزوح الكبير للاساتذة والاكاديميين عن الجامعات.

التغيير المستمر, غير المبرر للقيادات التعليمية سواء بالتبديل او التنقلات يؤكد المدى الذي وصلت اليه التبعية الوظيفية في الجامعات الى السلطة السياسية وهو ما يهدد بالفعل استقلاليتها. ومن ظواهر الحالة انتقال الخطاب السياسي الى الساحة الجامعية ليحل مكان البحث العلمي والحوار الاكاديمي الذي يميز الطبيعة السياسية الهادئة للجامعات, في عملية انتاج منهجية للمعارف السياسية والقانونية والاجتماعية تؤهل الخريجين للمشاركة في الحياة العامة واغنائها بالفكر والمبادرات.

لا تُعلّم الحرية باحتفالات خطابية تذكرنا بمهرجانات المحافظات في المناسبات الوطنية انما في تحصين البيئة التعليمية من الضغوط والتدخلات السياسية, وتوفير حرية التفكير والابداع والتنظيم للنشاط الاكاديمي والبحثي (بما في ذلك المعرفة السياسية والقانونية). وقبل ذلك منح الهيئات التدريسية بصفتها الجماعية والفردية الشعور بالامان وبان معايير وقيم الارتقاء في سلم الوظيفة, هي خارج سيطرة الاهواء والضغوط السياسية, وبعيدة عن تقلب الادارات المستمر في الرئاسات.0العرب اليوم



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد