رداء الشوق

mainThumb

05-07-2009 12:00 AM

مثل رائحة الدرّاق يعطّر المغتربون ليالي صيفنا ..ومثل رقصة غصن ياسمين يحرّكون أيامنا المسكونة في الرتابة..

كلما شاهدت سيارة ميتسوبيشي ستيشن او مرسيدس طويلة تحمل نمرة خليجية وعليها شبك للحقائب،وغطاء جبنة ابو الولد تحت الزجاج الخلفي..وعلبة عصير راني فارغة وملقاة بين الكراسي.. وكلما شاهدت الرمال الشقيقة لا تزال على عجلاتها ورائحة السفر معتّقة على مقاعدها..والمحرّك الساخن يبرد قليلاً قليلاً في فيّء الدار ..حمدت الله وشكرته على سلامة الغائبين كل الغائبين..

وكلما شاهدت لمبة كبيرة في برندة أو حوش، أو معلّقة في معرّش دالية..أتخيّل ما يدور هناك من حديث وسهر..

أقول في نفسي: لا بد ان المغترب في هذه الأثناء يرتدي دشداشة رخيمة.. ويحمل قلما مذهّبا يظهر رأسه من جيبه المنتفخ بالأوراق عديمة الفائدة، أظنه يتكّىء على وسادتين ، بالقرب من الحجي او الحجّة او كليهما ..يتحدّث عن مواضيع كثيرة وغير مترابطة..عن ارتفاع الإيجارات هناك..وعن قلق التفنيشات وعن طراوة الهواء هنا ..ثم ينتقل سائلاً الى أفضل عروض شركات الخلوي ليختار خطّاً محليّاً يستخدمه طيلة فترة الاجازة..بينما يتطعوج احد أولاده الصغار خوفاً من الذهاب الى المرحاض البعيد الواقع بين الشجر المسكون بالعتمة..سائلاً أمه بدلع مقبول .. عن مكان النونو ..

ابريق الشاي ايضاً يدلي بحديث شهي ينتقل من شفته الوحيدة الى شفاه الموجودين..ينقذ الابريق الابن المغترب من احراجات تطاله بالعشم ..كأن يسأله احد ابناء العمومه عن فرصة ابنه المتخرّج حديثاً للعمل هناك.. فيشفط المغترب رشفة شاي..ويمتدح شاي الأردن..وماء الأردن..وهواء الأردن..وفرص العمل في الأردن...ويضيّع على الفتى المتربّص بفرصة الوعد..او التلميح بأخذ السي في حتى..طالباً من أخته الصغرى ان تسكب له كوباً آخر من الشاي.. صبي يا ختي صبّي..شاياتكو زاتشيات ...

وفي آخر التعليلة..لا بد ان تصغر أهمية المواضيع المطروحة شيئاً فشيئاً..فيتم الحديث عن الكرش ..وعن فلان نصحان وفلان ضعفان ..وتنتهي التعليلة ب فلان ما أجاش يسلّم عليّ ..

أما الأولاد الذين يلبسون بيجامات مرسوم عليها بات مان و المفتّش كونان وبأيديهم ساعات بتاضي يغفون تحت الدالية على حديث الغربة وأخبار الناس هنا، وعلى تثاؤب الجدّ المفاجىء الذي يطلقه كلما اقتربت الساعة من منتصف الليل..

ينام الأطفال تماما وهم ممدّدون في سطور متوازية مثل حبّات ورق العنب ...عندئذٍ تتدخل الجدة بعاطفتها المضاعفة يا ميمتي...ناموا الأولاد...غطيهم يا عمّه لا يبردوا ...

***

ايها المغتربون العائدون المتعبون من الوجد والغربة،خذوا غفوة على ركبة الوطن.. و هذا جفني اهديه لكم..رداء شوق..فناموا في عيوني..الرأي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد