الرسالة الأخيرة للكاتب الشّهيد نور الدين حجّاج

mainThumb

05-12-2023 07:16 PM

عمّان- وكالات- السّوسنة

فقدت الحركة الثقافيّة الفلسطينية عددًا كبيرًا من الكتاب والشعراء، إضافةً طبعًا للبنى التحتية الثقافيّة، جراءَ عدوان الاحتلال الوحشيّ والهمجيّ على قطاع غزّة بكل ما فيه من بشر وحجر وشجر وأشعار وحكايات.

نور الدين حجّاج كاتب وروائي فلسطيني شابّ، وُلد في غزة بتاريخ 31  يناير عام 1996، واستشهدَ فيها بتاريخ 3  ديسمبر الجاري بعد القصف الصهيوني على منطقة الشجاعية، شرق مدينة غزّة. استشهدَ وبقيت كلماته غريبة وأجنحتها لا تطير، وهو الذي صدرت له روايتان، الأولى "غريب وغريبة" عام 2018 عن "دار الكلمة للنشر" في القاهرة، والثانية "أجنحة لا تطير" عام 2021 عن "دار فضاءات للنشر" في الأردن.

أنهى نور دراسته الجامعية بتخصّص رياضيات حاسوب وحصل على درجة البكالوريوس وعمل مدرّساً في "مدرسة الكرمل الثانوية للبنين" في غزة.
الواضح من الرسائل التي تبادلها معه أصدقاؤه أنه رفض مغادرة الشمال والنزوح وعندما سأله صديقه قبل نهاية الهدنة: "هل جئت إلى الجنوب"، أجابه: "لا لِسّا صامدين". وهذه كانت آخر رسالة منه لصديقه عماد منذر الذي نشر صورة المحادثة على صفحته.

هنا، آخر ما نشره نور الدين على صفحته الشخصية على فيسبوك.



"مساء الخير أيّها العالم.

انقطعت الاتصالات والإنترنت ليلة البارحة، وما اعتبرته في إحدى المرات مستحيلًا صار واقعًا فجأة ولكن بظروف أُخرى، فساعي البريد لن يستطيع القدوم في ظل هذا القصف والدمار، كما أن جرائده لن تحمل سوى نفس الخبر كل يوم: "إن غزة تُباد. والحياة تغيب عنها كل يوم دون أن تشرق في اليوم التالي"، وربما خبر موتي سيصدر في النسخة القادمة...

هذا ما طرأ في بالي لحظة انقطاع الاتصالات والإنترنت، ومعها انقطعنا عن العالم، وانقطع العالم عن معرفة أخبارنا، وازدادت حدّة القصف لنضع أيدينا على قلوبنا، لأن ما نخافه ها هو يقترب، سنموت بصمت دون أن يعرف عنّا العالم شيئًا، حتى أننا لن نستطيع الصراخ ولا توثيق لحظاتنا، أو كلماتنا الأخيرة.
فأنا أعيش في حيّ صغير يسمى حيّ الشجاعية، وهو حيٌّ يقع على الحدود الشرقية لمدينة غزة، وفي كل ليلة لا تتوقف أصوات الانفجارات بأنواعها المختلفة ومن كل الاتجاهات، لذلك نحتضن بعضنا مع كل صوت ضخم يهز بيتنا وقلوبنا، ونحن نعلم أن واحداً من تلك الأصوات لن نسمعها لأنها ستكون قد انفجرت بنا.

ولهذا أكتب الآن، لربما تكون هذه رسالتي الأخيرة التي تجوب العالم الحر، وتطير مع حمام السلام، وتخبره أننا نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلًا، لكن في غزة تقطعت كل السبل والطرق، وصرنا نبعد عن الموت مسافة خبر عاجل أو تغريدة صغيرة.

حسنًا... سأبدأ.

أنا نور الدين عدنان حجّاج، كاتب فلسطيني، وعمري سبعة وعشرون عامًا ولي أحلام كثيرة.

أنا لستُ رقمًا وأرفض أن يكون خبر موتي عابرًا، دون أن تقولوا أني أحب الحياة، السعادة، الحرية، ضحكات الأطفال، البحر، القهوة، الكتابة، فيروز، وكل ما هو مُبهج.. قبل أن يختفي كل هذا بلحظة واحدة.

أحد أحلامي أن تجوب كتبي وكتاباتي العالم، أن يصير لقلمي أجنحة لا توقفها جوازاتُ سفر غير مختومة ولا فِيَز مرفوضة.
حلمٌ آخر .. أن يكون لي عائلة صغيرة، وأهدهد ابني الصغير الذي يشبهني بينما أخبره قصة ما قبل النوم.

ويظل حلمي الأكبر... أن يعم السلام بلادي، أن تشرق ضحكات الأطفال قبل الشمس، أن نزرع وردة في كل مكان سقطت فيه قنبلة، ونرسم حريتنا على كل جدار تهدم، أن تتركنا الحرب وشأننا؛ لنعيش أخيرًا حياتنا ولمرة وحيدة.

نور الدين حجّاج
28 تشرين الأول/ أكتوبر 2023
غزة - فلسطين"

 

 

 

(العربي الجديد، وكالات)






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد