يتناقل بعض الأردنيين على وسائل التواصل الاجتماعي تصريحات بعض النواب السوريين الذين يتوعدون الاردنيين وسكان عاصمتنا الحبيبة عمان بالويل والثبور، ويقسمون " بأن حروف التاريخ ستتغير " اذا شاركت الأردن بأي عمل عسكري بري ضد سوريا.
وعلى ما يبدو فإن مثل هذه التصريحات لا تعبر عن دراية من قبل هؤلاء بسياسة الأردن ولا بمواقف وأخلاق الأردنيين ومنهجهم في التعامل مع إخوتهم العرب قيادةً وحكومةً وشعباً، وأن هذا الشعب الأردني الكبير الذي يمثل أسرةً متحابةً من شتى المنابت والأصول قد قبض على جمر الكثير من آلام أمته، وقدم الكثير من التضحيات للدفاع عن قضاياها، سواءاً في ساحات الوغى، أو في المؤتمرات والمنابر الدولية التي تناقش مشاكلهم وقضاياهم؛ وتقاسم رغيف خبزه مع أبناء جلدته عندما كان الزمن يجور على بعضهم، فوقف هذا الشعب الأبيُّ مع إخوته الفلسطينيين في نكبتهم أولاً ونكستهم ثانياً، ومع العراقيين في أحلك لحظات حياتهم خلال حربيّن طاحنتيّن، ومع السوريين أنفسهم في حرب تشرين 1973، ومع بعض الأخوة في دول الخليج في مصاباتهم التي هددت أمنهم واستقرارهم، والآن يجدد وقفته مع إخوته السوريين في الدين والعروبة والجيرة مرة أخرى.
يقفُ الأردنيُ ممشوقاً بقامته، معتزاً بقيمته، وشامخاً بإرادته، يقف بين، معاني عروبته ودينه وعاداته التي تحث على إغاثة الملهوف المطرود والهارب من وطنه، وبين ظرفه المعيشي الصعب، ليتخذ القرار المتوقع منه، ويستقبل مئات الالآف من اللاجئين السوريين متناسياً حاجته للقمة العيش.
إن مثل هذه التصريحات لا تعبر عن درايةٍ بسياسة الأردن ولا بمواقف قيادته الهاشمية التي ترفض يومياً وفي كل المحافل والمؤتمرات الدولية أي عمل عسكري ضد سوريا، لأن ذلك يتعارض مع المصالح الوطنية الأردنية الإستراتيجية، ولأن موقف الأردن من الأزمة السورية ثابت وواضح، وأنه مع الحل السياسي الذي يضمن وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وأن استقرارها وأمنها يكون عبر جلوس كافة أطياف المعادلة السورية على طاولة الحوار.
إن مثل هذه التصريحات لا تعبر عن دراية من قبل هؤلاء بمنهج الأردنيين في التعامل مع المحن والمواقف الصعبة، ولا يعرف كيف أن هذا الشعب يلتف حول قيادته الهاشمية المظفرة بموجب الطاعة العمياء لأشرف نسبٍ في بيوت كل العرب، ولأشجع الرجال من بني هاشمٍ في ساحات الوغى، يتوحدون وتظهر معادنهم النقية الصافية، ولا تأخذهم فيمن تسول له نفسه التلاعب بأمنهم واستقرارهم لومة لائم.
إن هذه التصريحات لا تعبر عن دراية بالجيش العربي المصطفوي، حامى الحمى الأردني، الذي كان منذ ارتفعت راياته في مكة المكرمة يعتنق هوية الأمة بأكملها، ونبراس فخرها، وعنوان عزتها، عندما حوى في تشكيلاته رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيعٌ عن التضحية بالغالي والنفيس في سبيل الله والوطن والقيادة، وعن الذود عن تراب هذا الوطن وعن شعبه الكبير.
ومنذ أن نشبت أنياب الفتنة في جسم الشقيقة سوريا، وسالت جراحاتها، كان هذا الجيش مستعداً للتعامل مع كل الأوضاع المقبلة في سوريا من باب وجوب الاستعداد والتحوط٬ وانطلاقاً من تفوقه التقني والعسكري القادر على ردع أي عدوان.
إننا نؤكد لكل العالم، وبالذات للأشقاء السوريين، بأن الأردن ما كان ولن يكون يوماً جزءاً من الحرب على أية دولة عربية، وأنه لن يكون ضد الشقيقة سوريا، لأننا نؤمن جميعاً في الأردن بأن الأخوَّة الصادقة لا تسمح بالتعدي ولا بالتآمر على دول الجوار، وأكبر دليل يوم رفض الأردنيون جميعاً بأن يكونوا جزءاً من التحالف الدولي ضد العراق عام 1991، حيث عانينا الأمرين نتيجة ذلك الموقف الأخوي. وأن أي تصعيدٍ ضد سوريا سيكون له أبعاداً إقليمية، وهذا يقتضي أن يتخذ الأردن موقفاً سياسياً متوازناً يستشعر الخطر في سوريا ولا يتدخل في شؤونها.
إن هذا الوطن الذي وضع تحت تصرف إخوته العرب وبالذات السوريين كل إمكانياته المتاحة ما زال على أتم الاستعداد للقيام بواجباته القومية٬ وما زال يؤمن بأن العلاقة بين الشعبين الاردني والسوري أكبر وأعمق من أن تُمس بسبب هذه التصريحات اللامسؤولة والصادرة عن أشخاص لا يفهمون المعادلة الأردنية بكل عناصرها. وأن الأردن دولة مؤسسات متجذرة وقائمة على ثوابت راسخة في عمره السياسي تحترم مباديء الإسلام والعروبة والجيرة والقانون منذ تأسيسها.
إن كل الأردنيين مطالبون في هذه الأوقات العصيبة التي يعيشها الاقليم برمته أن يكونوا واعين لكل ما حولهم من فوضى وتناحر واختلافات، وأن يكونوا سداً منيعاً للدفاع عن هذا الحمى الطاهر، وأن يكونوا على ثقةٍ بمنعة قيادتهم الحكيمة وقواتهم المسلحة الباسلة وأجهزتهم الأمنية القادرة على مواصلة الليل بالنهار لتنام من حولها الأمهات والأطفال بأمنٍ وأمان، وأن يتحروا الدقة والموضوعية في نقل الاخبار وعدم الالتفات الى الاشاعات التي يبثها البعض هنا أو هناك لتنال من قوتنا وإصرارنا وحبنا لقيادتنا وحرصنا على سلامة وطننا الذي نفديه بالمهج والأرواح.