أين أمريكا

mainThumb

21-05-2025 01:11 AM

لعل أكثر ما سعت إليه هوليوود منذ عرفناها أن ترسخ في أفلامها صورة البطل القادر على صناعة المعجزات، الذي دائماً ما ينتصر لخير البشرية. ومع هذا البطل الدرامي عشنا جميعاً على الأمل بأن فصول الفيلم الواحد، مهما بلغت من حزن وألم فإن النهاية لا بد أن تكون سعيدة، حتى يحقق المخرج مبتغاه الواضح من ضرورة إسعاد الناس، وجذب المزيد من المشاهدين، ورفع حجم العائدات المالية.
صعوبة السيناريوهات لأفلام هوليوود، وفرحة النهايات باتت السمة الأعظم في مسيرة الأفلام الأمريكية، لينسج على منوالها الكثير من مدارس السينما حول العالم. أما شخصية البطل فغالباً ما سعت لتسييد الخير المزعوم على الشر، وغلبة الحق على الباطل، وانتصار العدالة على الظلم، في واقع حاول معه النظام الرسمي في أمريكا أن يقنع الشعب الأمريكي وعبر هوليوود، بأن بلاده تشكل القطب الأوحد في معادلة الخير في العالم، لتتبعها استماتة بشعور العظمة والقناعة، بأن كل ما تفعله أمريكا في العالم، يعني أنها صاحبة الحق في الفعل والحرب والسيطرة.

ترامب لا يقبل إلا أن يكون مالئ الدنيا وشاغل الناس. يريدك أن تراه في كل مرة تلجأ فيها إلى شاشة التلفزيون، أو تستمع إلى المذياع، أو تبحر في عالم الإعلام الاجتماعي

وبالنهج ذاته، تعاملت المؤسسات الحكومية وغير الحكومية الأمريكية حول العالم، فأطلت وأوغلت في التمويل والتنظير لمفاهيم الديمقراطية والحكم الرشيد والشفافية ومكافحة الفساد، ودولة القانون وحقوق الإنسان وسيادة العدل، ورفض العبودية، وإعمال حقوق الطفل ودور المرأة والعدالة الاجتماعية، وقائمة لن تنتهي من المثاليات المزعومة. واليوم ومع وجود ترامب في السلطة لنتساءل: أين الدولة، وأين أمريكا؟ أين الحكم الرشيد المزعوم وسيادة القانون والشفافية ودولة المؤسسات وحقوق الناس؟ أين حقوق المهاجرين والناشطين ومجالس الطلبة وحرية الفكر والرأي؟ أين احترام الأديان والأعراق والأقليات، أين احترام استقلال الدول، وحق الشعوب في تقرير مصيرها؟ أين الديمقراطية وحقوق الطفل والمرأة والمساوة والتعددية الفكرية؟
أين أمريكا فعلا في ظل ترامب؟ إذ لا نرى إلا شخصاً واحداً يأخذ القرار، ينصب ويرفع، يكسر ويجزم. لا نرى دولة ولا «كونغرس» ولا مؤسسات ولا جيشا. لا نرى إلا ترامب، ترامب يقول، ترامب يصرح، ترامب يأمر! ترامب يوقع، ترامب يفرض، ترامب يغرد، ترامب يهّجر، ترامب يعتقل، ترامب يهدد، وترامب يفعل ما يحلو له في ظل غياب النظام والدولة. ترامب يفعل ومن ورائه دولة غائبة تماماً.. لا مؤسسات ولا قضاء ولا حقوق ولا رأي، وقريباً لا حق في التنفس!
أين البطولات والمزاودات والمفاهيم؟ والمسلكيات والقوانين؟ أين الشفافية ومؤسسات حقوق الإنسان تحمي حقوقها وتنقذ ما تبقى من الدولة؟ ماذا عن المثاليات والقيم التي لم تبق مؤسسة أمريكية إلا ونظّرت علينا بها؟ ترامب لا يقبل إلا أن يكون مالئ الدنيا وشاغل الناس. يريدك أن تراه في كل مرة تلجأ فيها إلى شاشة التلفزيون، أو تستمع إلى المذياع، أو تبحر في عالم الإعلام الاجتماعي. فالنرجسية ومع انتهاء جولة الخليج الأخيرة، بلغت ذروتها اليوم. فكيف يا ترى سيكون حال أمريكا في المستقبل؟ ننتظر ونرى!


كاتب فلسطيني



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد