عمان - السوسنة - في أمسية شعرية متميزة خرجت عن التقليدي عقدت، مساء السبت، في مقر رابطة الأدب الاسلامي العالمية، حيث التقى خلالها الشاعر محمد الخليلي مقدم الأمسية بأسرتين من أعضاء الرابطة تميزتا بخاصية الإبداع المتسلسل وراثياً أو المتكون بيئياً، أبناء نشأوا في تربة الإبداع ونور الإيمان فتفتحت بهم القريحة الشعرية وملكوا إجادتها عن أبوين مبدعين أو أحدهما، استنبتا في الأبناء حب الخاصية الأدبية ومقاربتها بجودة الابداع، ورعيا فيهم النبت وأسقياه حتى شمخوا بإبداع يليق بالشعر الجيد
عائلتا الشاعر الشيخ صالح البوريني والشاعر الأديب والناقد المرحوم محمد الحسناوي.. عائلتان تبدت بهما ظاهرة تناقل الابداع الشعري والأدبي من الأباء إلى الأبناء وحتى تقارب الأنسباء في قرض الشعر في ظاهرة تستحق النظر
فقد استضافت الرابطة الشاعر صالح البوريني في قراءات شعرية جديدة له وإبنه حمزة صالح البوريني الذي اختط له مكانة على نهج والده في قرض الشعر، وتغيبت عن المشهد الإبنة القاصة لظروفها الجامعية.. فابتدأ الوالد بعرض قصائده ليكمل الإبن حمزة منظوم شعره على عدد من البحور، مستعرضاً أسلوب والده التربوي في عملية ايقاظه لصلاة الفجر بأبيات شعرية أرسلها له عبر المحمول ورد الإبن عليها على نفس البحر والقافية بأبيات عابقة بالود والالتزام والاحترام.. وأستعرض هنا أبيات الحوار التي تدلل على الخط الشعري لكلا الوالد والإبن.. فيقول الأب:
ناديتُ عبرَ الهاتفِ المَحمُول= قولي أحبُك يا حروفي قولي
وأحبُّ خطوكَ إذ يسابق خُطوتي= سعياً إلى الفجر بلا تأجيل
سأظلُّ أدعو للصلاة أحبتي = قل هذه طولَ الحياة سبيلي
فيقول الإبن حمزة في رده إلى والده:-
أدْعو إلهي ما أويْتُ لمَضْجَعي= أنْ يَبْعثني في الدُجى المَكحُول
لأُكِبَّ بينَ يديهِ أطلبُ عَفوَهُ= وأنالَ مِنْ نورِ الصلاة دليلي
وأكون مَحفوظاً بألفِ نظرةٍ = منها تسدَّدُ في الحَياةِ سبيلي
ولكَ الجزيل مِنَّ الجزاءِ مَثوبة= منْ دلَّ للخيرِ اغتنى بجزيل
ومن قصيدة له أخرى بعنوان إنه المترجى.. يقول
فؤادي في الدُجى يدعوك ربي= لغيرك لا تكلني أنت حسبي
أضرَّ بي الغرور وحبُّ نفسي= وحِدْتُ عنْ الصراط أضعتُ دربي
ونفسي زينت لي السوء حتى=غويتُ ولازم العصيانُ جنبي
أذوب ندامة وأفيض حزناً=على نفسي وأبكيها بقلبي
فيما الأسرة الثانية عائلة الأديب والشاعر الراحل محمد الحسناوي، فقد قدمت أرملته الشاعرة هيفاء علوان باقة من قصائد لها خصت بها الأطفال، ويجدر بنا الذكر أنَّ للشاعرة خمس مجموعات شعرية للأطفال.. أتمثل منها
أهلاً أهلاً براعمنا= زينتم أرض حديقتنا
تتهادى فرحاً ببهاكم= وتضوعُ عطراً بشذاكم
ثم قدمت إبنتها الشابة مُزنة محمد الحسناوي خريجة لغة إنجليزي من الجامعة الأردنية قراءة في مقاربة لمسرحية جورج برنارد شو (السلاح والانسان) التي تتناول فيها الحرب الأهلية الضروس بين الصرب وبلغارية والتي تدخلت فيها روسيا حماية لمصالحها، مع الحرب الأهلية السورية التي يجري رحاها الآن داخل سوريا، وقد بدأت مع نفحات الربيع العربي للمطالبة بالاصلاحات، وتلاعبت بها الأيدي العدوة أو الخائنة لتحولها إلى حرب أهلية طائفية تنتفي فيها الرحمة، وتتدخل روسيا مرة أخرى لسخرية الموقف في سوريا لمآرب ذاتية المصالح على ذات المنوال، لتخلص إلى أنَّ الحرب لا تعدو كونها مشروعاً نفعياً جشعاً، ضحيتها الجنود والمدنيين على حد سواء
ومن ثم قرأت مما جادت به قريحتها الشعرية، قصيدة بعنوان بشارة أمل
يمضي نهارٌ آخر ويودِّع= مشي الهوينى تارةً أو يسرعُ
رُحماك مهلاً في الغياب فإننا= نرجو ثواباً علناً نسترجعُ
ما غاب من عزِّ تقادمَ ذكره= عسى وعلَّ قيودنا تتصدعُ
ما عادَ يروي في الشراب قراحُه= كلا ولا طعمٌ لدينا يشبعُ
غابت شموس المجد عنا واكتست= حلل السوادِ وغيمنا يستجمعُ
ليتبعها بالحضور شقيقها أحمد محمد الحسناوي في قراءة قصيدة له بعنوان.. أبتاه
فيقول
في يومنا الدامي= فتكت بنا الأتراح
أواه يا أبتي= كم تحزن الأرواح
على فراق أبٍ= العطر منه فاح
لما رجعت البيت= وجع غزا كبدي
خبر الأسى لاحا= ما كنت ذا جلد
قد مات حب القلب= فبكيت من كمد
ولعله معذور مقدم الأمسية الأستاذ الخليلي وهو يتساءل إذ أنَّ في الحالات المعروضة هناك تأثير بيئي وجيني مشترك.. لكن كيف يمتد هذا التأثير إلى الأنسباء، ليستلم دفة القراءة الشعرية د.نديم علوان شقيق الشاعرة هيفاء وزوج شقيقة الشاعر الخليلي المقيم في كندا ويدير هناك مدرسة اسلامية.. ويقول في قصيدة له بعنوان.. ولاء وجراح
الصبحُ أشرقَ فالدُنا أفراح= والروض أزهر فالشذى فوَّاحُ
هبَّ النسيمُ على الرياضِ فغردت= في دوحة الأطيارُ والصدَّاح
قد أقبلَ الصحبُ الكرامُ لحينا= لحضور عقد عذقه جرَّاحُ
جرَّاحُ أقبل يرتجي عَقداً على= من للطهارة والتُقى مصباحُ
فولاءُ بنت بالعفاف تجملت = فحياءها حصنٌ لها ووشاحُ
يا ربِ بارك بارك بالقرانِ وكن لهم= حصناً وعوناً أنت يا فتاحُ
وقصيدة أخرى بعنوان.. الغريب المُعنى
أظلمَ الصبحُ وادلهمت خطوبُ= تاهت عن الحبيب دروب
فإذا الليلُ والنهارُ سواءُ= وإذا النورُ كالظلام كئيبُ
وإذا الشهدُ كالسموم مذاقاً= وإذا العلقم المقيتُ يطيبُ
ليت شعري إذا الرزايا تداعت= واعتلى القلبَ ضجةٌ ونحيبُ
ولا يسعني القول إلا أن تناقل الابداع الأدبي بالأسرة الواحدة له جذور متعددة في رابطة الأدب الاسلامي العالمية فالشاعر المرحوم كمال رشيد أحد مؤسسي الرابطة أورث الرابطة إبنه الأديب الناقد د.بلال كمال رشيد أستاذ الأدب والنقد.. ود.عمر الساريسي أورث إبنته ميساء الروح الأدبية المبدعة، ومثل هذه الحالات تشكل في الرابطة الأدبية الاسلامية حالات تميز تخرج أفواجاً ابداعية لائقة

