نائب رئيس هيئة الاركان المشتركة الاسبق يرد على هيكل

mainThumb

24-03-2009 12:00 AM

اللواء المتقاعد/ محمد بني ياسين - يحتفل الاردن والاردنيون في شهر آذار من كل عام بذكرى مناسبات وطنية هامة ، عزيزة وغالية عليهم جميعا ، تستوجب منهم التأمل والتمعن خاصة عندما يرون ويسمعون الكثيرين من ابناء جلدتهم يحاولون قلب الحقائق وتشويه الصورة الاردنية البهية او يقللون من قيمتها ومن شأنها او يشككون فيها وفي مصداقيتها ، ويقف الاردني العربي الابي حائرا عندما يجد نفسه بحاجة الى ان يقوم بدور المدافع عن حقائق وشواهد وطنية وتاريخية ثابتة كثبات الجبال التي قاتل مدافعا عنها وعن عروبتها ببسالة.

في هذه الايام بالذات نحتفل بذكرى معركة الكرامة التي كانت نقطة تحول في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ، ولا بد من وقفة تحليلية لوقائع هذه المعركة الهامة في تاريخ الاردن وقواته المسلحة وفي التاريخ العربي ايضا للتذكير بحقائقها التاريخية ولكي نوفي ابطالها شهداء واحياء حقهم ونستنبط من بطولاتهم وتضحياتهم الدروس والعبر الواجب علينا تطبيقها كلما تطلب الامر ذلك.

سيما واننا نسمع ونرى في هذه الحقبة الحساسة في تاريخ الامة العربية كثيرا من الابواق المضللة تنعق نعيق الغراب في بعض الفضائيات والصحف ووسائل الاعلام المختلفة ، تنتقص من حقوق الاخرين وتجيير ادوراهم ، فلسنا بالمدافعين عن الحقائق ولا نحب ان نكون ، ولسنا بالذين ينهالون بالمسبات والشتائم على من يظنون ان نعيقهم يقلل من قيمة اردن العروبة التاريخية ومن اهميته وموقعه على الخريطة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية الاقليمية والدولية.

الشواهد والدلائل التاريخية الاردنية واضحة للعيان ولا تحتاج ادلة وبراهين ، لكن نقول لهم من باب النصيحة الاخوية ان كفوا عن الهراء فامتكم العربية بأمس الحاجة الآن الى المصالحة والتعاون ورأب الصدع بدلا من العمل على زيادة الفرقة وتوسيع الفجوة.

فهل يطالب الانسان العربي العاقل بأقل من وحدة الصف الفلسطيني كأساس لمطالبة الفلسطينيين الشرفاء بحقوقهم واقامة دولتهم على الارض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. وهل يطالب بأقل من وحدة الشعب العراقي من اجل اعادة العراق الى وضعه الطبيعي امنا مستقرا ، وهل يطالب بأقل من ذلك الى الشعب السوداني الذي يتعرض لمحنة لا يعرف مصيرها الا الله ، وهل يقبل بأقل من ذلك الى الشعب اللبناني الشقيق وغيرهم من الشعوب الشقيقة والصديقة.

ولا بد قبل الخوض ببعض تفصيلات معركة الكرامة من ان نقف باجلال ونحن نحتفل بذكرى تسلم جلالة قائد الوطن سلطاته الدستورية فهو ذات الحديث عن القائد الاعلى للقوات المسلحة الاردنية الذي تربى مع رفاق السلاح وعاش بينهم اخا وقائدا لاكثر من عشرين عاما ، يعرف القوات المسلحة بادق تفصيلاتها ، يهتم بتطويرها وتسليحها والحفاظ على جاهزية ومعنويات ابنائها اكثر من اهتمامه بابناء اسرته. ولا بد من ان نقف باجلال ايضا عندما نستذكر تعريب الجيش العربي ونترحم على جلالة الحسين العظيم طيب الله ثراه ونقدر ونجل شجاعته وبطولاته في اتخاذ قرارات مصيرية في تاريخ الامة ، فالتعريب خطوة جريئة وشجاعة جاءت في فترة حرجة ومصيرية من تاريخ الاردن لا يقدر عليها الا قائد شجاع ، فكانت النتائج ونحن نتكلم عن نقل السلطة ومنظومة القيادة والسيطرة في قيادة الجيش العربي من سيطرة الاجنبي الى سيطرة ابناء الوطن المخلصين الذين عملوا جاهدين جنبا الى جنب مع جلالة الراحل العظيم طيب الله ثراه ومن بعد مع جلالة مليكنا المفدى الملك عبدالله الثاني بن الحسين يحفظه الله ويرعاه من اجل اعداد هذه القوات وتحديثها الى ان غدت قوة عصرية عالمية ذات حضور كبير وفعال على الساحتين الاقليمية والعاليمة.

ولا بد من الاشارة ايضا الى ان ابطال معركة الكرامة وصناع مجدها هم الذين خاضوا المعارك في باب الواد واللطرون وعلى اسوار القدس وغيرها من المدن والمواقع الفلسطينية الابية ، وهم الذين قاتلوا الى جانب اخوانهم في الجولان وغيرها من الاراضي العربية.

وان كان محمد حسنين هيكل وامثاله يحتاجون الى ادلة من الحاضر تثبت صدق ما نقول وتدحض ما يدعون ويكذبون ، فها هي ذات القوات لم تتغير ، تدفع بالنشامى من منتسبيها لتمسح دموع الثكلى وتضمد جراح المصابين في غزة هاشم وفي بلاد الرافدين وفي الضفة الغربية وافغانستان وارتيريا واثيوبيا وغيرها من دول العالم في كافة ارجاء المعمورة ، وهم انفسهم يرفعون الراية الاردنية الهاشمية العربية بكل فخر واعتزاز في مختلف بقاع العالم.

ولو عاد السيد هيكل الى تقرير الامم المتحدة عام 2006 لوجدان القوات المسلحة الاردنية تحتل المرتبة الرابعة من بين 117 دولة مشاركة في عمليات حفظ السلام الدولية «بعد الهند والباكستان وبنغلادس» ولوجد انها الدولة الاولى في مجال الاعمال الشرطية التابعة للامم المتحدة ، والدولة الاكثر مساهمة في انفتاح المستشفيات الميدانية في مناطق النزاعات والصراعات خارج حدود الوطن الاردني .

وان اراد المزيد ساسمح لنفسي ان اقول له بأنني الضابط الاردني كاتب هذه السطور ، الضابط العربي الوحيد الذي تمكن ان ينافس عالميا ليكون قائد قوات دولية (Force Commander) منذ تأسيس الامم المتحد وللان وذلك بقيادة قوات حفظ السلام الدولية في اثيوبيا وارتيريا لما يزيد على السنتين علما ان الدول المشاركة في هذه المهمة 46 دولة من مختلف انحاء العالم بما فيها القارتين الامريكية والاوروبية.

اما معركة الكرامة التي حدثت قبل واحد واربعين عاما في الحادي والعشرين من آذار عام 1968 بقيت وستبقى نقطة مضيئة في تاريخ الاردن وجيشه العربي. جاءت هذه المعركة بعد اقل من عام على حرب الايام الستة في حزيران عام 1967 والتي خرجت منها الجيوش العربية «اي حرب الايام الستة» خاسرة مكسورة الخاطر ، متدنية المعنويات.

وللتاريخ والانصاف فقد وضعت القوات المسلحة الاردنية في تلك الحرب لاسباب سياسية وللحفاظ على وحدة الصف العربي تحت تصرف وقيادة الاشقاء المصريين بقيادة الفريق عبدالمنعم رياض ومعه مجموعة من الضباط المصريين ، ومع ان المقال لا يتسع للحديث عنها كثيرا الا انني اود ان اشير ان قناعة القيادات السياسية والعسكرية الاردنية كانت ان هذه الحرب غير متكافئة وان نتائجها شبه محسومة سلفا لصالح العدو ، ومع ذلك فقد ابلى رجالات الجيش العربي بلاء حسنا في دفاعهم المستميت عن المدن والقرى الفلسطينية كما دافعوا من قبل.

وما دّم شهداء كتيبة الحسين الثانية ، الكتيبة المعروفة بين مثيلاتها من كتائب الجيش العربي بكتيبة «ام الشهداء» لكثرة ما قدمت من شهداء على الساحة الفلسطينية وشهداء الكتائب الاردنية الاخرى وتضحياتهم الا شواهد على صدق ما قدموه وبذلوه في سبيل الاهل والاوطان.

كان ميزان القوى في معركة الكرامة لصالح العدو الذي حشد اضافة لتفوق قوته الجوية المطلقة اكثر من 15000 مقاتل مع كافة الاسلحة الهجومية من دبابات وناقلات ومدفعية وطائرات عمودية وغيرها من الاسلحة والخدمات اللازمة لتنفيذ عمليات هجومية مدبرة ومخطط لها لتحقيق اهداف استراتيجية.

هذا العدد وهذه النسبة مقارنة بعدد المدافعين من الجيش الاردني الذي قدر بـ 5000 مقاتل كانت بمثابة النسبة المثالية بالمفهوم العسكري لاحتلال اهدافها وتحقيق النصر وليس مجرد تنفيذ عملية خاطفة او تحقيق هدف سريع يمكن تنفيذه بمجموعة كوماندوز مدعومة بطيران متفوق.

عكست نتائج المعركة تصورات واحلام الجنرال المتغطرس موشي ديان وزير الدفاع الاسرائيلي آنذاك الذي دعا مجموعة كبيرة من الصحفيين ليشربوا معه الشاي في مرتفعات السلط في الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الكرامة ، لكنهم قبل ذلك الوقت طلبوا وقف اطلاق النار ولاول مرة في حروبهم مع العرب ، لكن المغفور له الملك حسين رفض ذلك ما دام هناك جندي واحد على الارض الاردنية.

كان هناك من يتنكر لدور القوات المسلحة الاردنية ـ الجيش العربي الرئيسي في المعركة نقول: على المحللين العسكريين ان يدرسوا ويحكموا دائما لقد كانت حقائق المعركة تبين انها معركة جيوش وانها حصلت بين جيشين محترفين متقابلين.

ويؤكد حجم القوات الاسرائيلية المهاجمة وتنفيذها عملياتها الهجومية على جبهة واسعة من خلال اربعة محاور بانها كانت تسعى لفرض واقع جديد على الاردن من خلال احتلالها مرتفعات السلط وناعور وسيطرتها على مداخل عمان وتفريغ منطقة الاغوار من القوات الاردنية ومن الفدائيين الفلسطينيين الذين كانوا في مهدهم لتصبح منطقة معزولة كما حصل في جنوب لبنان.

وكانت متذرعة بالقضاء على العمل الفدائي مع ان عدد المقاتلين الفلسطينيين آنذاك لم يتجاوز 500 مقاتل بتسليح ومعدات محدودة.

نفذ العدو عملياته الهجومية (التعرضية) مستخدما افضل وحداته وأعرقها كما هي معروفة كاللواء المدرع السابع على اربعة محاور هامة (او مقتربات كما يمكن ان يسميها بعض العسكريين) تقود الى العاصمة عمان ، فكانت قوته بحجم فرقتين مدرعتين تقريبا نفذت عملياتها على جبهة واسعة من خلال:

- مجموعة تهاجم على محور العارضة عبر جسر الامير محمد (داميا).

- مجموعة تهاجم على محور وادي شعيب عبر جسر الملك حسين (اللنبي).

- مجموعة تهاجم على محور سويمة عبر جسر الامير عبدالله.

- مجموعة تهاجم على محور غور الصافي.

كما زامن ذلك القصف الجوي الكثيف ورمايات المدفعية المكثفة وزامن ايضا الانزال المظلي خاصة على بلدة الكرامة وما حولها لتصفية مجموعة الفدائيين الفلسطينيين هناك.

لقد كانت اسرائيل تسعى لقتل الارادة العربية بعد الذي حققته في حرب الايام الستة معتبرة ان الجيش العربي قد انتهى لكنها نسيت ان ارادة الجندي الاردني لا تنتهي وهو المؤمن ايمانا مطلقا بقيادته ووطنه وليس امامه الا الموت دونهما.

فبالايمان والارادة وبصمود الجندي الاردني الذي سرعان ما تم تدريبه وتجهيزه بعد خسارة حزيران 67 وبسبب قراره الدفاع عن الوطن مهما تكن التضحيات من غير ان يحسب حسابا كثيرا لتفوق عدوه ، فكانت الاوامر واضحة للجنود والضباط ان الا انسحاب مهما كلف الثمن وكان شعارهم «النصر او الشهادة» وقد طبق ذلك بصورة جلية لدرجة ان بعض الدبابات المعادية اقتحمت خنادق الجنود الاردنيين بالجنازير وضربوا اروع الصور والامثلة كما حصل مع احدهم عندما دخل عليه جنود العدو وهو في موقعه الامامي علي نهر الاردن وكان اخر حديثه بالجهاز قبل ان يستشهد «الان دخلوا عليّ سامحوني» فوجده زملاؤه مستشهداً وجهازه ما زال بيده كما امر احد ضباط الملاحظة الذين يتواجدون عادة في مواقع متقدمة لتصحيح نيران المدفعية ان يقوموا برماية موقعه وموقع جنوده كي يتم تدمير قوات العدو التي وصلت ذلك الموقع.

اثبتت الوثائق والخرائط العسكرية التي تركها القادة العسكريون في ناقلة عمليات احد الالوية المهاجمة انها الهدف النهائي المؤشر عليها هو مرتفعات السلط ، لكن تمكنت القوات الاردنية الباسلة من دحر الجيش الذي لا يقهر ، حتى ان بعض قادتهم وصفوا المعركة بالجحيم فقد وصف قائد مجموعة القتال الاسرائيلية المقدم هارون بيلد المعركة فيما بعد لجريدة رافار الاسرائيلية بقوله لقد شاهدت قصفا شديدا عدة مرات في حياتي لكنني لم ار شيئاً كهذا من قبل ، لقد اصيبت معظم دباباتي في العملية ما عدا اثنتين.

وقال حاييم بارليف رئيس الاركان الاسرائيلي انذاك في حديث له ان اسرائيل فقدت في هجومها الاخير على الاردن «في معركة الكرامة» آليات عسكرية تعادل ثلاثة اضعاف ما فقدته في حرب حزيران.

وجاء في جريدة الفداء العراقي الصادرة يوم 26 اذار 1968 «الف تحية لك يا جيش الاردن الباسل يا جيش العروبة ، يا جيش الفداء ، فقد كنت في كل معركة كالاسد الهصور تذود عن عرينك وتحمي حماك بشجاعة نادرة ورجولة متفانية ، فأنت في الطليعة في معركتنا الكبرى ومعركة المصير معركة الشرف ، معركة الموت او الحياة».

كما جاء في جريدة الجمهورية القاهرية الصادرة يوم 25 اذار 1968 «لقي العدو غير ما توقع ، وخاب مسعاه ، وأرغمته القوات الاردنية الباسلة على الانسحاب تحت ستار من الدخان الاسود الكثيف».

خلاصة القول ، كانت معركة الكرامة نقطة مضيئة في التاريخ العربي وابطلت مقولة الجيش الذي لا يقهر واعادت للجيوش العربية الثقة والامل بعد ان فقدتها مما ساعد هذه الجيوش على البدء بالاستعداد لحرب قادمة ، وكان من ابرز نتائجها استراتيجيا بعد ان حرمت العدو من تحقيق هدفه الاستراتيجي انها كانت الداعم الرئيس في بناء وتطوير قوة المقاومة الفلسطينية والتي اوصلت القيادة الفلسطينية السياسية والعسكرية الى ما وصلت اليه ولو تمكن العدو في ذلك الوقت من انهاء المقاومة في مهدها لكان الوضع مختلفا.

فألف تحية لابطال الكرامة رجال القوات المسلحة الاردنية الجيش العربي وألف تحية للاخوة الذين قاتلوا ببسالة وبالسلاح الابيض في بلدة الكرامة من رجالات المقاومة الفلسطينية رغم محدودية عددهم وعدتهم.

فيا حماة الديار ابناء الجيش العربي الباسل ستبقون على الدوام المخلصين الاوفياء للوطن والقائد وسيبقى شعاركم وشعار كل اردني «المنية ولا الدنية».

اللواء المتقاعد/ محمد بني ياسين

- نائب رئيس هيئة الاركان المشتركة الاسبق



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد