أبو الراغب : اغتيال الشخصية أصبح نهجاً

mainThumb

21-04-2011 09:55 AM

لا يساور المهندس علي ابو الراغب رئيس الوزراء الاسبق الشك بان الحراك الذي يعيشه الشارع العربي سيؤدي إلى تغيير كبير في النظام العربي عموماً،وان هذا التغيير سيكون دموياً في الكثير من الأحيان ولكنه في الوقت نفسه يؤكد اننا في الاردن» قادرون على عبور هذه المرحلة كما عبرنا أحداثا جسيمة وقعت في الماضي».
ابو الراغب الذي كان يتحدث في محاضرة حول» تجربته في الحكم» في اطار ندوة نظمتها المدارس العصرية مساء الأربعاء  يرى ان الحديث عن الإصلاح والتغيير في الأردن يمكن أن يتحقق عن طريق إعادة الهيبة لسلطات الدولة الثلاث بالإرادة السياسة وتعديل التشريعات بما في ذلك تعديل بعض مواد الدستور بشكل يحقق توازن السلطات ويمنع تغول أي منها على الأخرى ولكن مع التركيز على ضمان تولي الحكومة ولايتها العامة وفقاً للدستور.
ويعلن ابو الراغب بكل وضوح رفضه المطلق للطروحات التي تتدواله بعض الاوساط السياسية عن الملكية الدستورية التي  يقصد  منها الحد من صلاحيات جلالة الملك «هذا الطرح أعتبره طرحاً مشبوهاً شكلاً وموضوعاً بالإضافة إلى أنه مدعاة إلى زعزعة الوحدة الوطنية وقد يسبب أزمات جديدة ستعصف بالوطن إلى المجهول».
وقال ابو الراغب في محاضرته ان «. أن ما يصدر عن العامة في مساهماتها عبر أجهزة الإعلام المختلفة حيث يطفو الكلام المجاني والإتهامية على السطح هو نهج شجعته وروجت له جهات غير مسؤولة استخدمت بعض وسائل الإعلام الحديثة لإغتيال الشخصيات العامة ومسؤولين عاملين أو سابقين».
واسترسل ابو الراغب إننا نرى اليوم نتائج تلك الإجتهادات الخاطئة وقصيرة النظر ، حيث أصبح إغتيال الشخصية نهجاً عاماً ، والإتهام دون دليل قاسماً مشتركاً لدى العامة.
 رئيس الوزراء الاسبق توقف في محاضرته عند العديد من المحطات السياسية لتجربته كرئيس للوزراء لمدة شارفت على الاربع سنوات ارتبط اسمه خلالها  بالعديد من الملفات الحساسة في ظروف استثنائية عاشها الاردن بسبب حرب الخليج الثانية وتفجر الانتفاضة الفلسطينية واحداث 11 ايلول التي رسمت خارطة جديدة للعلاقات الدولية مما اضفى زخما كبيرا على تلك التجربة التي ماتزال اثارها حاضرة في المشهد السياسي المحلي.
وقال المحاضر أعلن أمامكم إستعدادي لتمويل دراسة محايدة عن جدوى تلك القوانين المؤقتة التي اصدرتها حكومتي وضرورتها الوطنية والتحقق فيما إذا كان لي أي مصلحة شخصية من وراء إصدارها.
 وتطرق ابو الراغب كذلك في محاضرته الى عدد من القضايا التي عرضته للاستهداف والنيل من تجربته السياسية من خلال كشف تفاصيلها بالوثائق التي تبريء ساحته من التهم التي يتم الصاقها بتجربة حكومته.
 وعن الفترة التي كان فيها رئيساً للوزراء ، يقول ابوالراغب:
 لقد رأست الحكومة في 19/6/2000 ولغاية 22/10/2003 شكلت خلالها ثلاث حكومات استمرت الأولى حتى 14/1/2002 والثانية حتى 20/7/2003 أي لمدة أربعين شهراً تقريباً وهي أطول مدة يقضيها رئيس وزراء منذ أكثر من عقدين من الزمان ، وقد حصلت حكومتي على الثقة مرتين من مجلسي النواب الثالث عشر بأغلبية  74 صوتاً من 80 والرابع عشر 84 صوتاً من 109 وباشرت حكومتي مهامها وسط ظروف اعتيادية خالية من أزمات حادة ... أقول ذلك لأن الأردن بلد محدود الموارد لم يعرف الثراء يوماً ولكنه عرف العوز والفاقة. كذلك فأنه بلد يعيش في بحر متلاطم من الأحداث والتطورات في منطقة لم تعرف الهدوء منذ قرار تقسيم فلسطين ناهيك عن عهود الانقلابات والمؤامرات والنيران الصديقة من حولنا.
 أقول، باشرنا العمل في ظروف خالية من الأزمات وأعني بذلك ما يلي على وجه التحديد:
-  تعاطف عربي ودولي مع الأردن بعد غياب الحسين رحمه الله وصعود نجم الملك الشاب عبدالله الثاني  .
-   أوضاع اقتصادية مستقرة نسبياً ، صحيح أنها لم تحقق نمواً ولكننا لم نكن أمام أزمات أو تحديات كبيرة ، بل أنه كان علينا الإنطلاق نحو جذب الاستثمار ورفع وتيرة الإنتاج وتحريك عجلة التنمية.
-  ووضع دولي إيجابي نسبياً ولا سيما من خلال جهود الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ومحاولاته تحقيق الحل السلمي وإقامة الدولة الفلسطينية.
- هدوء حذر على صعيد الملف العراقي يوحي بأن الإستراتيجية الأمريكية في حينه كانت تعتمد « أسلوب الإحتواء».
- علاقات عربية معقولة بالرغم من الضرر الكبير الذي أصابها على مدى العقد السابق ( عقد التسعينات ).
 وقد عبر كتاب التكليف السامي لحكومتي الأولى عن تلك الظروف ،وباشرت حكومتي عملها وهي تدرك حجم المسؤوليات الضخمة التي تنتظرها ولكننا كنا مصرين على قبول التحدي آملين بأن تمنحنا الظروف فسحة من الوقت كي نرى أسرع النتائج الإيجابية على الأرض.
 لذلك، ففي البيان الوزاري للحكومة أمام مجلس النواب قلنا ما يلي : « أن رياح التغيير التي تهب على مجتمعاتنا لتنقلها إلى القرن الجديد بما يتطلبه من استيعاب لنتاجه الفكري والتكنولوجي ومتابعة المستجدات على مختلف الصعد يستوجب منا جميعاً أن نملك إرادة التغيير وأدواته ونركب موجة التجديد والتطوير دون خوف أو ريبة في قدراتنا أو تراجع ونكوص عن قبول التحدي فلا مجال في هذا العصر للمترددين أو المشككين ولا قوة لنا واستمرار زخم مسيرتنا إلا بوحدة صفوفنا وأهدافنا خلف قائدنا رائد التجديد. فمن عزمه وطموحاته نستمد الهمة والإصرار لتحقيق وطن المجد والعزة والقوة».
 غير أن الرياح لا تأتي دوماً كما تشتهي السفن. فبعد أربعة أشهر فقط اندلعت الإنتفاضة الفلسطينية الثانية فدخلت المنطقة في مرحلة صعبة جديدة وكنا في مقدمة المتأثرين بتلك الظروف ، ليس على صعيد المظاهرات والمسيرات التي غصت بها شوارع عمان والمدن الكبرى فحسب بل وللتأثيرات السلبية المتوقعة سياسياً وإقتصادياً وعلى عملية السلام برمتها.
 وإضافة إلى كل ذلك فقد كان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون يعتزم ختام ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة بإنجاز تاريخي وحاول الوصول إلى ذلك الهدف في كامب ديفيد وبعدها من خلال مبادرته لطرح منظومة للحل الشامل والتي - للأسف – فشلت بعد فوز شارون في الإنتخابات الإسرائيلية والتردد الفلسطيني في القبول الصريح لتلك المبادرة ، مع أننا كنا نؤمن أن الفرصة مواتية ولكن كما قلت فلم تجر الرياح كما تشتهي السفن.
 بالرغم من كل ذلك فقد باشرنا عملنا بهمة ووفق خطط مدروسة تحت شعار «أهل العزم» ثم « الأردن أولاً « وشرعنا بالفعل في تنفيذ برنامج عمل وطني سياسياً وإدارياً واقتصادياً واجتماعياً ، فمن عمان إلى العقبة إلى كافة أنحاء المملكة كانت وتيرة العمل مستمرة وكنا نحاول تحقيق الرغبة الملكية في أن يشعر المواطن الأردني بنتائج ملموسة للتنمية والإنجاز.
 كانت الطموحات تفوق بكثير معطيات الواقع على الصعيد المحلي . فللحاق بالركب العالمي والتطورات المتسارعة في حقول الإتصالات والتواصل الإنساني وشروط العولمة مع الحفاظ على القيم والثوابت . كان لا بد من توفير البنى التحتية إدارياً وتشريعياً واقتصادياً وهذه تتطلب جهوداً حثيثة لا بد من التصدي لها ، كي نكون قادرين على التطور والتنمية وجذب الإستثمار.
 ولكن ، ظلت الإنتكاسات السياسية تفاجئنا باستمرار في تلك الفترة.. ففي الحادي عشر من سبتمبر 2011 وصلت القاعدة إلى ما وراء البحار ونفذت هجماتها بقسوة في قلب الولايات المتحدة ، في رمز القوة الأمريكية عسكرياً ( البنتاغون) وفي رمز قوتها الإقتصادية ( نيويورك) .
في الثاني عشر من ايلول، أي في اليوم التالي للهجمات ظهرت الإشارات الأولى للموقف الأمريكي. ففي الوقت الذي أشارت فيه الإدارة الأمريكية – رسمياً – بالاتهام إلى تنظيم القاعدة، ظهرت إشارات من بعض أركان الإدارة بمحاولة الربط بين الإرهاب والعراق.
 بعد فترة بسيطة من الزمن بعد هجمات سبتمبر سافرت بمعية جلالة الملك إلى واشنطن. التقى جلالته الرئيس بوش وأركان الإدارة الأمريكية وكما تعلمون فان الجزء الأكبر من جدول الزيارات الملكية لواشنطن كانت تتركز حول القضية الفلسطينية على الدوام والموضوع الذي يليه كان العراق وبعد ذلك المتطلبات الأردنية.
كنا نخشى أن يتم التحرك باتجاه العراق  ، لكن خشيتنا الكبرى كانت على القضية الفلسطينية ... وذلك ما حدث بالفعل.
عدنا إلى عمان بانطباع مؤكد نقلناه إلى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بضرورة الحذر من الموقف الأمريكي بعد أحداث سبتمبر لأن أي هجوم يسقط فيه مدني ولاسيما من الجانب الإسرائيلي سيوضع في خانة الإرهاب.
لا استطيع أن أجزم اليوم إن كان عرفات أخذ بنصيحتنا لكنني أعتقد أن ما جرى لاحقاً وحتى حصاره ووفاته كان بسبب ذلك الموقف.
هناك بعض المحطات التي أود أن أتوقف عندها في تلك المرحلة:-

 الإنتخابات النيابية
بتاريخ 16/6/2001  صدرت الإرادة الملكية السامية بحل مجلس النواب الثالث عشر المنتخب عام 1997  أي بعد إنقضاء عمر المجلس تقريباً ، وهو أربع سنوات شمسية.
 ولغايات تطوير وتحديث العمل النيابي كان توجه الدولة لإصدار قانون جديد للإنتخابات وعليه فقد صدرت الإرادة الملكية السامية في 24/7/2001  وبموجب المادة 73 الفقرة 4  بتأجيل الإنتخابات للتمهيد لإجراء أول انتخابات نيابية في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني وفقاً لقانون انتخابي جديد.
شرعت الحكومة بإعداد القانون الجديد الذي كان من أبرز ملامحه زيادة المقاعد النيابية وتوزيعها حسب التقسيمات الإدارية الجديدة وإنعكاسها على الدوائر الإنتخابية لزيادة التمثيل الشعبي لمعظم فئات المجتمع في البرلمان بالإضافة الى الإجراءات القانونية بتسهيل أسلوب الإنتخاب والعمل بجدية على الحد من احتمالات التلاعب بالنتائج بما في ذلك فرز الأصوات في مراكز الإقتراع ومنع نقل الصناديق خارج تلك المراكز ، وبقي الصوت الواحد الإسلوب المعتمد في القانون حيث موضوع التصويت للقائمة النسبية لم يتم الإخذ به عند بحثه بسبب عدم وجود أحزاب سياسية تمثل شرائح واسعة من المجتمع اضافة الى عدم قدرتها على توسيع قواعدها في جميع أنحاء المملكة.
بصدور القانون الجديد كان لا بد  من إعداد جداول جديدة للناخبين ، تلك العملية التي تتطلب وقتاً يتجاوز خمسة أشهر على وجه التقريب ما يعني أن إجراء الإنتخابات صار محتملاً في صيف العام التالي 2002. غير أن أحداث 11 سبتمبر 2001 التي غيرت وجه العالم كما ذكرت سابقاً ، ثم الإجتياح الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في آذار 2002 وردود الفعل الغاضبة التي اجتاحت العاصمة عمان والمدن الأردنية وتواصلت لعدة أشهر أثرت في قرار الإنتخابات فتعذر إجراؤها في ذلك الصيف.
 ومع تصاعد نذر الحرب على العراق بدءاً من خريف 2002 والتي وقعت بالفعل في آذار 2003 جعلتنا نؤجل الإنتخابات إلى حزيران من ذلك العام حيث أجريناها بكل نزاهة بعد إنتهاء الحرب إذ صدرت الإرادة الملكية السامية بإجراء الإنتخابات في 17/6/2006.

  الوضع العراقي
في خريف عام 2002 وتحديداً في شهر أيلول عاد جلالة الملك من زيارة لواشنطن بقناعة بان الحرب على العراق أصبحت وشيكة وكان مرد تلك القناعة الخلاف بين جلالته والرئيس بوش في هذا الشأن ومحاولات جلالته الدائمة لتجنيب العراق مخاطر الحرب والدمار.
 للتذكير فقد كنت أول رئيس وزراء عربي وربما أرفع مسؤول عربي يزور العراق في نهاية عام 2000 وذلك كرسالة لمحاولة كسر الحصار الدولي المفروض عليه منذ عام 1990 وقابلت الرئيس الراحل صدام حسين ورافقني في تلك الزيارة وفد كبير من الوزراء والمسؤولين والإعلاميين والاقتصاديين وكانت زيارة ناجحة بكل المعاني واستطعنا في تلك الزيارة ازالة كثير من الإشكالات والشوائب في العلاقات بين الدولتين الشقيقتين بالإضافة إلى حصولنا أسعار متميزة للنفط المقدم للأردن .
بالعودة إلى أولويات تلك المرحلة نقرأ في كتاب التكليف السامي لحكومتي الثانية « وإذا كان لنا إن نشعر بالارتياح لما تحقق من انجازات للوطن خلال المرحلة السابقة إلا أن المسيرة طويلة وما زالت التحديات التي تفرضها التطورات الإقليمية والعالمية تلقى بظلالها علينا» .
 أما في كتاب التكليف السامي لحكومتي الثالثة فيقول جلالة الملك : « لقد وضعت حكومتك طوال السنوات الثلاث الماضية العديد من البرامج والخطط لتحقيق التنمية الشاملة التي تنعكس آثارها على المواطن بشكل مباشر وملحوظ وقد حققت الكثير من الإنجازات والحمد لله والمطلوب الآن هو مواصلة العمل لتنفيذ هذه الخطط والبرامج وتسريع وتيرة التنفيذ والإنجاز».
 اذاً ، فالحديث عن تجربتي كرئيس للوزراء طوال تلك الفترة يحتاج وقتاً طويلاً لتعداد الخطط والبرامج والمشاريع والإنجازات التي تحققت طوال تلك الفترة ، إضافة إلى العلاقات العربية التي وصلت إلى أفضل وأعلى مستوياتها وكذلك العلاقات الدولية ومكانة الأردن المتميزة على المستوى العالمي.
       ولإلقاء بعض الضوء على تلك الفترة ...  أقول ....
منذ بداية عمل الحكومة قطعنا شوطاً لا بأس به ، فارتفعت نسبة النمو وتحسن الأداء الكلي للاقتصاد الوطني وتم تخصيص مبالغ إضافية لصندوق المعونة الوطنية للعناية بالفقراء وتم إنجاز برنامج العمل الوطني للتدريب ووضع استراتيجية عملية وجادة لإصلاح أوضاع البلديات ، كما بدأنا بتنفيذ برنامج التحول الإقتصادي والإجتماعي لغايات تنمية المحافظات وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين مع التأكيد هنا على حرص الحكومة على ضبط الإنفاق حسب الأصول وبقواعد مالية صحيحة.... بالإضافة إلى دعم الجهود في إنجاح الخطط والبرامج في « منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة».
 كما وأنه وفي تلك الأثناء كانت هنالك قطاعات رئيسية في الدولة تحتاج إلى الدعم والتطوير. كان «القضاء» في مقدمة تلك القطاعات كسلطة مستقلة من واجب السلطة التنفيذية مساندتها ودعم استقلالها وتأمين احتياجاتها.
 بادرت حكومتي إلى اتخاذ إجراءات وقرارات أساسية لدعم الجهاز القضائي ليكون داعماً للتنمية الشاملة في المملكة ، راعت بالدرجة الأساسية دعم استقلال القضاء وتسهيل إجراءات التقاضي ، فتبنت حكومتي إجراءات إصدار مشاريع القوانين المقترحة من «اللجنة الملكية لتطوير القضاء» وإقرارها  فأصدرت 30 قانوناً (13 دائم و17 مؤقت) ووفرت الإمكانات المالية للمجلس القضائي في زيادة عدد القضاة في مختلف الدرجات حيث تم مضاعفة عددهم تقريباً ورفعنا رواتبهم وتم إسنادهم بالكوادر البشرية والخدمات التكنولوجية الحديثة وإنشاء قصور العدل في مدن مراكز المحافظات ورفعنا مخصصات وزارة العدل من 10-18 مليون دينار بالإضافة الى تقديم حوافز مجدية للقضاة.
 وبموازاة ذلك فقد ركزت الحكومة على تطوير الرسالة التربوية التعليمية بالتركيز على تحديث وتطوير المناهج واستيعاب ثورة المعلومات وتشجيع مهارات البحث والتحليل لدى الناشئة عبر وسائل الإتصال الحديثة.
واسمحوا لي أن أُذكر ببعض الإنجازات الإيجابية في  تلك الفترة ، على سبيل المثال وصل النمو الإقتصادي عام 2002 الى رقم قياسي حيث بلغ 5% من الناتح المحلي الإجمالي وحافظنا على عجز الموازنة بحدود 3% وزادت الصادرات بنسبة تزيد على 20% وارتفعت أرقام التداول في سوق عمان المالي من 300 مليون دينار الى مليار دينار تقريباً . ولكم أن تقارنوا هذه الأرقام بما سبقها وما تلاها لتحكموا بأنفسكم عما فعلناه في ذلك الوقت وعما آلت إليه الأمور اليوم.
في المقابل كنا قد رفعنا الإنفاق على قطاعات تستحق الدعم والتطوير . ففي مجال الإدارة المحلية فقد زاد الإنفاق الحكومي في دعم البلديات من 65 ملينون دينار الى مئة مليون دينار سنوياً . وللعناية بالفقراء فقد زاد الإنفاق على صندوق المعونة الوطنية من 27 مليونا الى 57 مليون دينار سنوياً . وفي مجال التدريب المهني زاد الإنفاق من 9 ملايين الى 32 مليون دينار كما أدخلنا مفهوم التدريب الوطني لتعليم الشباب بعض المهن ومنحهم راتباً شهرياً أثناء فترة التدريب ، وأما المديونية العامة على الدولة فكانت بحدود ستة مليارات دينار أي في حدود الأمان بالإضافة الى أن خدمة المديونية لم تكن تشكل عبئاً كبيراً على الموازنة العامة للدولة.....
وهنا أشير الى شهادة محايدة صادرة عن إحدى الهيئات الدولية المعروفة في الأداء العام للدولة الأردنية يشمل تلك الفترة الزمنية.
فالتقرير الذي أصدرته منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية التابعة للأمم المتحدة عن الأعوام 2000 – 2005  
Progress in Public management in the (MENA) Middle East and North Africa: Policy Reform
تضمن تجارب ناجحة لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تلك الفترة وأعتبر التقرير التجربة الأردنية إحدى التجارب الناجحة ونشر التقرير لتستفيد منه الدول الأخرى في المنطقة ولاسيما في المجالات التالية:-
-  تعزيز قدرات القطاع العام
-   وجودة ونوعية التشريعات وتطوير القضاء
-  وإدخال خدمة الحكومة الإلكترونية وإقتصاد المعرفة
-   وتعزيز مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص
-   وكفاءة إدارة المال العام والنفقات العامة.
كما وأنه تم في عام 2002 عقد مؤتمر في الأردن برعاية وتمويل البنك الدولي وكان موضوعه « الأردن كقصة نجاح في إصلاح القطاع العام « حضره عدد كبير من ممثلي الدول والمنظمات الدولية.
 بطبيعة الحال لا يمكن لأي شخص أن يدعي الكمال ، ولا يرغب أي شخص بالتركيز على الإخفاقات والسلبيات ، لكن أي منصف عاش تلك المرحلة يستطيع أن يجد المزيد من الإيجابيات أما اليوم وقد ساد اللغو وزبد الكلام فلم يعد يرى من يعتدون على الإعلام اليوم سوى السلبي ليس إزاء تجربتي ولكن على مستوى الوطن ومسيرته التي هي عنوان للنجاح على مر العقود نظراً للإمكانات المتواضعة والظروف الصعبة التي عاشها هذا الوطن العزيز.
على أي حال فإنني سأتحدث عن بعض المسائل التي جرى تناولها لاحقاً عن إجراءاتنا في تلك المرحلة.
 المسألة الأولى هي رفع أقساط التأمين الإلزامي على السيارات إلى 55 ديناراً سنوياً عام 2002 وأود أن أوضح الأمر على النحو الآتي:
في ذلك الوقت كان عدد شركات التأمين 26 شركة وكانت هذه الشركات تشكو من تدني سعر التأمين الإلزامي وعلى أثر دراسة هذا الموضوع من قبل هيئة رقابة التأمين وجدت الهيئة أن بقاء أقساط التأمين الإلزامي للمركبات بالسعر السائد في ذلك الوقت سيهدد هذا القطاع وربما تواجه الكثير من الشركات خطر الإفلاس. وعلى أثر ذلك تقدم وزير الصناعة والتجارة الذي يرأس مجلس إدارة الهيئة في 10/7/2001 بكتاب يطالب فيه رفع الإقساط إلى مئة دينار ولم تتم الموافقة على ذلك الطلب لكن وفي 10/2/2002 عاد الوزير ليطلب رفع القسط الى 75 ديناراً. وبعد أن عرض الأمر على مجلس الوزراء بتاريخ 4/3/2002 قرر المجلس تحديد القسط بمبلغ 55 ديناراً.
 كدليل على أن ذلك القرار لم يكن كافياً أيضاً فقد كانت خسائر شركات التأمين في فرع التأمين الإلزامي للمركبات في العام الأول لتطبيق السعر الجديد خمسة ملايين دينار أما مجموع خسائرها من ذلك العام وحتى نهاية  العام 2010 فبلغ نحو مائة وعشرين مليون دينار.
ولمواجهة خسائر هذا القطاع من التأمين الإلزامي ومطالب الشركات المتكررة فقد رفعت الحكومة السابقة أقساط التأمين الإلزامي العام الماضي إلى 85 ديناراً. ومعلوم للجميع أن القرار لم يصل إلى السعر العادل لتكاليف التأمين الإلزامي فإننا لم نسمع احتجاجاً أو إتهاماً من أحد عليه.
 أما عن علاقتي شخصياً بهذا القطاع وادعاء البعض أنني مستفيد منه وإتهامي بأنني أملك عدداً من شركات التأمين في ذلك الوقت فذلك غير صحيح والحقيقة أنني كنت مساهماً بنسبة 10% تقريباَ في شركة اليرموك للتأمين في حينه وبالإمكان التحقق من ذلك من هيئة الأوراق المالية عن ملكية الشركات ومساهماتها . وأترك لكم استنتاج حجم مصلحتي الشخصية في ذلك القرار.
وأقول لمن يرغب في المزيد من الشرح حول هذا الموضوع أن يراجع هيئة الرقابة على التأمين فلديها كل الوثائق والتفاصيل.

محاربة الفساد
تعاملت إثناء رئاستي للحكومة مع واحدة من أكبر قضايا الفساد التي كادت أن تؤدي ، لو لم نبادر إلى معالجتها بكل حزم ويقظة ، إلى نتائج خطيرة على المستوى الوطني وفي مقدمة تلك النتائج تعريض ثلاثة بنوك وطنية لمخاطر شديدة من بينها الإفلاس أو التصفية وأهم من ذلك اهتزاز الثقة بالجهاز المصرفي الأردني وربما أكثر من ذلك تعريض الإقتصاد الوطني لمناخ من عدم الثقة والإتهامية.
 كانت قضية في منتهى الخطورة بدأت من البنك المركزي حيث أبلغني محافظ البنك أن هناك تسهيلات مالية كبيرة لشخص يدعى مجد الشمايلة تقدر ما بين 80-100 مليون دينار.
 لم يكن هذا الشخص معروفاً في عالم التجارة والإقتصاد ، لكن المشكلة الأكبر أن التسهيلات تمت بموجب أعتمادات من دائرة المخابرات العامة.
وانفجر الموضوع في الإعلام بينما كنت بمعية جلالة الملك في زيارة الى الولايات المتحدة الأمريكية، فعدت من السفر على وجه السرعة وقمت بعقد عدة إجتماعات مع كافة المسؤولين وذوي الإختصاص في هذا الشأن . وتبين أن ثلاثة بنوك كانت قد قدمت هذه التسهيلات وبالمناسبة وللعلم كانت مجموع الودائع لدى تلك البنوك تبلغ حوالي 1200 مليون دينار.
 وصلت القضية إلى الرأي العام بصورة مضخمة ومقلقة فخشينا أن تؤثر في أوضاع البنوك الثلاثة. بالإضافة الى سمعة الجهاز المصرفي الأردني الذي كان يعتبر من الأجهزة المتميزة في الإقتصاد الوطني وفي منطقة الشرق الأوسط.  وكان علينا أن نتحرك بسرعة وهذا ما حدث بالفعل ، ففور عودة جلالة الملك من زيارة رسمية للولايات المتحدة قابلت جلالته اقترحت أن تحال القضية إلى محكمة أمن الدولة باعتبار ما جرى جريمة إقتصادية فوافق جلالته وأمر بالسير في القضية فوراً . وبعد إجراء التحقيق اللازم أحيل المتهمون إلى القضاء واستعيد الجزء الأكبر من الأموال وواجه المتورطون فيها أحكاماً مختلفة وتم إنقاذ البنوك الثلاثة.
القضية الثانية كانت قضية بنك فيلادلفيا والتي حولتها أيضاً إلى محكمة أمن الدولة باعتبارها جريمة اقتصادية تؤثر على الوضع الإقتصادي العام إضافة إلى ضرورة العمل لحماية حقوق المودعين والمساهمين والتي كانت مهددة بسبب الفساد الإداري في البنك آنذاك . وهنا أيضاً استطعنا إنقاذ أموال المودعين باسترداد قسم كبير من الديون المشبوهة وتمت تصفية البنك حسب الأصول من قبل البنك المركزي.
 
القوانين المؤقتة
أعطت المادة 94 من الدستور الأردني الحق لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة عندما يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحلاً « في الأمور التي تستوجب إتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير... «  .
بداية ، أقول أن القوانين المؤقتة صدرت بعد حل مجلس النواب وليس أثناء عدم انعقاده ، ناهيك عن أننا وبسبب الظروف الصعبة التي واجهناها لم نكن نعلم على وجه اليقين متى ستجرى الإنتخابات وبالتالي فلم يكن لدينا قرار مسبق بإصدار كل تلك القوانين.
 كنا نتفهم النقد الذي يوجه إلينا بخصوص التوسع في إصدار تلك القوانين ولكننا كنا أمام تحديات داخلية وخارجية تستوجب منا إتخاذ كل قرار أو أجراء ضروري لتحديث البنى القانونية والإدارية والإقتصادية استجابة للمستجدات العالمية في كل الميادين ولإعادة تأهيل المجتمع والدولة في مواجهة متطلبات الألفية الجديدة.
 على العموم فقد أصدرت حكوماتي 214 قانوناً مؤقتاً منها 80 قانوناً جديداً ، بمعنى أنه كان لدينا فراغ تشريعي في تلك الفترة إزاء مستجدات تطلبت وضع تشريعات جديدة تحكمها أما الــ 134 الأخرى فهي قوانين معدلة منها ما عدلت منه مادة واحدة بل وفقرة من مادة في بعض الأحيان.
 وعلى أي حال فلم تكن حكومتي الأولى في إصدار قوانين مؤقتة فقد وضعت عشرات القوانين المؤقتة سابقاً وتعامل معها المجلس الحادي عشر عام 1989 دون أي ضجيج أو إشكال .
 وعلى العموم فإن إقرار البرلمان لاحقاً لمعظم القوانين المؤقتة (177 قانوناً ) حيث أصبحت قوانين دائمة دليل على مدى ضرورة تلك القوانين ودستوريتها علماً بأن بقية القوانين ما زالت لدى مجلس الأمة.
وفوق ذلك فإنني أعلن أمامكم إستعدادي لتمويل دراسة محايدة عن جدوى تلك القوانين وضرورتها الوطنية والتحقق فيما إذا كان لي أي مصلحة شخصية من وراء إصدارها.

موضوع النفط
فرضت الأمم المتحدة حصاراً على العراق الشقيق بعد غزو الكويت صيف عام 1990 والعدوان الثلاثيني بقيادة الولايات المتحدة مطلع عام 1991 . وكانت أبرز مشكلة واجهها الأردن آنذاك موضوع التزود بالنفط لا سيما أنه كان يعتمد كلياً على النفط العراقي إذ كنا نحصل على نصف احتياجاتنا النفطية كمنحة أما النصف الآخر فبأسعار تفضيلية.
 حصل الأردن على موافقة الأمم المتحدة للتزود بالنفط العراقي بموجب المادة 50 من ميثاق الأمم المتحدة ووفقاً للبروتوكول التجاري الموقع بين الأردن والعراق والذي كان يجدد سنوياً حيث تتم تسوية الأمور المالية من خلال مقايضة أسعار النفط بسلع وبضائع أردنية من المواد الموافق عليها من الأمم المتحدة.
أواخر عام 2002 حيث تصاعدت التهديدات الأمريكية للعراق ولاحت نذر الحرب سارعت الحكومة لإتخاذ عدة تدابير احترازية كان من بينها السعي لتأمين مخزون إضافي من النفط الخام تحسباً لوقوع حرب وشيكة تؤدي الى توقف التزود بالنفط من العراق.
 ولأن الأردن لا يملك أي خزانات للنفط تكفي الأردن لمدة معقولة ، بل وأن مخزونه من النفط المستورد لا يكفي لأسبوعين في كثير من الأحيان فقد قامت الحكومة بشراء باخرة عملاقة رست في العقبة وتم تعبئتها بثلاثة ملايين برميل من النفط الخام فشكلت حمولتها علاوة على خزانات المصفاة ومحطات توليد الكهرباء مخزوناً إضافياً خفف من هاجس تكرار سيناريو عام 1991 حيث عانينا الكثير لتوفير المشتقات النفطية وساهم في تجاوز أزمة الحرب التي نشبت لاحقاً في آذار 2003.
وكان ذلك بإتخاذ إجراءات وتدابير غير تقليدية بالقيام بتخزين هذه الكميات والحصول عليها بأسعار متميزة وبسرعة فائقة مما وصلنا الى الأمان.
 وبالإضافة إلى كل ذلك فقد حقق حصولنا على تلك الكميات بالأسعار التفضيلية وفراً على الخزينة العامة للدولة تجاوز عشرات الملايين من الدنانير.

 التخاصية والأسهم الحكومية
كانت التخاصية إحدى الإلتزامات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي والذي تخرجنا منه عام 2004 وذكرت لكم سابقاً الحدود الآمنة لعجز الموازنة التي وصلنا إليها في ذلك الوقت.
الشركة الوحيدة التي جرت خصخصتها في عهد حكومتي كانت شركة البوتاس وبالإضافة لبعض نشاطات الملكية الأردنية حيث جرت العملية بكل شفافية ووفق منافسة علنية وبأسعار اعتبرت في حينه بأنها عادلة ومجدية.
أما عن الأسهم المملوكة للحكومة في عدة شركات مثل صحيفة الرأي ومصفاة البترول والأسواق الحرة والإتصالات والإسمنت فقد بيعت جميعها الى مؤسسة الضمان الإجتماعي كما عملنا على إصدار نظام استثمار أموال المؤسسة وأنشئت الوحدة الإستثمارية في مؤسسة الضمان الإجتماعي.
وهنا أود أن اشير الى حرص الحكومة على أموال الضمان حيث أنها لم  تتدخل في إستثمارات أموال الضمان الإجتماعي سوى مرة واحدة عندما وجهنا المؤسسة الى شراء ما نسبته 10% من أسهم البنك العربي ، تلك الصفقة التي حققت عوائد مالية ممتازة لصندوق الضمان الإجتماعي .

      موضوع الحديد
أدخلت مؤسسة المواصفات والمقاييس أسلوب ترميز الحديد وذلك لتحقيق هدفين: أولهما مراقبة منشأ الحديد المستورد وثانيهما التمييز بين أنواع حديد البناء ( شد 40 وشد 60).
 بالنسبة للحديد المستورد فقد كان يدخل السوق المحلية حديد من سوريا دون رسوم جمركية بناء على اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين الشقيقين. وفي واقع الأمر فإن كميات كبيرة من الحديد الوارد من سوريا لم يكن سوري المنشأ بل من أوكرانيا.
 أدت تلك الإجراءات إلى ضبط سوق الحديد ووقف التلاعب الذي كان يأخذ شكل التلاعب بالمواصفة أو بلد المنشأ.
وقد قيل لاحقاً أن تلك الإجراءات كان هدفها إحتكار السوق لكن قانون منع الإحتكار الذي أصدرته حكومتي كقانون مؤقت كسر احتكار الحديد وفي ذلك رد حاسم على كل تلك الإفتراءات إضافة الى أن الحكومة التي خلفت حكومتي.
 وقد أعادت الحكومة والتي خلفت حكومتي عام 2004 بحث موضوع ترميز الحديد بالطلب بإعادة النظر به من قبل مؤسسة المواصفات والمقاييس وكافة الأطراف المعنية وهي نقابتي المقاولين والمهندسين والجامعات الأردنية والجمعية العلمية الملكية ووزارتي الإشغال والبلديات وأمانة عمان الكبرى والتي أصرت جميع هذه الأطراف على ضرورة إبقاء الترميز وأهميته لضبط السوق بالإضافة إلى أن يكون الترميز مسجلاً في بلد المنشأ.
أخيراً،  فإنني أجد من غير المعقول أن أتحدث في هذه الظروف دون أن أعرج على الحراك الذي يشهده الوطن بل والمنطقة من حولنا بعد ثورتي تونس ومصر والإحداث الدامية في ليبيا واليمن وسورياً.
 وأرى أن هذا الحراك لا بد أن يؤدي إلى تغيير كبير في النظام العربي عموماً، تغيير قد يكون دموياً في الكثير من الأحيان.
في الأردن اعتقد أننا قادرون على عبور هذه المرحلة كما عبرنا أحداثا جسيمة وقعت في الماضي. 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد