مهارات التسول و«بنيته التحتية»

mainThumb

14-11-2008 12:00 AM

توقف باص "الكيا" على مقربة من "الدوار الكبير" في ضاحية الأمير راشد ، أفرغ حمولته من النساء "المدججات" بالأطفال والملابس المحتشمة غير الرثة...ذهبت النسوة في كل اتجاه ، أثار الأمر فضولي ، لحقت بالباص على طريق المدينة الطبية ، إلى أن توقف على مقربة من المسجد القريب من تقاطع شارع مكة وشارع المدينة الطبية ، وهناك ترجل السائق ووقف على قارعة الطريق منتظرا ، إليان مرت سيارة "بكب" في الرمق الأخير من عمرها الافتراضي إن لم تكن قد تجاوزته ، وكانت بدورها مكتظة بالنسوة والأطفال ، الذين هرعوا باتجاه المسجد فرادى وليس جماعات.

غادر الرجلان كل في سيارته صوب الدوار ، وبدأت النساء رحلة التسول المضنية ، هذه تحمل طفلا بين يديها ، وتلك تجر واحدا أو اثنين خلفها ، هذا يصيح شاكيا باكيا ، وذاك بللت الدموع والمخاط خدوده حتى ذقنه.

تبعت إحداهن وكانت تحمل طفلا فقد إحدى عينيه ، واكبتها بالسيارة وهي تشرح لي مأساة طلاقها وترك زوجها لها ، وحيدة تعيل أطفالا مرضى ومعاقين ، وعندما سألتها عن السيارة التي جاءت بها إلى هذا المكان مع رهط من المتسولات ، نفت ذلك بشدة ، وأسرعت مبتعدة عني بعد أن تيقنت بأنني عازف عن قراءة "كتاب حياتها" ، وخشيت أن أكون من "الجهات المختصة".

لم يعد لدي شك بأن "التسول" بات مهنة منظمة ، تسيطر عليها عصابات جنائية ، جعلت منه "بزينيس" بكل معنى الكلمة ، له هيكليته التنظيمية وبنيته التحتية وأدواته ووسائله وأساليبه ، ولم يعد يساورني شك أيضا ، في أن أجيالا من المتسولين تتلقى تدريبا منتظما على "مهارات الاتصال والاستجداء" ، وأن خبراء ومختصين ومتسولين متقاعدين ذوي خبرة مديدة ، يشرفون على ذلك.

ما لست متأكدا منه بعد ، هو كيف يحصل هؤلاء على هذا العدد من الأطفال المشوهين والمعاقين ، هل يجرون بحثا ميدانيا ينتهي باستئجارهم من ذويهم ، هل يطرحون عطاءات في الصحف ، أم أنهم يقومون بتشويه الأطفال و"تفصيلهم" على مقاس "المهنة" ومستلزمات استدرار العطف والدموع والنقود ؟،.

والحقيقة أنها ليست المرة الأولى التي تضعني الصدفة أمام مشهد كهذا ، فقبل سنوات ، وذات يوم جمعة أيضا ، وجدت نفسي أمام مشهد مماثل في حي الخرابشة في المدينة الرياضية ، حيث انتشر جيش من المتسولات اللواتي تم "إنزالهن" في المنطقة ، على مختلف الشوارع والحارات والمساجد ، لتبدأ رحلة التسول وبالوسائل ذاتها تقريبا.

ويبدو أن ظهيرة الجمعة ، هي لحظة الذروة في عمل هذه العصابات ، والمأمول أن تكون لحظة الذروة أيضا في أنشطة الأجهزة المختصة ، لملاحقة القائمين على عصابات الجريمة المنظمة هذه ، والإلقاء بهم خلف القضبان ، فنحن أمام ظاهرة لا تقتصر مفاعيلها وتداعياتها على التسول فحسب ، بل ربما تكون وراء أكمتها ما وراءها ، خصوصا وأن من بين المتسولات والمتسولين صبايا وأطفال وفتيان ، ما يفتح الباب أمام تفشي جرائم من نوع: التحرش والاغتصاب والدعارة والاتجار بالبشر ، فهل نحن فاعلون؟،.الدستور



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد