"فرحَة" عن تشكُّل الغَضَب الفلسطينيّ

mainThumb

01-07-2023 04:04 PM

لا أعرفُ لماذا حاصَرني أحمد دحبور، وأطلَّ في عينيَّ مباشرةً من خلالِ حدقة عينِ "فرحة" في الدّقيقة (1:4:34)، تمامًا مع سقوطِ العائلةِ وسقوط الدّمعة، فسمعتُهُ يُنشد حكايةَ الولد الفلسطينيّ/ حكاية الغَضَب الفلسطينيّ:
"كَبرْتُ، وغيّرَتْ لي وجهَهَا الأشياءُ...
ويوم كَبرْتُ لم أصفَحْ
حلفتُ بنوْمَةِ الشُّهداء، بالجُرْحِ المُشعْشِعِ فيَ: لنْ أصفَح".

منذُ فترة، يدورُ سؤالٌ كبيرٌ ومهُمّ، وهو كيفَ نعيدُ كتابةَ النّكبة؟، كيفَ نحنُ، كأجيالٍ جديدة تعيش الأثر المستمرَّ والمتعاقِب للنّكبة المستمرّة والمتناسِلة خاصّة بعد أن عَلِقنا في "الممرِّ المؤقّت" الذي ولِدنا خلالَهُ أصلًا بكلّ ما فيه من تحوّلات قِيَمِيّة وأخلاقيّة، نستطيعُ إعادَةَ إنتاج لحظةِ الجريمة بطريقةٍ جديدة، وعميقة، أو كما نراها ونعيشُ ارتداداتِها على الأقل!. ربّما جاءَ الرّد من فيلم فرحة، (كتابة وإخراج دارين سلّام، أردنيّة فلسطينيّة الأصل)، الذي لاقى احتجاجًا شديدًا من كيانِ الاحتلال، ليسَ لأنّه يعكس فقط جريمة جنودِه، فجنودُهُ اعترفوا وهم يضحَكون بما حصلَ في الطّنطورة، بل لأنّه، برأيي، أعطى العالَمَ صورةً حقيقيّة وإجابة شافيةً على سؤال: كيفَ تَشَكَّل الغضبُ الفلسطينيّ؟.
فمن خلال الطّفلة كانت الإحالة قويّة عميقة، ومن خلال المشاهِد البسيطة التي تتناسَب مع عيني هذه الطّفلة وذاكرَتِها عن الحدَثْ، ومن خلال استحضار الأبعاد الإنسانيّة للأحلامِ الطِّفلةِ أيضًا، والتي لم تتحقَّق. وهنا أستعيد إبراهيم نصر الله في طفولتي حتّى الآن وحديثه عن النّضج والطّفولة، وأستعيد عبد الفتاح كيليطو وحديثه عن القارئ الطّفل، كما من بعد سأستعيد دارين سلّام وهي تعطينا فيلمًا عن رؤية ورواية الطّفل البسيطة والعميقة للعالَم، وعن لحظاتِ دهشَته، وخوفِه.. وانسلاخِهِ مرّة واحدة من جلدِهِ الطّفل، وترسّخ اللّحظة التي أنتجت المآلات، واللّحظة التي ولَّدَتْ غضبنا الفلسطينيّ، ولحظة: "لن أصفَح" كلحظةٍ حتميّة أنتجها ويعيدُ إنتاجها السّياق المستمرُّ لتوحُّش آلة الاستعمار الاستيطانيّ على كلِّ ما هو فلسطينيّ. وهي اللحظة أيضًا التي تعمِّق وتؤكّد على الجدوى المستمرّة لفعلِ المقاومة، ليسَ كرد فعلٍ آنيّ، بل كفعلٍ متوازٍ ومصاحبٍ ومناوئ للنّكبة المستمرّة.
بعد نشر الفيلم بأيام، كان صرّح (الوزير) المتطرّف في حكومة الاحتلال السابقة ليبرمان أنّ "الفيلم هدفه خلقُ ذريعة كاذبةٍ والتّحريض على كراهيّة الجنود الإسرائيليين"، وغير هذه من تصريحاتٍ احتلاليّة هاجمت الفيلم، ودعت إلى سحبه من منصّة (Netflix)، التي يبدو أنّها استجابتْ بطريقةٍ ما، حيثُ دخلتُ قبل فترةٍ إلى منزل صديقي، ولتمضيةِ للوقت قرَّرنا مشاهدةَ الفيلم، بدأنا بالبحث عنه داخل (Netflix)، بالأحرف الإنجليزيّة، فلم يظهر، ثمّ بالعربيّة فلم يظهر أيضًا. وفي قائمة الأفلام العربيّة الجديدة فلم يظهر. واكتشفنا أنّ (Netflix) فعلًا قامت بحجب ظهور الفيلم في البحث داخل الموقع، ويلزمك للعثورِ عليه، إذا لم تكنْ بدأت بمشاهدَتِهِ قبل هذا الإجراء، أنْ تبحث عنه في محرّك جوجل، وهذا ما كتبه أيضًا الكثير من مستخدمي (Netflix).
هذه ملاحظاتٌ صغيرة، وهناك الكثيرُ منها أيضًا، من الإحالات ذات الهدف الاجتماعيّ سواءً المتعلّقة بالزّواج أو التّعليم، أو مشهد المختار سواءً قبل الحدث أو خلاله، والكثير من التّفاصيل التي تستحقّ الوقوف عليها كثيرًا، والتي ساهمت في تكوين المعنى الكامل في الفيلم، والمعنى الكامل للجريمة الناقصة: النّكبة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد