إلحاد المبتعثة السعودية وخياطة أفواه البدون - سارة مطر

mainThumb

17-05-2016 09:27 AM

لا يفهم بعض العرب بأن تغيير الدين في أوروبا لا يمكن أن يساعد في الحصول على اللجوء السياسي، والدليل أن الحكومة البريطانية تستضيف أعدادا هائلة من مختلف الديانات، وتمنحهم الجنسية من دون النظر إلى ديانتهم.

في مطلع العام 2008، أخبرني أحد المبتعثين السعوديين لإكمال دراسته العليا في القانون في بريطانيا، بأنه يستعجل العودة لوطنه ما إن يحصل على درجة الماجستير، وسألته عن سبب رغبته في الانتهاء من دراسته بسرعة لعلمي بأن العديد من المبتعثين إلى الخارج يرغب معظمهم في تمديد بعثاتهم الدراسية لأسباب مختلفة ومتعددة، فقال لي تلك الإجابة التي لم أستطع أن أتخلص منها حتى هذه اللحظة “أشعر بأن المملكة تمر بخطوات متطورة جدا وأود أن أكون في داخل رحم المجتمع، حتى أستطيع أن أعيش مثل هذه اللحظات التاريخية”. اعتقدت في بادئ الأمر أنها مجرد مشاعر لرجل مثقف لا غير، لكن الحقيقة شاهدتها الآن حيث عايشت المملكة مفاصل وتحولات كبيرة وعميقة، كدولة مؤثرة سواء أكان ذلك في المشهد المحلي أم في المشهد الخارجي.
 
 
 
من أهم التحولات التي شهدتها المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن تغيير خطابها السياسي في سياستها الخارجية، والتي اعتمدت على المواجهات المفتوحة متخلية عن الصورة التي عُرفت عنها وهو تحفظها وحذرها في خطابها حتى ضد خصومها، اندفعت السعودية إلى المقدمة واستعادت مكانتها وزعامتها الإسلامية، وبدا صوتها أكثر حضورا ووضوحا، وهو ما انعطف على سياستها الداخلية، وهو ما أشار إليه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في لقائه الذي ظهر به على قناة العربية الإخبارية، معلنا عن رؤية السعودية 2030 يوم 25 أبريل 2016.
 
 
 
ذكر الأمير عناوين مثيرة للجدل وجاء أبرزها حديثه عن أرامكو السعودية النفطية، والتي يراها جزءا من رؤية السعودية 2030، قائلا إن أول فائدة لطرح أرامكو ستكون الشفافية لأن الناس تضايقت من غياب بياناتها، وأن طرح جزء من أرامكو سيجعلها شفافة وتحت رقابة البنوك والجميع، مشيرا إلى أن اكتتابها سيكون الأكبر في التاريخ.
 
 
 
الشفافية انتقلت إلى الإعلام السعودي وإن لم يكن كلهُ، فيمكن أن نجد على صدر الصفحات الأولى لأي صحيفة سعودية، الرؤية التقدمية للمملكة مستقبلا، وفي صفحاتها الداخلية يمكن أن نقرأ تفصيلا عن قضية إلحاد المبتعثة السعودية هيفاء الشمراني وزوجها، أو طموح الشاب المحامي الذي نسيت اسمه، لكنني لم أنس يوما هدفه السامي بالعودة إلى الوطن والعيش في ظل التغييرات التي امتدت نحو إرساء قواعد حضارية وثقافية بعيدا عن التعقيدات الاجتماعية وهيمنة سلطة المؤسسات الدينية.
 
 
 
المجتمع السعودي الذي عرف بالتحفظ والخصوصية، لا بد له أن يواجه معاناة مثل معاناة أسرة الشمراني وزوجها، أكثر من معاناة الحكومة مع تصرّف المبتعثة الشخصي. وللعلم فقد ظهر أكثر من مفت في السعودية، أعلنوا فيه أنه ليس هناك حكم قانوني يدعم الإعدام أو القتل بسبب الإلحاد، ومن وجهة نظري فإن إلحاد الطالبة المبتعثة أمر شخصي، وكان يمكنها عدم الإعلان عنه وإكمال حياتها بنجاح احتراما لأسرتها ولمجتمعها القبلي، ولكن الأمر تطور بعد أن توقفت الملحقية السعودية عن دعم دراستها، بسبب تعثر الشمراني في تحقيق النتائج المطلوبة في السنة التحضيرية، حيث أنها لم تحقق الدرجة المطلوبة في الجامعة، ودفعت بطلب لإعادة السنة للمرة الثانية بعد حصولها على قبول في جامعة غلاسكو في تخصص الطب، ولكن الملحقية رفضت الطلب بسبب عدم نجاحها سابقا.
 
 
 
الجدير بالذكر أن هناك دراسة عالمية أوضحت المشاكل والمصاعب التي يواجهها الكثير من الطلاب والطالبات بسبب مستحقات الدراسة، مما يحول ذلك إلى غضب متصاعد.
 
 
 
الأمر المحزن في قصة الشمراني، ليس في إلحادها وعدم تقبل مجتمعها لما قامت به، وحديثها للصحافة البريطانية بأن عبدالله، زوجها، رفض المشاركة في بناء مسجد لأحد الأندية الطلابية، وهو ما أنكره والد زوج المبتعثة بحسب ما أعلمته به وزارة الخارجية التي أكدت على أنهما تعثرا في الدراسة لأكثر من مرة فتم إيقاف البعثة. لا يفهم بعض العرب بأن تغيير الدين في أوروبا لا يمكن أن يسهم في حق اللجوء السياسي، والدليل أن الحكومة البريطانية تستضيف أعدادا هائلة من مختلف الديانات، وتمنحهم الجنسية البريطانية من دون النظر إلى ديانتهم، رغم أنني قرأت مؤخرا ما أشارت إليه وكالة الأنباء “أسوشيتد برس” إلى أن العشرات من المسلمين يتحولون إلى المسيحية في كنيسة ألمانية، رغم أن ذلك لا يساعد المتقدم بطلب اللجوء على أن يكون مسيحيًّا فقط، وقد بذلَت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل جهودا إضافية للتأكيد على أن الإسلام جزء من ألمانيا، ولكني أميل إلى ما قاله البعض بأن ما قامت به الشمراني ربما هو حالة من الغضب تجاه وطنها الذي لم يقم بمساعدتها ماديا، إذ أن السفارة لم تسهم في مد يد العون المادي للأسرة بعد توقف البعثة، ورغم أن الشمراني تواصلت مع أكثر من صحيفة بريطانية، إلا أن هذه المشكلة التي عاشتها المبتعثة لم تنجح في ممارسة أي ضغوط على المملكة، كما حدث في قضية الشابة فتاة القطيف وقضية رئيس شبكة الليبراليين رائف بدوي.
 
 
 
ولا أعرف لماذا تذكرت حادثة قديمة لكنّها ظلت راسخة في ذهني طويلا، وحينما بحثت عنها في غوغل لم أعثر على الخبر، والحادثة هي عن مساجين من فئة غير محددي الجنسية “البدون”، أعلنوا عن إضرابهم في سجون الكويت بخياطتهم لشفاهم وتغيير ديانتهم إلى المسيحية، وهي ذات الطريقة الغاضبة التي عبرت بها هيفاء الشمراني.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد