عيد للصائمين والقائمين رغم كل شيء

mainThumb

21-09-2009 12:00 AM

يعتقد كثيرون أن مفهوم العيد في الإسلام هو لون من الفرح المجاني الذي يمكن أن يتوفر في الأعراس والمناسبات الاجتماعية التقليدية التي يعرفها الناس في حياتهم اليومية ، ومن هنا تتكرر على ألسنتهم في سياق العيد مقولات تجرده من الفرح تبعاً للأوضاع الصعبة ، لاسيما أحوال الأمة المعقدة والجراحات الكثيرة التي يتواصل نزفها على نحو استثنائي منذ عقود طويلة.

بل إن مقولة المتنبي الشعرية الشهيرة "عيد بأية حال عدت يا عيد ، بما مضى أم لأمر فيك تجديد" ، تكاد تتحول إلى لازمة عند الكثيرين ، فيما يذهب البعض إلى أن العيد للصغار وليس للكبار الذي تزدحم حياتهم بالهموم والواجبات التي يأتي العيد ليضيف إليها أعباء جديدة ، لاسيما لذوي الدخل المحدود.

والحال أن العودة إلى الأصول في سياق مفهوم العيد وطقوسه قد تعيد الإنسان المسلم إلى حقيقة العيد كما أرادها الدين الحنيف ، وهنا نتذكر وصف النبي عليه الصلاة والسلام له بيوم الجائزة ، أو اليوم الذي توزع فيه الجوائز ، أي الأجور العظيمة على الصائمين والقائمين ، ويكفي أن يتخيل المرء المسلم حقيقة أن عاملاً مضى عليه شهر كامل يكد ويتعب وجاء اليوم الذي سيأخذ فيه أجره كاملاً من دون نقصان ، بل مع كثير من الزيادة على سبيل المكافأة. ولله المثل الأعلى.

في رمضان يصوم المسلم شهراً كاملاً ، ويضيف إلى ذلك قيام الليل ، وهو يعلم أن الله عز وجل قد خصّ هذا الشهر بأجر عظيم لمن صام وقام ، فكيف لا يفرح يوم العيد بعد أن منّ الله عليه بأن أعانه على الصيام والقيام ، ثم أكرمه بالأجر الجزيل لقاء ذلك.

إنه الفرج بالطاعة ، "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" ، والطاعة هي الصيام بالنسبة لعيد الفطر ، كما هي الحج في عيد الأضحى ، رغم أن الحج يبدو مختلفاً من حيث قلة من يحجون ، لكن يوم عرفة ومن ثم يوم النحر الذي يشارك فيه كل القادرين بتقديم الأضاحي هو نوع من الطاعة التي تستحق الفرح ، فضلاً عن صيام يوم عرفة للتوحد مع مشاعر الحجاج الواقفين بذلك الصعيد الطاهر.

الفرح في الإسلام هو فرح بالطاعة ، والطاعة تجلب الفرح بالفعل لمن أدرك تأثيرها في نفوس المؤمنين ، وهي لا ترتبط بالصيام والحج فحسب ، بل تشمل الصلاة والصدقة وحسن الخلق وسائر القربات إلى الله ، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول عن الصلاة "أرحنا بها يا بلال" ، وفي العموم فإن شعور المؤمن برضا الله أو اقترابه من رضاه هو السبيل إلى السعادة في الدنيا ، والتي ستكون محطة نحو السعادة الأبدية في الدار الآخرة.

أما أحوال الأمة فهي ليست نادرة ، إذ مرت بمثلها طوال قرون من دون أن يطالب أحد بإلغاء العيد ، في حين لا ينبغي المبالغة في تصوير الحال على النحو الذي يجري. صحيح أن هجمة عاتية تواجهها الأمة في أكثر من مكان ، لكن ذلك لا ينبغي أن يلفت الانتباه عن حجم المقاومة الرائع الذي تبديه ، والذي ترك الأعداء حيرى لا يدرون كيف يتصرفون.

خلاصة القول أن العيد يستحق فرحة الصائمين والقائمين في كل الأحوال ، لكن الأمة أيضاً بخير وفي جسدها الكثير من العافية الذي يحول بينها وبين الاستسلام أمام هجمات الأعداء ، بل يؤكد أن خروجها من المحنة مؤكد بحول الله.

على أننا في كل الأحوال إزاء فرح إيجابي لا ينسي أصحابه واجبهم تجاه دينهم وأمتهم وخيرة رجالها من شهداء وأسرى ومجاهدين.

تقبل الله الطاعات وكل عام ونحن وأنتم وأمتنا بألف خير.
الدستور


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد