رثاء الإنسانية في المستشفى المعمدانيّ

mainThumb

18-10-2023 11:27 PM

توطيد:
أثناء سلوك (الإنسانية) الطريق الخطأ واصطدامها بحقوق المضطهدين، مما أودى بكثير ممن يرفعون راية (الإنسانية) إلى الانزالق ولم يبق في قلوبهم من الرأفة سوى أثر بعد عين.
الخطبُ الجلل:
في السابع من أكتوبر، وأثناء مشاهدة المباني تتدمر على أطفال غزة، أصيبت الإنسانية بهوس الصمت عن الحقّ، حتى إنها (خلَّطت) فبدلا من أنْ ترسل المساعدات للأبرياء، أرسلت الصواريخ للمعتدين، وبدلا من البكاء على الشهداء والأطفال والمدنيين أصبح العالم يتباكى على حفنة من المسلحين المدججين بالطائرات، لأنه اختلّ عندهم أوقات السهر والمواعدة.
ومن هول الموقف لم تتمكن الشعوب من اليقظة على آهات الأطفال والثكالى، وانحشدت مسيرات الشعوب الحرّة التي لا ترضى بالضيم ولا القهر ولا الظلم على المقهورين في غزّة، ووقف بعض القادة الأحرار يصرخون في وجه الإنسانية لينعدل رأيها وتستفيق من غفلتها، لئلا يصبح العالم فوضى لا يرضاه عاقل.
إلا أنّ صوت الأحرار لم يصل إلى الذين قضوا بالإعدام على الذين تحت الركام، ولم تتمكن الإنسانية من إدخال قارورة ماء، ولا حفنة غذاء ولا إبرة دواء.
فقد قرر الأطباء أنّ التنفس لم يعد نشعر به في إنسانية القرن الحادي والعشرين، وقرر دفن المبادئ الإنسانية وإسدال الستارة على مسرح حقوق الإنسان، وفتح بيت العزاء للإنسانية وحتى إشعار آخر، ويمكن أن يحيى فيه شعور الإنسان بأخيه الإنسان، فلم يعد أحد يستطيع القول بعد قول القائل: نحن بلد نفعل ما نريد.
ويقال: إنّ المواجهة أصبحت اليوم بين غطرسة أهل الأرض وكبرياء ربّ السماء، ونحن بانتظار صاعقة بالذين سرقوا الإنسانية ودفنوها تحت أقدامهم في بارجات جاءت لتساعد شرذمة من صناعة أبراج الحقد الأعمى، وأنّ على من يحضر الرثاء للإنسانية أن لا يصافح أحدًا فكلنا نعيش في وهم اسمه.
وأما تسونامي تدمير المستشفى المعمدانيّ في غزّة، واستشهاد المئات في لحظة واحدة، فقد جعل العالَم على المحكّ، وأننا أمام تدمير حقيقيّ للحضارة التي تعب لأجلها النبلاء والحكماء على امتداد العالم زمانا ومكانا.
فحرق المستشفيات ودور العبادة لا تدخل في أبجديات الحرب بين الأعداء، وتلك مواثيق دولية، إلا أنه تمّ التأكيد على العنصرية في النظرة الدونية الاشمئزازية للعرق غير الأبيض السامي!!.
ومع أنّ الشعوب تتعاطف مع أهلنا في غزة إلا أنّ الكبرياء يعتلي العديدين ممن ينتحلون ثياب الإنسانية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وغيرها من الشعارات التي تنادي بينها الأمم لإقامتها، وهي اليوم تتخلى عن المبادئ السامية أمام مناظر تنهدّ لها الجبال، وتبكي عليها الرجال، ولكنّ الذين يمتلكون الفسفور الأبيض لا يملكون قلوبا بشرية بل حجرية، أو قل: أشدّ صلابة وقسوة ورعونة.
غزّة وأهل غزّة.. هم اليوم يعلمون الإنسانية درس البقاء، وأنّ تأخر الإنسانية عن إنقاذهم دليل على من هم الأحياء ممن هم الأموات، فقصف المستشفى المعمداني بمثابة شهادة وفاة للمبادئ الإنسانية التي قضت نحبها على حين حقد دفين من تصرفات الطائرات الإسرائيلية ومن ساندها على جبروتها.
وأما موقف النبلاء من القادة وأصحاب القرار والمفكرين على امتداد العالم، فموقف يخفف الوطء عن الثكالى واليتامى، ومع أنه لن يفعل شيئا للأموات منهم، إلا أنّ الأمل قائم في إيقاف النزيف، وأن يكلل الله جهودهم بالنجاح، وأم الأمل الأكبر فبالله وبه المستعان وعليه التكلان، فيمن دفن الإنسانية وحقوق الإنسان، وبسمةَ الأطفال، ومزّق الأبرياء تحت (دكّ الطائرات وأزيزها).
رحم الله الذين قضوا من أهلنا في غزة وسيبقون أحياء في ذاكرة الأحرار، وأما الرثاء فللإنسانية.. فعظّم اللهُ أجرَ الجميع بالإنسانية التي توقفت عن مبادئها إلى إشعار آخر، لعلهم يستفيقون من كانوا بالأمس ينادون بها.. أين هم؟!!.

محمد عبدالجبار الزبن
agaweed1966@gmail.com






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد