وطنٌ كبير وشعبٌ أبيّ

mainThumb

16-02-2016 08:20 AM

 يتناقل بعض الأردنيين على وسائل التواصل الاجتماعي تصريحات بعض النواب ‏السوريين الذين يتوعدون الاردنيين وسكان عاصمتنا الحبيبة عمان بالويل والثبور، ‏ويقسمون " بأن حروف التاريخ ستتغير " اذا شاركت الأردن بأي عمل عسكري بري ضد ‏سوريا. ‏

 
وعلى ما يبدو فإن مثل هذه التصريحات لا تعبر عن دراية من قبل هؤلاء بسياسة ‏الأردن ولا بمواقف وأخلاق الأردنيين ومنهجهم في التعامل مع إخوتهم العرب قيادةً ‏وحكومةً وشعباً، وأن هذا الشعب الأردني الكبير الذي يمثل أسرةً متحابةً من شتى المنابت ‏والأصول قد قبض على جمر الكثير من آلام أمته، وقدم الكثير من التضحيات للدفاع ‏عن قضاياها، سواءاً في ساحات الوغى، أو في المؤتمرات والمنابر الدولية التي تناقش ‏مشاكلهم وقضاياهم؛ وتقاسم رغيف خبزه مع أبناء جلدته عندما كان الزمن يجور على ‏بعضهم، فوقف هذا الشعب الأبيُّ مع إخوته الفلسطينيين في نكبتهم أولاً ونكستهم ثانياً، ‏ومع العراقيين في أحلك لحظات حياتهم خلال حربيّن طاحنتيّن، ومع السوريين أنفسهم في ‏حرب تشرين 1973، ومع بعض الأخوة في دول الخليج في مصاباتهم التي هددت أمنهم ‏واستقرارهم، والآن يجدد وقفته مع إخوته السوريين في الدين والعروبة والجيرة مرة أخرى. ‏
 
يقفُ الأردنيُ ممشوقاً بقامته، معتزاً بقيمته، وشامخاً بإرادته، يقف بين، معاني ‏عروبته ودينه وعاداته التي تحث على إغاثة الملهوف المطرود والهارب من وطنه، وبين ‏ظرفه المعيشي الصعب، ليتخذ القرار المتوقع منه، ويستقبل مئات الالآف من اللاجئين ‏السوريين متناسياً حاجته للقمة العيش.‏
 
إن مثل هذه التصريحات لا تعبر عن درايةٍ بسياسة الأردن ولا بمواقف قيادته ‏الهاشمية التي ترفض يومياً وفي كل المحافل والمؤتمرات الدولية أي عمل عسكري ضد ‏سوريا، لأن ذلك يتعارض مع المصالح الوطنية الأردنية الإستراتيجية، ولأن موقف الأردن ‏من الأزمة السورية ثابت وواضح، وأنه مع الحل السياسي الذي يضمن وحدة سوريا أرضاً ‏وشعباً، وأن استقرارها وأمنها يكون عبر جلوس كافة أطياف المعادلة السورية على طاولة ‏الحوار. ‏
 
إن مثل هذه التصريحات لا تعبر عن دراية من قبل هؤلاء بمنهج الأردنيين  في ‏التعامل مع المحن والمواقف الصعبة، ولا يعرف كيف أن هذا الشعب يلتف حول قيادته ‏الهاشمية المظفرة بموجب الطاعة العمياء لأشرف نسبٍ في بيوت كل العرب، ولأشجع ‏الرجال من بني هاشمٍ في ساحات الوغى، يتوحدون وتظهر معادنهم النقية الصافية، ولا ‏تأخذهم فيمن تسول له نفسه التلاعب بأمنهم واستقرارهم لومة لائم.‏
 
إن هذه التصريحات لا تعبر عن دراية بالجيش العربي المصطفوي، حامى الحمى ‏الأردني، الذي كان منذ ارتفعت راياته في مكة المكرمة يعتنق هوية الأمة بأكملها، ونبراس ‏فخرها، وعنوان عزتها، عندما حوى في تشكيلاته رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيعٌ عن ‏التضحية بالغالي والنفيس في سبيل الله والوطن والقيادة، وعن الذود عن تراب هذا الوطن ‏وعن شعبه الكبير. ‏
 
ومنذ أن نشبت أنياب الفتنة في جسم الشقيقة سوريا، وسالت جراحاتها، كان هذا ‏الجيش مستعداً للتعامل مع كل الأوضاع المقبلة في سوريا من باب وجوب الاستعداد ‏والتحوط٬ وانطلاقاً من تفوقه التقني والعسكري القادر على ردع أي عدوان.‏
 
إننا نؤكد لكل العالم، وبالذات للأشقاء السوريين، بأن الأردن ما كان ولن يكون ‏يوماً جزءاً من الحرب على أية دولة عربية، وأنه لن يكون ضد الشقيقة سوريا، لأننا نؤمن ‏جميعاً في الأردن بأن الأخوَّة الصادقة لا تسمح بالتعدي ولا بالتآمر على دول الجوار، ‏وأكبر دليل يوم رفض الأردنيون جميعاً بأن يكونوا جزءاً من التحالف الدولي ضد العراق ‏عام 1991، حيث عانينا الأمرين نتيجة ذلك الموقف الأخوي. وأن أي تصعيدٍ ضد سوريا ‏سيكون له أبعاداً إقليمية، وهذا يقتضي أن يتخذ الأردن موقفاً سياسياً متوازناً يستشعر ‏الخطر في سوريا ولا يتدخل في شؤونها.‏
 
إن هذا الوطن الذي وضع تحت تصرف إخوته العرب وبالذات السوريين كل ‏إمكانياته المتاحة ما زال على أتم الاستعداد للقيام بواجباته القومية٬ وما زال يؤمن بأن ‏العلاقة بين الشعبين الاردني والسوري أكبر وأعمق من أن تُمس بسبب هذه التصريحات ‏اللامسؤولة والصادرة عن أشخاص لا يفهمون المعادلة الأردنية بكل عناصرها. وأن الأردن ‏دولة مؤسسات متجذرة وقائمة على ثوابت راسخة في عمره السياسي تحترم مباديء ‏الإسلام والعروبة والجيرة والقانون منذ تأسيسها.‏
 
‏ إن كل الأردنيين مطالبون في هذه الأوقات العصيبة التي يعيشها الاقليم برمته أن ‏يكونوا واعين لكل ما حولهم من فوضى وتناحر واختلافات، وأن يكونوا سداً منيعاً للدفاع ‏عن هذا الحمى الطاهر، وأن يكونوا على ثقةٍ بمنعة قيادتهم الحكيمة وقواتهم المسلحة ‏الباسلة وأجهزتهم الأمنية القادرة على مواصلة الليل بالنهار لتنام من حولها الأمهات ‏والأطفال بأمنٍ وأمان، وأن يتحروا الدقة والموضوعية في نقل الاخبار وعدم الالتفات الى ‏الاشاعات التي يبثها البعض هنا أو هناك لتنال من قوتنا وإصرارنا وحبنا لقيادتنا وحرصنا ‏على سلامة وطننا الذي نفديه بالمهج والأرواح.‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد