المولد النبوي: وهج الرحمن الذي أضاء دروب الإنسانية

mainThumb
المولد النبوي

03-09-2025 12:05 PM

السوسنة - تحتفل الأمة الإسلامية هذا العام بذكرى مرور 1500 عام على مولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، الذي ولد في الثاني عشر من ربيع الأول.
وشكل ميلاد النبي الكريم تحولا جذريا في تاريخ البشرية، حيث أضاء دروب الإنسانية وأعاد إليها قيم الرحمة والعدل بعد عصور من الجهل والظلام، حيث يتجمع المسلمون في كل أنحاء العالم لإحياء ذكرى هذا اليوم بعبارات الفرحة والامتنان، مستذكرين قول الله تعالى في سورة الأحزاب، حيث وصف النبي كـ"سراج منير"، حيث ان الاحتفال بهذا اليوم يعبر عن ولاء الأمة لنبيها والالتزام بتعاليمه التي قامت على مبادئ الإنسانية والعدالة.
وفي هذه المناسبة الجليلة، أكد متحدثون لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن الاحتفاء بهذه الذكرى العظيمة يجسد تجديدا لعهد الأمة مع نبيها الكريم، وتمسكا بهديه القويم، الذي أسس لنهج التكريم والإنصاف، بعيدا عن كل أشكال التمييز، كما بين النبي الكريم في خطبة الوداع حين قال: "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى".
وأكد عميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية الدكتور عبد الرحمن الكيلاني، أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف يعد سلوكا حضاريا راقيا يعبر عن المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والاعتزاز برسالته، والالتزام بهديه الشريف، مشيرا إلى أن هذا الاحتفال يحظى بمشروعية شرعية تستند إلى أدلة أقرها جمهور العلماء، مثل الأحاديث النبوية التي تدعو للفرح بنعمة الله، منها بعثة النبي.
وأوضح الكيلاني في حديثه لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن القرآن الكريم يدعو إلى الفرح بنعم الله وشكره عليها، كما في قوله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا"، معتبرا أن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم هذه النعم، كونه أرسل رحمة للعالمين.
وأكد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أشار بنفسه إلى فضل يوم مولده حين سئل عن صيام يوم الاثنين، فقال: "ذاك يوم ولدت فيه"، ما يدل على مكانة هذا اليوم وخصوصيته في الإسلام.
وبين أن الاحتفال بهذه الذكرى يمكن أن يتم بصور متعددة، مثل تلاوة القرآن وتدارس السيرة النبوية واستخلاص العبر والدروس منها، وهي أعمال من القربات المتفق على فضلها، وتسهم في ربط المسلمين بسيرة نبيهم الكريم وتعاليمه، مشيرا الى ضرورة تحويل مناسبة المولد إلى منطلق لإطلاق مبادرات اجتماعية وخيرية تجسد القيم الإسلامية في التضامن والتكافل.
من جهته، قال الدكتور قتيبة رضوان المومني، المتخصص في الفقه والسياسة الشرعية، أن السيرة النبوية الشريفة قدمت أنموذجا حضاريا متكاملا يصلح أن يكون مرجعا معاصرا في بناء الدولة وتحقيق العدالة، وتعزيز الاستقرار المجتمعي.
وأشار إلى أن التأمل في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم يكشف عن مرتكزات واضحة تتقاطع مع مفاهيم الحوكمة الرشيدة كالمساءلة والشفافية وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية والشورى، فقد رسخ النبي الكريم مبدأ المسؤولية الأخلاقية والسياسية بقوله: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وهو ما يجسد جوهر المساءلة والرقابة الذاتية في الإدارة العامة.
وبين أن الرسول الكريم اعتمد مبدأ الشورى المؤسسية في اتخاذ القرارات الكبرى كما في غزوات بدر وأحد والخندق، مؤكدا أهمية الحوار والمشاركة في صناعة القرار.
وأضاف، إن العدالة الاجتماعية تجلت في صلب بناء الدولة النبوية من خلال أنظمة الزكاة والصدقات والكفارات التي وضعت لحماية الفئات المهمشة وتحقيق التكافل الاجتماعي، مشيرا إلى أن هذه المفاهيم النبوية بقيت قواعد إنسانية صالحة لكل زمان ومكان.
وأكد المومني، أن من أبرز ما يستفاد من هذه الذكرى العظيمة، تعزيز خطاب الاعتدال والوسطية في الطرح الديني والثقافي، سواء في التعامل مع غير المسلمين أو مع الصحابة رضوان الله عليهم، حيث كان منهج النبي (صلى الله عليه وسلم) قائما على التوازن والرحمة والعدل.
بدوره، لفت رئيس قسم العلوم الأساسية في جامعة جرش الدكتور عودة مصطفى عياصرة، الى أن الطبيعة الإنسانية تميل بالفطرة إلى محبة من يحسن إليها ومولد النبي الكريم يحمل في طياته رسائل عظيمة من المحبة والرحمة ويجسد أرقى صور الإنسانية التي ينبغي أن يحتذى بها،مستشهدا بقوله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة".
وأوضح عياصرة أن هذه المناسبة تمثل فرصة ذهبية للمربين والمعلمين، خاصة في بداية العام الدراسي الجديد، لبيان صفات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وأخلاقه العظيمة وتعليم الطلبة سيرته العطرة، باعتبار أن الشباب هم رجال المستقبل وإذا تم إعدادهم وتنشئتهم على القيم النبوية الصحيحة فإن ذلك يسهم في بناء جيل ناضج وواع متسلح بالأخلاق والإيمان.
وقال إن المولد النبوي الشريف يمثل ميلاد القيم العليا، كالرحمة والتسامح والعفو والعدل والأمل، لافتا إلى أن النبي الكريم كان أنموذجا للمعلم الأول الذي أرسى قواعد العلم والمعرفة، داعيا إلى اكتساب الفصاحة والبيان وهو ما يتجلى في قصة بعثه إلى بادية بني سعد، حيث نشأ وتعلم الفصاحة من بيئة عربية صافية اللغة.
وتابع، أن مناسبة المولد النبوي الشريف لا تقتصر فقط على مظاهر الاحتفال، بل هي محطة سنوية مهمة لأخذ العبر والدروس من حياة النبي الكريم وغرس مبادئه في قلوب الأجيال وربطهم بصاحب الذكرى.
يشار الى أن ذكرى المولد النبوي الشريف تمثل محطة فكرية وتربوية مهمة تعكس رؤى الإسلام في الرحمة والعدالة وتعزز من اللحمة الوطنية بين أبناء المجتمع، ففي ظل التحديات المعاصرة، يعتبر الاحتفال بالمولد النبوي رمزا للتضامن والوحدة والعودة إلى تعاليم النبي ومبادئه الكريمة التي تشجع على التآخي والعمل المشترك لبناء مجتمعات أكثر تسامحا وعدلا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد