الراعي

mainThumb

03-02-2023 08:05 PM

سامي شاب في بداية العقد الثالث من عمره كان يعمل راعيا لغنم عمه ابي دلامة البخيل : كان الشاب حريصا يقود الغنم الى مواقع فيها العشب الوافر في حمى غابة فيها المرعى الخصيب وكان يعزف شبابته أعذب الالحان لها و الغنم ترعى كأن حاله حال ابي القاسم الشابي :
لن تملي يا خرافي في حمى الغاب الظليل
فزمان الغاب طفل لاعب عذب جميل
وزمان الناس شيخ عابس الوجه ثقيل
يتمشى في ملال فوق هاتيك السهول...
كانت الأغنام تغدو خماصا وتعود بطانا, ترتع في المراعي الخصبة فسمنت وأصبحت افضل من كل اغنام القرية .كان الشاب يحرسها ليلا نهارا فلا ذئب يصل اليها ولا لص يطول منها شيئا.
ذات يوم التقى لصان محترفان سويلم وصويلح وتعاهدا على ان يسطيا على غنمابي دلامة تحديا للراعي النبيه!
وذات صباح انطلق سامي راكبا حماره يجر خلفه قطيع الغنم الذي بقوده كبش أملح . وسار كلبان مع الغنم : واحد في اول القطيع والثاني في مؤخرة القطيع
لكن اللصان عرّجا على قن عجوز تدعى ام إِحْلمان وسرقا دجاجتين وخنقاهما على الفور ... وضعاهما في كيس معهما ... سار الراعي الهوينى صاعدا سفح الجبل الذي في قمته المرعى ... سار اللصان على سفح مقابل مليء بأشجار الرتم والسريس ... كانا حريصين على الا يراهما الراعي او يحس بوجودهما ... بعد ساعتين وصل الراعي الى المرعى - كانت مرجة خصيبة بالأعشاب ، جلس الراعي على صفاة ملساء فوق ربوة عالية في ظل شجرة خروب كثة الاغصان ... قال سويلم لصاحبه : الراعي سينام الان بعد هذا المشوار الطويل ... ربما انهكه التعب ، لكن سامي احس بالنشاط فقد كان يمسح الديار ببصره ... ثم امسك شبابته يعزف نغمة يا ظريف الطول ... استمر في العزف مدة طويله لكنه كان يجول ببصره اطراف المرعى ... لقد لمح من بعيد احد الضواري ، يتلبد بين الصخور فأسرع الىخرج على ظهر الحمار واخرج بندقية ان فيلد 303 واطلق الرصاص تجاه الضاري الذي ولى هاربا نحو المنحدر ثم اخذ يطلق الرصاص في جميع الاتجاهات ... كان سويلم وصويلح وراء صخرة لكن الراعي عندما اطلق الرصاص ارتطمت رصا صتان بالصخرة التي لاذا خلفها فلعلع الرصاص من فوق رأسيهما مفرقعا شذرات من الصخور فكادت ان تهشور رأسيهما !
اصيبا بذعر شديد ... وظنا انهما مكشوفين للراعي ... فانسحبا نحو الوادي ... وفي بطن الوادي اتجها الى مسيل ماء وشربا لكنهما ذكّرا بعضهما انهما قد تعاهدا علىالسطو على غنم الراعي !
فقال سويلم :" سنكمن له في الطريق وفي العودة يكون الراعي راكبا الحمار والغنم خلفه ويكون الكلبان في مؤخرة الغنم وسنرمي لهما الدجاجتين الميتتين ".. واقترح سامي ان يمعط ريش الدجاجتين حتى يغريا الكلبين بهما!
اخذ اللصان يمعطان ريش الدجاج ويرميان الريش على الجادة التي قد يسلكها الراعي في طريق العودة ...
عند العصر ركب سامي حماره وسارت شلية الغنم يتقدمها المرياع خلف الحمار ...
سر اللصان عندما شاهدا الراعي راكبا الحمار واختفيا في قلب شجرة سريس رابضة بجانب الجادة ... مر الحمار قريبا من شجرة السريس ... ثم اخذت النعاج تتلو الحمار الواحدة تلو الأخرى .... مر حوالي نصف القطيع لكن سامي الراعي لاحظ الريشالمتناثر على جانبي الطريق ، فتعجب من وجوده هناك فنزل عن الحمار وعثر على دجاجة ميته ممعوطة فتناولها فوجد انها سليمة ليس فيها أي اثار لنهش الثعالب او الضواري ثم عثر على الدجاجة الثانية... فادرك انهما قد رميتا حتى تلهيا الكلبان عن حراسة الغنم . وقال ربما يكون من رماهما قريبا من المكان او فيه... في تلك اللحظات كان قد تجاوز القطيع كله تلك النقطة !
سار الراعي خلف القطيع واسرع الخطى ... متفقدا القطيع فافتقد اكبر خروف لديه .. فعاد الى الخلف باحثا عن الخروف...
كان الخروف المفقود تحت سيطرة اللصين ... فعندما شاهدا الراعي قادما نحوهما جرا الخروف بعد ان امسك احدهما بفم الخروف كي لا يثغو وربض الاثنان فوقه خلف صخرة متوسطة العلو... كان في الجانب الغربي للصحرة شجيرة سريس.. جاء الراعي ووقف فوق الصخرة ينظر باحثا عن الخروف ... ارتبك اللصان ... استل احدهما شبريتة الماضية وحزّ ليّة الخروف وصرخ الخروف من الألم ثاغيا ، فهرب اللصان سريعا... لكن الراعي اطلق النار عليهما من بندقيته فكسر رجليهما... سقطا ارضا فاسرع نحوهما ... وعرفهما لكنه وجد احدهما يئن محتضنا لية الخروف، فاسترجعها ووضعها في خرج الحمار ... وجَدَّ في السير تاركا الحمار يقود القطيع اما هو فقد كان يسير في مؤخرة القطيع حتى وصل بيت صاحب الغنم!
وهناك اخبر معلمه بما جرى واراه لية الخروف المجتثة ... لكن ابا دلامة لام الراعي واتهمه بالإهمال وقال له ان الخروف سيخصم من أجرته السنوية ...
وعقد كبار السن في القرية ووجهاؤها اجتماعا قرروا فيه معاقبة اللصين وتغريمهما الخروف حسب العرف العشائري السائد في ذلك الحين .
استغنى أبو دلامة عن الراعي الأمين ، وقد اقتنى ثلاثة كلاب إضافية من اجل حراسة الغنم وقال لأهل بيته انه سوف يسهر كل ليلة لحماية الغنم ... لكنه كان ينام عميقا ولا يصحو من نومه الا عند ضحى اليوم التالي ...
ذات ضحى : استيقظ من النوم على صياح زوجته وبناته : لقد سرق قطيع الغنم كاملا ... وشوهدت الكلاب الخمسة ميتة في ارجاء حول البيت اذ حضر اللصوص ومعهم قطع لحم مسممة رموها للكلاب التي التهمتها وماتت:
تحسر أبو دلامة على طرده الراعي الامين وخسارته قطيع اغنامه وكلابه الخمسة
ثم تذكر الراعي الأمين متمثلا:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد