عندما تكون مناصب الدولة جسراً لوظائف في القطاع الخاص

mainThumb

05-04-2009 12:00 AM

ايام زمان كانت مناصب الدولة العليا خاصة في الديوان الملكي وفي الحكومة هي »تكليف لا تشريف« حسب العبارة المتداولة. وكان في حكم (العرف) الذي يرقى الى مرتبة القانون ان من يصل الى هذه المناصب الحساسة لا يمكن ان يقبل بوظيفة في القطاع الخاص من شأنها ان تقلل من مكانته مما يؤدي الى المس بهيبة ورمزية المنصب العام الذي كان يشغله.

اقول, هذا كان ايام زمان, وهناك مثل يقول »زمن اول حول« بمعنى ان التاريخ يذهب الى الامام ومعه تتغير الاحوال, فالجمود مرض قاتل اذا اصاب الدولة والمجتمع وتكون النتيجة التخلف. وهكذا, أقر مع الرأي القائل بانه لم يعد هناك مبرر ان يبقى من شغل المنصب العام يعيش على امجاد منصبه, وانه اذا جاءته فرصة للعمل في وظيفة في القطاع الخاص, داخل البلد او خارجه, فلا مبررات تمنعه من ذلك, سيما اننا نعيش في مرحلة اصبح فيها القطاع الخاص مدعواً للشراكة من ابوابها الواسعة في ادارة وتنمية الاقتصاد الوطني.

لكن, هناك ظاهرة يجب التوقف عندها في مسألة من يشغلون مناصب الدولة العليا ثم يتحولون الى وظائف في القطاع الخاص وفي شركات ومؤسسات لاعمالها واهدافها التجارية والمالية صلة وثيقة بما كان يشغله صاحب المنصب من وظيفة ومن سلطة في اتخاذ القرارات.

وانا هنا, لا اريد ان ادخل في التفاصيل كما لا اتهم احداً, وانما اسعى لتعقب ظاهرة تثير الاسئلة عندي وعند غيري من ابناء هذا الشعب الطيب. فلقد تعددت الحالات التي ما ان يترك المسؤول منصبه العام حتى تجده في اقل من اسبوع, ان لم يكن ايام, وقد تولى منصبا في القطاع الخاص, في البلد او في الخليج, وبرواتب خيالية.

واذا ما دققنا اكثر في تفاصيل هذه الحالات نجد ان الجهة التي ينتقل صاحب المنصب للعمل فيها كانت لها مصالح اقتصادية ومالية مع الدولة. ولقد سمعت من احد كبار المسؤولين السابقين كلاما عجيبا, فبعد نقاش بيني وبينه حول مواقفه وسياساته »خلال توليه المنصب« اجاب محتدا »يا اخي انا انفذ الافكار والاراء التي اؤمن بها واذا حدا مش عاجبه سوف استقيل وسأعمل في دولة خليجية براتب كذا وكذا«. ومن هذه الزاوية, فان صاحب المنصب العام يُحمّل البلد والناس جمايل لقبوله بالوظيفة وهنا يكون المنصب العام لا تكليفاً ولا تشريفاً انما بزنس اولاً واخيراً.

عندما يدخل »الربح« و »الثراء« في حسابات صاحب المنصب العام يصبح هذا المنصب محطة للحصول على سيرة ذاتية مهنية »C.V« يتخذها جسرا للحصول على وظائف في القطاع الخاص بمرتب عال يبلغ احيانا عشرات الآف من الدولارات شهريا.

اما عندما يلتزم صاحب المنصب العام في خدمة وظيفته الى حد الصرامة والاستقامة لحماية مصالح الدولة والوطن, فاعتقد كما تدل الظواهر بانه لن يجد عروضا في القطاع الخاص عندما يترك منصبه, وهناك عشرات الوزراء الذين شغلوا مناصب عليا وعُرفوا بحزمهم واخلاصهم دخلوا بعد ترك الوظيفة في عملية بحث وعناء عن وظيفة في القطاع الخاص تعتمد على كفاءتهم وليس على ما كان عليه منصبهم من نفوذ وقرارات, فلم يجدوا من يعرض عليهم الآف الدولارات ولا مئاتها.

وجدت الاحزاب في الدول الديمقراطية من اجل ان تسمح لجميع فئات الشعب من الاثرياء الى الفقراء, الوصول الى المنصب العام ليس من اجل تحقيق منافع خاصة انما لخدمة العمل العام الذي يعود نفعه على المجتمع. ان الانتقال من مناصب القطاع العام الى مناصب القطاع الخاص مسألة غير محظورة في الدول الديمقراطية لكنها محاطة ببيئة رقابية متعددة من الصحافة والقضاء والبرلمانات للكشف عما اذا كان هناك فساد او استغلال للسلطة.0
taher.odwan@alarabalyawm.net
" العرب اليوم"


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد