في الجدل حول زيارة البابا للأردن

mainThumb

11-05-2009 12:00 AM

أن نصطف مسيحيين ومسلمين خلف جلالة الملك مرحبين بالحبر الأعظم في رحلة حجه للديار المقدسة ، فهذا واجب يمليه التاريخ والجغرافيا على أهل هذه الرقعة المقدسة ، مهبط الديانات السماوية ، التي ارتسمت على سهولها وهضابها خطى الأنبياء والرسل والقديسين والصحابة ، وضيف بحجم قداسة البابا ، لا بد يحظى بما يليق بمكانته الروحية الكونية ، من حفاوة وترحيب ، أيا كانت ملاحظاتنا ومآخذنا على مواقف الكنيسة والفاتيكان والبابا شخصيا.

وأن يخرج من بيننا من يدلي بمواقف وتصريحات مغايرة ، فهذا حق ديمقراطي نفهمه نحن ، ويفهمه البابا ويتفهمه ، كيف لا وهو الذي ش?Zهًد وي?Zشه?Zدُ على "مثله" في حلّه وترحاله وكلما وطئت قدماه أرض قرية أو مدينة ، إذ طالما قوبلت زيارات رأس الكنيسة الكاثوليكية ورئيسها ، باعتراضات ذات طابع تاريخي وسياسي ومدني ـ حقوقي ، وفي إسرائيل ، المحطة التالية من رحلته ، واجه البابا مبكرا ، انتقادات حادة من قبل الحاخامية اليهودية العليا ومسؤولين سياسيين كبار ، وربما لهذا السبب بالذات ، تحاط تحركات قداسته دائما بأقصى درجات التحوّط الأمني.

الترحيب الذي قوبلت به زيارة الحبر الأعظم للأردن ، لا يعني أن أيا من المرحبين ، مسلمين ومسيحيين ، ق?Zبًل?Z أو ت?Zغاضى أو ص?Zم?Zت?Z على ما نُسب إلى قداسته من مواقف في أيلول من العام 2006 حول الإسلام والعنف وحدّ السيف ، وقد حرص سمو الأمير غازي بن محمد على التذكير بما أحدثته تلك التصريحات من أذى في نفوس المسلمين ، شاكراً البابا على أسفه وندمه اللاحقين ، كما أن الحفاوة التي قوبل بها البابا لا تُسقط كثيراً من التحفظات على مواقفه من بعض القضايا العربية الراهنة ، ولكن بعض التصريحات التي صدرت عن قياديين أردنيين في المعارضة الإسلامية ، تعاملت مع قداسته كما لو كان مرشحا لعضوية المكتب السياسي لحركة حماس ، فمن مطالب له بزيارة غزة (التي لم يزرها مسؤول عربي قط وتقاطعها القيادة الفلسطينية في رام الله) إلى داعْ له باتخاذ مواقف جذرية من "المشروع الصهيوني" في فلسطين ، وهي المواقف التي يجهد كثيرّ من أصحابها الأصليين في التخلي عنها أو تدوير زواياها الحادة.

لسنا في الحقيقة من أنصار زج الدين - أي دين - في السياسة ، ولسنا غافلين عن مواقف الفاتيكان التي تتحرك في منزلة وسط بين الحق الفلسطيني والباطل الإسرائيلي ، ولكننا مع ذلك لا نمتلك إلا أن نرحب أشد الترحيب بزيارة قداسته للأردن ، فالزيارة بحد ذاتها ، وفي كل محطاتها ، تشكل كسبا سياسيا ومعنويا (والمأمول أن يكون اقتصاديا) للأردن ، ونحن من قبل ومن بعد ، لا نمتلك ترف تجاهل حدث بهذا الحجم أو إدارة الظهر لشخصية عالمية بهذا الوزن ، لا لأسباب تتعلق بموقع البابا ومكانته فحسب ، بل ولأسباب تتعلق بضرورة حفظ المكانة والاعتبار - كل الاعتبار - لأتباع الكنيسة ومؤيديها من أبناء شعبنا ومنطقتنا ، لهؤلاء علينا واجب احترام مشاعرهم أيضا ، فهذا حق لهم وليس منّة منّا.

ثلاثة أيام حافلة قضاها البابا بينيدكتوس السادس عشر معنا وقضيناها معه ، احتل خلالها الأردن صدارة الصحف ومقدمة نشرات الأخبار العالمية ، وامتلأت فنادقه بالزائرين من المؤمنين في الدول المجاورة والشقيقة ، وستكون المحطات التي مرّ بها أو توقف عنها ، محجا لمئات وألوف المؤمنين والحجيج المسيحي ، ونأمل أن تتحول مختلف مواقعنا الدينية والتاريخية ، الإسلامية منها والمسيحية ، إلى نقاط جذب للسياحة الدينية ومختلف أشكال "السياحات" ، فنحن أحوج ما نكون إلى استثمار كل ما نتوفر عليه من مزايا و"ممكنات"./ الدستور/



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد