تحولات كبرى - الصادق الرزيقي

mainThumb

25-10-2016 09:53 AM

> لا ينفصل السودان من التحولات الكبيرة الجارية في المنطقة عربيا ًوإفريقياً، ولا يختلف اثنان في أن الأوضاع المتسارعة الإيقاع والمتحولة كلياً ستقود الى واقع جديد، يجب أن نفتش عن موقفنا منها وموقعنا فيها، فمخطئ من يظن أن المواقف الدولية والتصريحات وإعلان بعض المواقف هنا وهناك ومنها ما يتعلق بالسودان مثل تصريحات الناطق باسم الخارجية الأمريكية قبل يومين بشأن حركات دارفور والمعارضين المسلحين السودانيين الذين تحتضنهم حكومة جنوب السودان، هي تصريحات ومواقف معزولة عن المشهد الكلي في المنطقة، أو هي خارج السياق الذي تجري فيه التحولات التي نراها رأي العين تجري أمامنا وتملأ المسمع والمرأي .
 
> من الواضح أن هناك خلخلة حدثت في العالم العربي لن يستطيع فيها الماسك بقوة من جديد لعقود طويلة، وهناك لاعبون خرجوا من اللعبة وآخرين سيخرجون منها، ولن يكون هناك قول نهائي وفصل، في أن ما يحدث من تداعيات وتشظيات محزنة هو من فعل فاعل من خارج الوطن العربي، لكن يبدو أن الانحدار والسقوط عند السفح هو نتيجة حتمية لتراكمات سياسية واجتماعية ظلت تتفاعل وتتكون براكينها من عقود طويلة حتى انفجرت، كان لهشاشة البنية السياسية العربية دور كبير في مضاعفاتها وتفاقم زلزالها، ووجدت كثير من القوى الدولية فرصتها لتزيد من جراح الأمة وانقساماتها وهي الآن تحاول أن تعيد تقسيم الأدوار وتوزيع أوراق اللعبة، وموقع السودان من هذه العملية الجارية عربيا ًلا تخطئه العين الفاحصة والتي تقرأ بدقة.
 
فجوار السودان العربي في مصر وليبيا وهي من مناطق التحول الجارية الآن، تجعل من السودان جزءاً من التكوين الإستراتيجي يسهم في ملء الفراغ الذي نشأ بالفعل، بجانب دوره في معالجة الأوضاع كما هو ماثل في ليبيا وربما يتوسع هذا الدور- لا قدَّر الله إذا اضطربت الأوضاع في مصر - ويترافق مع ذلك وجود السودان في منظومة التحالف العربي والتحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب، وهي ليست منظومة بلا دور سيكون لها دور أكبر مهما كانت النتائج لما يحدث في سوريا والعراق واليمن، ولذلك لا يمكن اعتبار دور السودان هامشياً على الإطلاق ولو بدا للوهلة الأولى أن معطيات الاقتصاد والمشكلات الداخلية هي من عوامل الضعف للدور المنتظر، والسبب الرئيس الذي يجعل من السودان نقطة انتباه مهمة في المشهد العربي، أنه لايزال منطقة هادئة وسط محيط هائج امتلأ حتى التخمة بالحروب والصراعات الدامية ونذر المواجهات الطائفية المذهبية والولاءات الدنيا .
 
>  إفريقيا تغيرت النظرة الغربية ومن أطراف دولية ذات مصالح مهم، تجاه التركيبة الحالية خاصة في شرق ووسط إفريقيا، حيث تواجه المنطقة نُذر صراعات ومواجهات بين مكونات دولها الداخلية، خاصة ما يجري في جنوب السودان وما يحدث في إثيوبيا والوضع في الصومال واحتمالات تفجر لأوضاع في كينيا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تبقى لها أقل من عامين، ومن المتوقع تراجع اقتصاديات دول إفريقية حظيت بدعم دولي ونهضت بسرعة لكنها بدأت تتراجع نسبيا ًفي مجال التنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي مثل رواندا وأوغندا. فالاقتصادات الصاعدة في بلدان الوسط الإفريقي لم تكن حقيقية وليست نتيجة تطور طبيعي في معدلات الإنتاج، وتوجد بؤر قابلة للاشتعال في أي وقت ستطيح بالهدوء الهش الذي عاشته هذه البلدان في الفترات الماضية، فالصراعات المرتكزة على العصبية القبلية لم تخمد بشكل نهائي وهي قنابل موقوتة قد تنفجر في أية لحظة خاصة أن هناك مهيِّجات بدأت تظهر في العلن .
 
> إزاء هذه التحولات المنتظرة هي ليست تخمينات أو تكهنات، فمراكزالدراسات الغربية تنبهت من فترة إلى أن الأوضاع الإفريقية لاتمضي بوتيرة متوازنة إلى غاياتها المتعلقة بالاستقرار، فالأنظمة الحاكمة وإن حققت الأمن وسيطرت على الأوضاع إلا أنها فشلت في تحقيق الترابط الاجتماعي والتماسك المجتمعي الداخلي الذي هو عرضة لتفتت مرة أخرى، إذ أن السياسة والحكم لم تتمكن من إذابة الفواصل الاجتماعية والولاءات القبلية والتنافس المحموم، فالخلل الإستراتيجي قادم بقوة ومؤشراته موجودة، فالسودان تجاوز كثير من المحن وكان مرشحاً للانهيار بسبب هذه العوامل لكنه بقوة (عظم ظهره) صمد لها وتمترس، وسيكون بلا شك هو الجزيرة الوحيدة وسط المحيط المتلاطم الأمواج المستعر بنار الصراعات الدامية .
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد