أردن ما بعد 25 آذار : عن أي إصلاح يتحدثون؟

mainThumb

10-04-2011 05:31 PM

أسبوعان مرّا على 25 آذار "الجمعة الحزين" التي يأمل عقلاء في أن يكون "يتيما"، بعدما استبيح فيه الكثير من الحقوق المدنية الأساسية والحريات، ورسم لوحة للأردن، يأمل المتفائلون في أن تخفّ قتامتها مستقبلا.
يومذاك على دوار الداخلية في عمق عمان، وأمام مبنى محافظة العاصمة الذي انحفر في تاريخ المملكة، لم يقتصر على مقتل شخص وجرح مئة وقمع اعتصام فحسب، وإنما جر في ما تلاه من ايام تداعيات كثيرة، ربما من المبكر الآن الإلمام بها، وفهم آثارها على الدولة بمختلف مكوناتها. لكن ما لا شك فيه أنها ستكون عميقة جدا وربما تغير في هذه المكونات.

 دولة داخل دولة
 وأول ما كشفته هذه الحادثة،  وأكثره ملاحظة، هشاشة حكومة رئيس الوزراء معروف البخيت، التي يتفق كثر على أن سببها الأبرز هو ضعف الرئيس وعدم قدرته على التعامل مع الأزمات أو فرض رأيه أو اتخاذ قرار. اضف الى ذلك عدم قدرته على الدفاع عن نفسه، على رغم تسخير الإعلام الحكومي والخاص للدفاع عنه، حتى باتت حكومته أعجز من فزاعة في يوم راكد، تنتظر رصاصة الرحمة التي تعلن نهايتها، خصوصا بعدما تلقت ضربة قاسية الأسبوع الماضي، في ما سمي "فضيحة شاهين"، اذ سُمح لرجل الأعمال خالد شاهين، المحكوم في قضية فساد والمطلوب لأخرى، بالسفر للعلاج في الولايات المتحدة، ليكشف لاحقا أنه مقيم في لندن وبصحة جيدة، وأن شبهة فساد تلاحق التقرير الطبي الذي سمح له بموجبه بمغادرة البلاد.
 ضعف البخيت هذا ليس جديدا، فمشهد 2007 يتكرر الآن في 2011، مع فارق أنه قبل أربع سنوات كان هناك حوتان ضخمان هما مدير المخابرات السابق الفريق محمد الذهبي ورئيس الديوان الملكي باسم عوض الله، أما الآن فإن المدير الحالي للمخابرات الفريق محمد الرقاد بات يتحكم بكامل المشهد الأمني والسياسي في البلاد و"الحاكم بأمره"، على رغم ضعفه، وسيطر على البخيت وحكومته، يسيّرها كما يشتهي، على رغم الأوامر الملكية بالتزام الدور الأمني التقني. وهو كان في عهد رئيس الوزراء السابق القوي سمير الرفاعي، تابعا وظلا ومنفذا لأوامره فقط.

 شوفينية شرق أردنية
 كشفت أحداث دوار الداخلية، التي كانت "النهار" شاهداً عليها، عن نزعة شوفينية تضج بالكراهية العمياء للأردنيين من أصل فلسطيني.
  وليس صحيحا أن التجييش والتأليب اللذين قامت بهما المخابرات ووسائل الإعلام التابعة لها خلال الأسابيع الأخيرة هما وحدهما اللذان كانا وراء الكراهية التي برزت أخيرا وتمظهرت بأوضح صورها في "غزوة الداخلية"، كما يطيب للبعض أن يصفها، بل إن المستقرئ يلاحظ أن عقدا كاملا على الأقل أمضته   أجهزة الأمن المتحكمة بالسياسة والإعلام والثقافة، وحتى قطاع الشباب، عبر واجهة "هيئة شباب كلنا الأردن" في زرع البغض والكراهية بين الشباب الشرق اردنيين. تجد ذلك في الجامعات والمعاهد وفي أجهزة الأمن ومؤسسات الدولة، التي تحرم بعضها الانتساب إليها إلا لشرق الأردني فقط (إلا ما ندر)، كالداخلية والمخابرات والدرك والأمن العام. وهي أوهمت الشباب أن المعتصمين على الدوار هم: الإسلاميون بأجنداتهم الخارجية، وفلسطينيون يتآمرون لجعل الأردن وطنا بديلا لهم، مع أن الفلسطينيين الذين شاركوا في الاعتصام كانوا قلة، ومنخرطين في أحزاب وهيئات شبابية، فيما كان شرق الأردنيين هم القادة والكثرة الكاثرة في الاعتصام.
 وقد شعر الإسلاميون بأن توريطهم والاتهامات التي وجهت إليهم من البخيت، والتجييش وإفلات مجموعات من الشباب ضدهم، إنما هو تسديد حساب لمصارحتهم الملك خلال لقائهم اياه قبل شهرين بضرورة الحد من تشديد القبضة الأمنية.

 قلق فلسطيني
 الفلسطينيون اتخذوا طوال الأشهر الماضية بما حملته من حراك إلى الإصلاح والتغيير، موقف الحياد السلبي. وهم نأوا بأنفسهم عن المشاركة في الحراك، لئلا يتهموا بأنهم يريدون القفز على أماني الأردنيين ومطالبهم الإصلاحية. لكنهم، وقد تحدثت "النهار" إلى كثيرين منهم، أبدوا قلقا شديدا ومخاوف من إقحامهم في الأحداث، وكذلك من حجم الكراهية الذي بدا في حادثة الداخلية وما تلاها مدى الأسبوعين الماضيين من استفزازات لهم وإظهار نفَس متعصب لشرق الأردن ضد الفلسطينيين.
 وهم، وخصوصا اللاجئين، لا يخفون قلقهم على المستقبل في ظل انسداد آفاق الوصول إلى حل سلمي لقضيتهم، ويتساءلون عما سيكون عليه وضعهم في المملكة بعد تفجر تلك الكراهية، التي لا يمكن أن تمحوها زيارة تفقدية لهذا المخيم أو ذاك.
 يبقى، كما يطالب ناشطون سياسيون ومثقفون، الأمر كله بيد "صاحب الأمر" الذي يراقب عن كثب، بعدما حض البخيت على الاستعجال، ولم يلق استجابة. وهؤلاء يعتقدون أن الفرصة لم تنعدم بعد لإعادة إصلاح ما خربه انفلات السلطة الأمنية التي لا أفق سياسيا لها، ويرون أن خطوات حاسمة باتجاه الإصلاح قد تعدل المسار، مع أهمية إعادة صوغ العلاقة الأردنية - الفلسطينية على أسس جديدة يقبلها الجميع.

النهار اللبنانية 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد