"لم نخسَر فلسطين في مباراة للمنطق"

mainThumb

09-10-2023 04:19 AM

نحنُ الفلسطينيون نعيشُ منذُ فترة مرحلةَ البيع بالجملة. بيع الوهم، بيع الوقت، بيع الموقف، بيع التاريخ، بيعنا شخصيًا. بلا أي مقابل سوى المزيد من الاستيطان والموت والإذلال والتشويه وكل الممارسات التي تقوم بها دولة الاحتلال ويدعمها المجتمع الدّوليّ المنحاز تمامًا (الذي لم يطلب من أوكرانيا مثلًا أن تواجه روسيا بأغصانِ الزيتون، والذي ارتكب في العراق وأفغانستان وليبيا كلّ جرائم الحرب التي لا تحصى). وإنّ حالة البيع البَخْس هذه، وما يرافقها من (ركودّ وطنيّ) هي المحرّك والأساس لأيّ فعلٍ مُقاوم، وهي، بأبسط العبارات، محاولةٌ للخروج من القاع المُحبط الذي وصلت إليه الحالة الفلسطينيّة، ومحاولة لإعادتها، بوصفها (مأساةً مقيمة) غيرَ مُتجاوَزة، إلى الواجِهة. بحيثُ لا يمكنُ تخطيها.
هذا.. استدعى قيام شبّان وفصائل وقوى آمنوا بفلسطين، كلّ فلسطين، بفعل المقاومة.. ليذكّروا المحتل أنّه محتل، وأنّ من الاستحالة بمكان أن يكون آمنًا فوق أرضنا التي سرقها، وليدحضوا وهم النسيان والتّجاوز والتأقلم من مخيّلته (ومخيّلة غيره)، وليذكّرونا نحنُ أيضًا وكثيرًا بما أنستنا إياه فقّاعة الدّولة، وبما حاولت محو آثاره عجلة الهمّ الشّخصيّ والركض وراء لقمة العيش، وليستعيدوا "ولو شبرًا.." من أرضنا.
لذا؛ علينا أن ننتبه جيدًا إلى جملةِ "مدنيين إسرائيليين أو أبرياء إسرائيليين"، علّنا لا نسقطُ في خداع اللّغة المقصود، الذي يتمّ تصديره ضمنَ جملة (نبذ العنف من الطرفين)؛ فالمُسلّم به مبدئيًا أنّه لا مقارنة بيننا كمدنيين فلسطينيين وبين محتلّين قدموا من كلّ بقاع الأرض بناءً على تخيّلات الحركة الصّهيونيّة واستوطنوا أرضنا وبيوتنا وقرانا، وافتتحوا دولتهم على جثثنا، وارتكبوا هم وآباؤهم كلّ مجازر الدنيا فينا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ هؤلاء القادمين من شتى الأصقاع الذين يدخلون الخدمة العسكريّة الإجباريّة ويمتلك كلّ فرد منهم سلاحًا خاصًّا ويمارسون كل أشكال الاستفزاز والقتل والسرقة والعربدة يوميًا لا يندرجون تحت لفظ مدنيين. ومثلَ مُريد البرغوثي لستُ مغرمًا بأي جدل حول من له الحقّ في فلسطين؛ لأننا "لم نخسَرْ فلسطين في مباراةٍ للمنطق، لقد خسرناها بالإكراه والقوّة"، لكن أحيانًا أجدّ أن علينا خوض مباراة منطقية مع أنفسنا، لنستطيع ولو لغويًا الوقوف على المصطلح الدّقيق في مواجهة المصطلحات التي تخدم الاحتلال.
إنّ للفلسطينيّ قدرة جبّارة، هذه ليست أسطورة أو مبالغة، بل حقيقة مطلقة يثبتها الواقع، فكل الممارسات تفشل في "تدجين" الأجيال، وكل مظاهر الاحتلال من جدار وحواجز وحواجز طيّارة وتصفيات واعتقالات تفشل في جعلنا نتأقلم فقط. لا بُدّ وفي كلّ شعب من تجّار ومتخلّين وواقفين على الحياد وخائفين.. لا بدّ من كل هذا الذي لكي يزدادَ إيمانُ الوطنيّ بوطنيّته، وإنّ البطولة الحاليّة، كما قلتُ كثيرًا، هي بطولة استمرار اعتبارِ هذا الاحتلال طارئًا وغير عاديّ وزائِل. وإنّه زائل.
"... والذي اغتالني: ليس ربًا..
ليقتلني بمشيئته...
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ...
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ"



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد