معارك برلمانية / حلقة 12

mainThumb

23-07-2011 03:23 PM

من خلال التعامل والتواصل النيابي والحكومي والسعاة الباحثين عن دور لدى الجميع على انهم قادرون على التحكم بمسار الاحداث ومصيرها , وكل ذلك  قبل انعقاد جلسة الافتتاح , وجدت ان السعاة  والدولة بكل أطيافهم يتعاملون  معي بوجه واحد،  لكنه  الوجه العابس الكالح الرافض لوجودي ولإسمي (العبادي) , ولطروحاتي الوطنية الاردنية التي تاخذ بالناس بعيدا عن عبادة الاصنام وسلاطة لساني , وتمكني من ارتجال الكلام القوي الفصيح،  وكانت الحكومة تتعامل مع بقية النواب من عربان وإخوان وغيرهم بوجهين ومعيارين، وهم ( النواب من غيري ) كاسبون  في  واحدة منها، على الأقل , إن لم يكونوا كاسبين على الوجهين ,  وأنا خاسر بالوجهين والطرفين بكل تأكيد .   ولم أكن ضمن إية معادلة ظاهرة قد تعود بالفائدة على فكري الوطني وقاعدتي الوطنية , ومسلكي البرلماني ودائرتي الانتخابية وقواعدي العشائرية.

كنت الوحيد الحراث ابن الحراث من اعضاء المجلس الذي يعلو المقربين من الحكومة بمؤهلاته،  ويدنوهم باتصالاته السياسية والامنية ،  ولا يطالهم أبداً بالولائم الخرفانية ( نسبة إلى أكل الخراف ) والجديانية (نسبة إلى أكل الجديان) . إذنً كان واضحاً أن نقطة التساوي الوهمية في أن النائب هو نائب وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات  إنما هي وهم على وهم، وكلام فارغ في الحقيقة والواقع .

ادركت مبكرا ان هناك فرق بل وفارق حقيقي بين نائب ونائب ,  في كل المعايير , في الوزن السياسي والمالي والاجتماعي والعلمي والوظيفي السابق والحالي , وهناك بون شاسع  بين نقطة الصفر او الانطلاق  التي أنا عليها،  وتلك التي عليها الآخرون من العيار الثقيل  ...  . إذاً لابد من رتق الشقة والفتق ،  وتجسير الهوة وتقصير المسافات. ولا بد من السوط والقلم واللسان  والبيان  والمفاجئات، تعمل جميعاً كلها في حركة منسجمة في معركة واحدة  وعلى جميع الجبهات , لكي اصل إلى موقعي الحقيقي كنائب لا يقل عن هؤلاء مكانة وقوة .

وصلتني الرسالة بوضوح، مما سبق وقلت لنفسي : إذا ما بقيت الأمور على ما هي عليه،  فلن أكون إلا كواحد من ضعاف الأيتام على فتات ( ولا أقول مأدبة أو مائدة ) اللئام . كنت حائراً لا أجد من ينصحني إلا بشيء واحد هو أن أصفق, وأنا أريد أن أصفع؛ وأن أبصم بحافري ( ؟؟ ) وأنا أريد قلب الحافر على النافر ؛ وأن أطأطئ رأسي  , وأنا أريد للهامات والرؤوس الفاسدة أن تنحني ذلا وتتبعثر خوفاًً بل وَذُعْراً .

     نصحوني أن أمشي مع التيار،  وأنا لست سمكة ميتة ؛وأن أتلقى التعليمات والتوجيهات من السفلة والجهلة , وأنا أريد كشف هؤلاء الناس للتاريخ والوطن ؛ ويريدونني الاهتمام  بمصالحي الخاصة وإمتيازاتي،  وأنا من طبعي وطبيعتي التضحية بمكاسبي من أجل الأردن وأصحاب الحقوق والحاجات .

واضح أنه كان هناك فارق أخلاقي وحضاري، وثقافي،  وفارق في الشعور بالخوف من الله سبحانه , قبل وبعد كل شيء . فمن طبعي أنني مؤمن أن الله سبحانه  سيحاسبني على كل شيء ,  وبالتالي فالأفضل أن أراقب الله في سري وجهري وعملي وقولي،  وأن تكون مخافة الله هي رائدي ,وليس المصالح الزائلة , وطاعة السفهاء والجهلاء والطواغيت  .

وأعتقد بل أنني مطمئن أنني عملت وقلت ما كان ضمن هذه العقيدة والقناعة والفكر  والسلوك. فلم أجامل على حساب ديني ووطني وشعبي وقاعدتي وقبيلتي, وان كنت دفعت الثمن غاليا في النهاية , وكنت أسامح بحقي الشخصي , ولكنني لا أفرط بحقوق الله والوطن والأردنيين وقاعدتي القبلية والانتخابية ، ولكن حرماني من الإعلام، ،انطلاقاً من حملات التشويه ضدي والحيلولة دون ظهوري في أي برنامج أو لقاء , قد قلب الأمور ضدي بشكل منظم من قبل الدولة بالأردن ومؤسساتها وأزلامها , من قطعان المنافقين والوصوليين والانتهازيين والراقصين على الحبال.

وفي أول حضور لرئيس الوزراء الجديد المكحوش ط2 لاجتماعات المجلس ، رحب به صديقه ونائبه في وزارة سابقة ، الذي أصبح الآن رئيسا لمجلس النواب الجديد أيضاً، قائلاً : باسمي وباسم المجلس الكريم , نهنيك على الثقة الملكية ، ونرحب بك ، وهناك دخلت بنقطة نظام ، فأذن لي رئيس المجلس ، وهو لا يدري ماذا سأقول، وربما حسب أنني سوف أؤيد مقالته (؟!؟) فقلت : لا يجوز أن ترحب برئيس الوزراء وهو لم يحصل على الثقة بعد ، وأنت تتحدث باسمك ، ولا تمثل المجلس في ذلك ، أو على الأقل لا تمثلني في ذلك ، فمن السابق لأوانه أن تمنح الثقة للحكومة  أو نتحدث لها بهذه المودّة . وتبعني ليث شبيلات وقال كلاماً في هذا الإطار مشابهاً لما قلت.

 أما الأخوان المسلمون، واليساريون والعربانيون فلم ينبس  اي منهم  ببنت شفة أبداً.وهنا وجدت ان معركتي طويلة وصعبة , ذلك ان الرئيس الجديد / المكحوش ط2 يجد دعما في المجلس ممن يعتبرهم الناس مثالا للطهر والتقوى , وشعرت ان صوتي سيكون وحيدا او ضمن مجموعة قليلة من النواب .

     كانت هذه المداخلة صاعقة على رئيس الوزراء الجديد / م ط2  , الذي بدأ وجهه يمتقع بالألوان وكذلك المقربين منه من وزراء ونواب... كان ذلك خارج توقعاتهم مما حدا بأحد الوزراء  الأقوياء المقربين منه أن يطلب مني  مقابلة الرئيس في مكتبه بالدوار الرابع , فوافقت، وقام هذا الوزير بترتيب اللقاء في اليوم التالي , بيني وبين رئيس الوزراء الجديد في مكتبه في الرئاسة / الدوار الرابع ، حيث استمر حوالي الساعة وربع الساعة ,وكنا وحدنا , وكان يتحدث وهو يدخن محاولا انتقاء كلماته بعناية مركزا على الامور الخاصة بالاردن ليبيعني وطنيات واخلاصا للوطن ليبرهن انني واياه متفقون في القضايا الوطنية دون ان يتطرق الى تطنيشي واهمالي عند المشاورات لتشكيل الحكومة ولو للمجاملات  ورفع العتب . فالوطنية ليست بالنسبة لي التي يفصلونها على مقاسهم ولا تتسع لمقاسنا . وهل من مصلحة الوطن ابعادي وابعاد الوطنيين ؟ انها وطنية الخداع التي لا تمر علي ويبدو انه لم يكن يعرف انني لست الشخص الذي يمكن ان تستهويه الاكاذيب

   , وكنت اتخيله بسجائره الصغيرة التي يستخرجها من العلبة الورقية  ويدخن بشكل نهم  , انه الوجه الاخر للرئيس المكحوش ط 1 الذي يدخن السيجار , وكلاهما يدخن على اوتار شعبنا  الاردني وجراحاته وعاباته , وكل منهما يبيعنا وطنيات  في الظاهر ونحن نرى ايديهم تذبح شعبنا بمدية الجزار الملوثة , وانه مضطرب , وانه عندما احس بالحرارة الخفيفة جنح للتفاوض , فكيف به اذا ماداهمته النيران او الطوفان ؟ وكنت اثناء اللقاء ايضا أتخيل ان الوزير الوسيط من طرفه , إنما رتب ذلك لمصلحة نفسه لانه غير معني الا بنفسه  ومصالحه عند الرئيس ولمصلحة الرئيس والحكومة وبيع الموقف لاصحاب القرار انه استطاع ان يحتوي احمد عويدي العبادي من اول الطريق .  كان الرئيس  يرتدي بذلة تميل الى اللون الرمادي , وربطة كذلك  وكنت ارتدي بلطانا وقميصا وسترة بسيطة وقديمة وليس عندي افضل منها .

    كان الرئيس المعين / المكحوش ط2  مهذبا معي الى اعلى درجات التهذيب المصطنع ؟؟؟ , وهنا فهمت ان القصد هو تحييدي ومنعي من مضايقته من اول الطريق , وبالتالي فهو لطيف لمصلحته وليس لطيفا بطبعه او لمصلحتي  , وهو لايطيق رؤيتي فكيف يبتسم لي هذه الابتسامات التي ذكرتني بافاعي المناطق المطلة على غور الاردن ؟ ولماذا جاءت ابتساماته متاخرة ؟ ولماذا ادخلني في الاعتبار متاخرا وان كان ادخالا وهميا لايمشي علي , بينما من ضمهم الى طاقمه لم يستطع احد ان يدافع عنه , فنحن خارج القبة الآن.  كنت أشعر أنه يريد أن يأكل بعقلي حلاوة، وكنت أتظاهر بالبساطة والهبالة , ولكن لم يكن أيُّ منا بسيطاً أبداً ، وكلٍّ منا يريد سَبْرَ أغوار الطرف الآخر. كنت أعرف ما عنده، لكنه لم يعرف أبداً ما عندي أو ماذا أريد.فقد كان شخصية عامة ومعروفة لدي , أما انا فكنت بالنسبة له نكرة , سوى أنني عقيد متقاعد من الأمن العام زمن الرئيس المكحوش ط1  الذي أطاح به الشعب , وهما خصمان لدودان , وهما مكحوشان يتصارعان على بلادنا ودولتنا واهلنا

لقد تحدث الرئيس  في اللقاء بأمور لا تعنيني، ولا تتفق ما في ذهني من مخططات وأولويات ، وحيث كان حديثه عن الأمور العامة ومصلحة الأردن والتمثيل للشرائح والأطياف والمؤهلات، فلماذا لا يتسع الأردن والحكومة بالأردن للغلابى مثلي؟ !  وللمؤهلين من أبناء قاعدتي؟! إن كلامه متناقض بين الأقوال والأفعال. ولماذا مكتوب أن نضحي ويضحي بنا، من أجل أن يغنم غيرنا ويغنم الرئيس ؟ أليس من العدالة توزيع المغانم والمغارم على الجميع؟ . صحيح انه تكلم بالمثاليات ولكنه لم يطبقها على ارض الواقع , من قبل ومن بعد  .

       وبينما كنت اسمع من الرئيس كلامه المعسول بالوطنية والتضحيات. تساءلت : هل سنبقى أسرى الإرث الخاطئ في أننا نحن أبناء العشائر ليس لنا من وظيفة سوى أن  نصفق ونرقص ونحرس ,  ونمارس الطقوس الوثنية على انها عبادة دينية ؟ ونرى ابتسامة المقاطيع أنها من نعم الله علينا وهي النقم التي تفوق السم الناقع (؟). كفى فقد مللنا من ذلك، واكتشفنا أننا ضحايا الغدر والسوء وضحايا أنفسنا، فقد ظلمنا أنفسنا، بالإضافة إلى أنَّ ظلم الآخرين لنا لا يمكن ان ينتهي ما داموا أحياء , وما دمنا نتلفع بالحياء.

     إن ما حدث من قبولي اللقاء بالرئيس وسماعه بأدب لمدة ساعة ونيف  ليس ندماً عابراً أو أسفا مؤقتا مني حيال ما بدر مني , ولا ما بدر منهم تجاهي ، وإنما لكي يشعروا ويفهموا أنهم أساءوا التقدير في التعامل معي، وأعطوني أقل مما استحق من التقييم، فوقعوا فيما كرهوه، وأظنُّهم تمنوا لو أنهم تعاملوا معي بطريقة فيها شيء من الاحترام والأخلاق والتحضر , هذا إن أدركوا حقيقة موقفي وسؤ تقديرهم للأمور .وعندما ودعت الرئيس كان يعتقد انه كسبني لجانبه , وأنني سأتوقف عن معارضته وسأمنحه الثقة . أما انا فكان لي رأي آخر لم يظهر على وجهي عند اللقاء . وافترقنا مفترقين . وان مشكلة المسؤلين ان مافي اعماقي لا يظهر على وجهي فيتوهوا  في التقييم , وبالتالي صاروا لا يثقون بي لانني لا اثق بهم اصلا.

جاء دور الثقة بالحكومة، الذي سبقه بيان الحكومة، وطلب الرئيس المعين الثقة على أساسه، ورأيت أنني ورثت تركة ثقيلة من التراكمات والتطنيش والتهميش والإهمال وضياع الحقوق لقاعدتي القبلية بخاصة، والوطن بعامة. وعلي أن أقوم بشيء ما، قويا، مؤثرا، ملفتا للنظر, للأعمى ولذي البصر، مبهرا، ليس مسبوقاً، ولا يلحقه أي من النواب الأقوياء وهم كثر في هذا المجلس (الحادي عشر 1989). فانا اؤمن ان الانسان هو الذي يصنع التاريخ ولا يصنعه التاريخ .

      لا بد لي من موقف سياسي وطني، يتفق مع قناعتي ومصلحة الأردن والأردنيين، ويخربط جميع المعادلات ويخلط جميع الأوراق ليس في الحكومة فحسب، بل وفي مجلس النواب والقصر والأجهزة الأمنية أيضاً، ثم يعيد التوازن ويرتب الأوراق، على أسس جديدة في هذه المرحلة الجديدة، ولكي يتبين للجميع أنني قادر على تحقيق ما عجز عنه غيري من نواب ومشيخات عربانية والجهلة (......) والبصمجية و «الحج مواقف» ومجموعات:«ارحلوا رحلنا » و «انزلوا نزلنا».عبر هذا المجلس ومن سبقه أو من يأتي بعده من المجالس .

إذن لا بد من معالجة هذه الجبهة علاجاً نافعاً ناجحا، حاسماً مفاجئا، وأن أتصرف ضمن مخطط مدروس ودقيق بعيد عن حسابات الربح والخسارة والمغانم والمغارم ورضي أية جهة أو غضبها ,  ولا يظهر لهم على السطح، الا لحظة تنفيذه .  موقف ذو عنف سياسي ولكن بدون سابق إنذار، وخارج التوقعات كما هي طبيعة العشائر الأردنية التي أتشرف أنني منها، كنت ولا زلت  أشعر أنني للأردن كله، لا لحركة الوطنية وحدها ، ولا لجبهة ولا لحاكورة ولا لقبيلة، ولا لفئة أو جهة او حزب ، بل لجميع أبناء الأردن، وواقعهم، وآلامهم وآمالهم  ومصيرهم ومصالحهم. وكنت أريد تحقيق ذاتي الأردنية وليس ذاتي الشخصية.إنني أحب الأردن أكثر مما يحب الأردن نفسه، وأحب الأردنيين أكثر مما يحب الأردنيون أنفسهم.

بفضل الله سبحانه استطعت توظيف خبرتي الأمنية الطويلة وخبرتي  بالعشائر والأردن وتاريخها، ومحبتي لهما أحسن توظيف،  من خلال معرفتي لما يدور في خلد الناس، وحقيقة مشاعرهم تجاه المسئولين، وما يتمنونه سماعا وقولاً وعملا. وقد استفدت من خبرتي الأمنية في كيفية التمويه على الخصم أو العدو أو المنافس، إلى درجة ان بعضهم ظن أنني هبيلة أو مسكين أو خفيف أو مْهَوِّي، أو مجنون... الخ من النعوت السلبية التي تناهت إلي مباشرة أو عبر الوسطاء ... ولكن الممارسات والمواقف النيابية فيما بعد جعلتهم يقتنعون أنهم يستحقون هذه الصفات بجدارة  ولست أنا الذي يستحقها.

بدات برنامجي لمحاسبة الفاسدين والقمعيين الذين ذاق منهم الشعب الاردني وذقت الامرين , من الملاحقة والحرب  والمراقبة والمتابعة , وهم لن يكونوا بعيدا عن المحاسبة حتى ولو انهم صاروا في دهاليز التاريخ  المظلمة لا يراهم احد ولا يرون الا ذكرياتهم المريرة , بعد  ان كانوا في دهاليز البنايات ومعاقل الظلم . كنت اعرف مدى معاناة الاردنيين على ايدي ضباط محددين في المخابرات ومنهم مديرها الذي كان ضمن مثلث الرعب الذي احالني على التقاعد وحاربني  واولادي في لقمة عيشنا عام 1987 . كان مثلث الرعب المكون من رئيس الوزراء المحكوش ط1 ومديري الامن والمخابرات المكحوشين قد ذهبوا الى طيات النسيان المؤقت على الاقل . وكنت ارى ان ابدا بمدير المخابرات المكحوش  بمذكرة لافضح ممارساته القمعية واللاوطنية , واترك الهجوم على ضلعي مثلث الرعب الباقين الى فيما بعد وهما : الرئيس المكحوش ط1 ومدير الامن المكحوش  , اقول اتركهما للخطاب ليكون الحديث عنهما في سياق المناقشة . لذا تقدمت بالمذكرة التالية لرئيس المجلس ليرفعها الى المراجع المختصة .

أما نص المذكرة التي تم تجميدها، والمشار إليها أعلاه فهو التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

معالي رئيس مجلس النواب الأكرم

الموضوع: التحقيق في ممارسات دائرة المخابرات العامة فيما بين 1982-1989

بعد التحية، فأرجو معاليكم عرض الاقتراح التالي على الزملاء النواب لبحثه وتشكيل لجنة للتحقيق فيه من المجلس الموقر.

(1) كانت هناك ممارسات لدائرة المخابرات العامة في الفترة أعلاه، من عمليات الفصل التعسفي، وحجز الجوازات، ومنع العمل والسفر، والتوقيف وتحديد حريات الناس، ومراقبة هواتفهم، دون إذن  قانوني بذلك.

(2) أطلب من الزملاء الكرام دراسة هذه الدائرة، ومعاقبة المسيئين، وتنظيفها من الشوائب والشلليات والإقليميين، لتبقى نقية تحظى بحب الشعب وتقديره، كما أطلب كف يد الدائرة عن جميع هذه الممارسات أعلاه- إلا بموجب القانون ومنعها من التدخل في حريات الناس إلا بموجب القانون إذ أجاز لها ذلك.

(3) أطلب من دائرة المخابرات تزويدنا بقوائم تتضمن أعداد المفصولين عن  طريقها، وأعداد الذين تم توقيفهم، وحجز جوازاتهم والذين منعوا من العمل والسفر والأسباب الكامنة وراء ذلك وأسماء هؤلاء المتضررين، وأسماء الذين اتخذوا القرارات بحقهم من مدير أو نواب أو رؤساء شعب.

(4) إن هذا مطلب شعبي عام، وهدفنا هو تحقيق الحريات المسئولة، والحيلولة دون الممارسات الخاطئة، وبناء الوطن بناءً صحيحاً. والبقاء على العناصر النظيفة في هذه الدائرة مع خالص مودتي.

عضو مجلس الأمة الأردني د. أحمد عويدي العبادي

لم اكن اتصور خطورة هذه المذكرة ورد الفعل الرسمي عليها , حيث وصلت للقصر وادارة المخابرات خلال دقائق , ومن ثم للملك في حينه ولرئيس الديوان بطبيعة الحال , وجرت مشاورات على اعلى مستوى سياسي في البلاد حيال المذكرة , وللاسف انه لم تكن الصحف لتجرؤ على  الاشارة اليها او نشر مثل هذه المذكرة ولا تداولها بين الصحفيين لان أيا منهم ان تداولها لقي العقاب والحجز وتضييق لقمة عيشه عليه . ومع هذا تداولها الجميع على طريقة لغة النمل . وفي اليوم التالي استدعاني رئيس مجلس النواب وتحدث الي بكل احترام ولطف طالبا الي الغاء المذكرة , فسالته السبب ؟ فقال ان صاحب القرار غاضب من تقديمها , فقلت الم يحسب حساب غضبنا عندما كنا نعاني على ايدي مثلث الغم الانكشاري ؟ ولماذا يتم التغاضي عن الاساءات التي تصيبنا منهم , ويريدون منا السكوت على الاهانات التي يوجهونها الينا .قال : يااخ احمد تعرف هذه المخابرات دائرة حساسة وخط احمر ولا يجوز التطرق الى عملها . قلت وحتى بعد الديموقراطية يامعالي ابو فلان ؟ فقال وحتى بعد الديموقراطية . قلت ولماذا مارسوا سائر مسلسلات الاذلال والتجويع ضدي ولم اجد من يقول ان كرامة الاردني خط احمر اولى من المخابرات , او على الاقل مساوية لها ؟فقال : انت الان نائب والايام التي راحت , لقد راحت الى غير رجعة . قلت لا بد من محاسبة اللصوص ياصاحب المعالي . فقال لا انصحك باغضاب سيدنا ( هو الذي قالها ) , قلت انني مصر على المذكرة , والا ساتحدث عنها فيما يستجد من اعمال . فقال : طيب طيب , لا بد من اعلام رئيس الديوان ومدير المخابرات بذك لانهم بالصورة عن ملاقاتي بك وينتظرون الجواب ليضعوا سيدنا ( هو قالها ) بالصورة  . فاتصل برئيس الديوان ( رحمهما الله ) واخبره قراري بالاصرار على المذكرة فقال رئيس الديوان ساخبر الملك بذلك , ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم  , كذا قال رئيس الديوان .        خرجت وانا سعيد بشعوري انني بدات احاسبهم واعاقبهم على جرائمهم بحق الاردن , وهم الذين اعتادوا ان يقال لهم : امرك سيدي وهم لايسالون ( بضم الياء ) عما يفعلون , انها لغة جديدة عليهم وهي مرعبة ومفزعة بالنسبة لهم .

      وبعد مذكرة المخابرات العامة , شرعت في اعداد  خطابي لمناقشة برنامج الثقة بالحكومة إعداداً جيداً،وكانت فقراته تتحدث عن مواضيع متعددة طالما أرقتني... وشعر القصر أنني سأحجب الثقة، ولن أكون ناعما أو مطية أو مسايراً ,  فاستدعاني رئيس الديوان الملكي الذي كان رئيساً للوزراء وأشرف على الانتخابات .ولم تكن توجد هواتف خلوية آنذاك، وكنت أثناء الدوام في ذلك اليوم كما هو شأني في كل يوم , في جولات ميدانية على الدوائر لخدمة ذوي الحاجات من الغلابى والفقراء. وعندما وصلت المجلس قبيل الثانية بعد الظهر، أخبروني أن الديوان الملكي سأل عني كل مكان، وأن رئيس الديوان يريدني فكلمت مكتبه، وقال: إن سيادته يريدك الآن . وعندما حضرت وانا ارتدي قميصا وبلطانا فقط وبدون بهرجة الملابس ,  قدم إلي كوباً من الشاي، وفوجئ أنني لا أشرب الشاي، وقال: كان جلال الملك يريدك،  ولكن لم نعثر عليك فخرج  وطلب إلي أن أنقل إليك أن تمنح: «الثقة لرئيس الوزراء...».

   وهنا شعرت انه يريد الضحك علي بقوله ان الملك كان ينتظرني , ليجعلني المقصر بعدم حضوري , وليوهمني انني انتفخ  عندما يقال لي ان الملك كان ينتظرني , لذا فقد نظرت الى كلامه هذا انه ضرب من السخرية بي او محاولة اكل حلاوة بعقلي كما نقول في المثل الاردني , على اية حال لم اصدقه اطلاقا فانا لايضحك علي احد  لا رئيس ديوان ولا شيخ عربان وان تظاهرت بالتصديق فالكل يضحك على الكل . وأعترف أن جوابي لسيادته كان سلبياً وقاسياً وفضا، اي نه جواب عليه انك تضحك علي فخذ الجواب الذي لا يسرك , وأنا أجلس وأتحدث إلى شخص مهذب ولطيف, وهو رئيس الديوان... كان جوابي خالياً مما اعتادوه من التهذيب والطاعة الفورية والتذلل والمسكنة والانحناءات  ... إنها لغة جديدة لم تكن مألوفة من قبل, ولم يسمعونها من قبل . فانا لم اصدق ما  قاله ان الملك كان ينتظرني ويريدني , فهذه يمكن له ان يضحك بها على غيري , اما انا فلا تدور هذه في راسي اطلاقا , واعرف انها مصيدة لتحقيق اهدافهم , ولكنني تجاوزت التعليق على هذه الجملة وشعر سيادته  انني لم اصدقه ولم اثق بما قاله : ان الملك كان بانتظاري لكنه خرج قبل قليل  لبرنامج خارج القصر . وهذه التي تسرح في عقول الاخرين , ولكنها لم تجد بابا لدي لتدخله .وان الملك  يريد مني منح الثقة للرئيس المكحوش ط 2 .

كان جوابي صريحا بلا مواربة , واعترف انه كان جوابا فضا لرجل لطيف , قلت : لا لن أمنحه الثقة، فقال: لماذا؟ قلت: لأن مصلحة الأردن في حجبها عنه، ولو أعطيتني الدنيا وما فيها لما منحته، فقال: هذا موقفك السياسي وهو راجع إليك وأنت حر فيه . كان من طبيعته انه  يطاع ولا يناقش ( بضم الياء )  ولا يجادل ( بكسر الدال ) , ويقول هذا رايك او موقفك وانت حر , ولكنه يفعل مافي ذهنه ايضا .وأضفت كلاما قاسيا بحق رئيس الوزراء المعين / المكحوش ط2 , الى درجة ان رئيس الديوان صار ينظر الى وجهي تارة والى  ما حوله تارة أخرى خشية تسجيلات غير مرئية , وهو لا يصدق ما يسمعه  من عقيد متقاعد ومن ابن عشيرة . ومن فئة الذين اعتادوا ان يقولوا : سمعا وطاعة وأمرك مولاي. شعرت ان الرجل خائف على نفسه من شدة القصف الذي وجهته باتجاه رئيس الوزراء , فانا لدي حساسية من اعضاء مثلث الغم , واعتبر وجودهم في المراكز السيادية اهانة لكرامتي الوطنية لوجود من يفوقهم كفاءة  من الاردنيين في كل ماهو مهم لرئيس الوزراء .

نظرت جيدا الى  وجه رئيس الديوان . وشعرت أن في عينيه ووجهه كلام  , مفاده هذا النائب ( اي حضرتنا )   إما مجنون أو خطير أو شجاع  , أم ماذا؟ وانني  في كل الاحوال  لايمكن جدالي لانني حسمت امري  , فكان جوابه المنطوق هو: هذا موقفك السياسي وهو راجع لك وأنت حر فيه، ثم طلب إلي إلغاء مذكرتي الموجهة لمحاسبة مدير المخابرات السابق الذي تم تغييره قبل الانتخابات، والذي كانت بيني وبينه سجال العداء من طرفه كما بينا في البداية. فقلت سوف أجمدها، لكن لن ألغيها, فأنت تعرف ماذا صنع بي وبابناء العشائر , والآن دارت الدوائر للمستضعفين لتكون لهم الغلبة على الذين استعلوا في الأرض . وهذه أيضا مشكلة جديدة لم تكن بحسبان رئيس الديوان ولا مرجعيته .

كان هذا الموقف مني بتجميد المذكرة ، هو فقط ليشعر هذا الرجل المحترم , أنه حقق تقدماً معي عندما يتحدث إلى الملك عن نتيجة لقائه بي ، ولكن موضوع الحكومة كان بالنسبة لي أمراً محسوما، فلن أمنحها الثقة، وسوف أكون عنيفاً في الهجوم عليها ,  هذا ما فهمه الرجل  في حينه، وبصراحة ووضوح عليه رحمة الله .

 وللحديث بقية في الحلقة الثالثة عشرة ان شاء الله


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد