سد النهضة : الصراع المائي في افريقيا

mainThumb

26-07-2021 04:55 PM

إعداد: الباحثة في الشؤون الاستراتيجية
تمارا حداد.
فلسطين
Tamarahaddad32@yahoo.com
 
 
"من حق الشعوب العيش الكريم كالحفاظ على حق الماء وعلى الدول الحفاظ على هذه الحقوق لشعوبها وشعوب غيرها من أجل السلام العالمي وحماية البشرية وتحقيق الإنسانية والعدالة المجتمعية"
 
 
المقدمة 
تُعتبر المياه رهاناً استراتيجياً تدخل في صميم الأمن القومي لأي دولة سواء على الصعيد السياسي والاقتصادي والجيوسياسي والاستراتيجي، وقد تنشأ نتيجة عدم التعاون والتنسيق بين دول حوض النيل على كمية المياه التي تستغل من نهر النيل حروبا نتيجة الوضع المائي بين دول " السودان ومصر وإثيوبيا " وقد يزداد احتمال شن الحرب بعد إنشاء سد النهضة الإثيوبي الذي يؤرق الجانب المصري بشكل كبير لما له مخاطر كبيرة على الجانب المصري،  وليس فقط للجانب المصري وللسوداني أيضا.
حسب الاتفاقيات الدولية فوجود مثل ذلك السد هو إخلال وانتهاك لاتفاقيات عام 1929 حيث تم الاتفاق بين بريطانيا ومصر والسودان وأثيوبيا بعدم تقسيم النيل وعدم إقامة أي مشروع على النيل الأزرق أو بحيرة السوباط أو بحيرة تانا وتم اقرار أن لمصر لها القرار في الإعتراض على أي قرار مشروع ينفذ على نهر النيل، واتفاقية 1959 أكدت اتفاق 1929.
ينبع نهر النيل من مصدرين رئيسين هما "النهضة الإثيوبية" من خلال نهر النيل الأزرق ونهر السوباط ونهر عطيرة ، تشارك الهضبة  ب85% من إيراد نهر النيل، المصدر الآخر لنهر النيل "هضبة البحيرات الاستوائية" تشمل بحيرات فكتوريا، كيوجا ، ادوارد، جورج ، ألبرت وتشارك ب15% من إيراد نهر النيل .
"سد النهضة" أو "سد الألفية الكبيرة "هو سد إثيوبي يقع على النيل الأزرق بولاية بني شنقول جوموز بالقرب من الحدود الإثيوبية السودانية، على مسافة تتراوح بين 20 و40 كيلومترا وتم الاعلان هذا العام 2021 عن اكتمال البناء، ليصبح أكبر سد كهرومائي في القارة الإفريقية، والعاشر عالمياً في قائمة أكبر السدود إنتاجاً للكهرباء، حيث تقدر تكلفة الإنجاز ب 4.7 مليار دولار أمريكي وهو واحد من ثلاثة سدود تُشيد لغرض توليد الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا، يبلغ ارتفاع السد 145 متر، وعرضه ألف و800 متر، مكون من الخرسانة المضغوطة له محطتين لتوليد الكهرباء، يتسع خزان السد لحجم 74 مليار متر مكعب من المياه، وهي مساوية لحصص مصر والسودان من مياه نهر النيل، ومرة ونصف من إجمالي سعة النيل الأزرق من المياه، وقدرة السد على توليد 6000-7000 ميجاوات أي يعادل ثلاث أضعاف الطاقة الكهربائية المولدة من محطة أسوان الكهرومائية، والمقاول الرئيسي للمشروع هو شركة ساليني الايطالية.
خرجت فكرة إنشاء سد النهضة الإثيوبي من "رحم" الولايات المتحدة الأمريكية، عندما خطط مكتب الاستصلاح الأمريكي فى الفترة من 1956 إلى 1964، لتخزين المياه في إثيوبيا وليس في مصر، لكن قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للحفاظ على الأمن المائي المصري وإصراره على بناء السد العالي بعد رفض أمريكا تمويله، أحبط هذا المخطط لسنوات، وأسدل الستار على فكرة سد النهضة الإثيوبي.
عادت إثيوبيا لإحياء الفكرة عام 2009، بمسح موقع السد مرة أخرى، وأنهت تصميمه في نوفمبر 2010، وأعلنت في نهاية مارس عام 2011 عن بناء السد على النيل الأزرق بالقرب من الحدود الإثيوبية السودانية، ومضاعفة السعة التخزينية له من 14 مليارا ونصف المليار لتصبح 74 مليار متر مكعب.
في مايو 2011، أعلنت إثيوبيا أنها سوف تتقاسم مخططات السد مع مصر لدراسة مدى تأثيره على دولتي المصب، وفى الفترة من أغسطس حتى نوفمبر من العام نفسه تم تنظيم زيارات متبادلة لرئيس الوزراء الإثيوبي ميلس زيناوي  والدكتور عصام شرف، والاتفاق على تشكيل لجنة دولية تدرس آثار السد.
فى مايو 2012 بدأ عمل لجنة دولية تضم 4 خبراء دوليين إلى جانب الخبراء الوطنيين من الدول الثلاث، لتقييم الآثار المترتبة على بناء السد.
في 31 مارس 2013، أصدرت لجنة الخبراء الدوليين تقريرها بضرورة إجراء دراسات تقييم لآثار السد على دولتي المصب.
فى نوفمبر 2013 بدأت المفاوضات الفنية بين وزراء المياه من الدول الثلاث للاتفاق على آلية تنفيذ توصيات تقرير لجنة الخبراء الدوليين.
فشلت المفاوضات وتوقفت فى نهاية 2013 وحتى 2014 بسبب رفض مصر تشكيل لجنة فنية دون خبراء أجانب والانسحاب من المفاوضات.
فى يونيو 2014 عقدت قمة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي، في مالابو على هامش أعمال القمة الأفريقية، وتم الاتفاق على استئناف المفاوضات حول سد النهضة وتوقيع وثيقة بين البلدين.
في أغسطس 2014، تم استئناف المفاوضات وتشكيل لجنة من 12 خبيرًا من الدول الثلاث "مصر والسودان وإثيوبيا" بواقع 4 خبراء من كل دولة، لبحث آلية القيام بالدراسات الفنية للسد.
من سبتمبر 2014 حتى يناير 2015 دارت اجتماعات ومشاورات بين الدول الثلاث حول اختيار المكاتب الاستشارية المعنية بدراسة تأثيرات "سد النهضة" وتم الاستعانة بمكتب "كوربت" الإنجليزي في المسائل القانونية.
فى مارس 2015 وقع رؤساء الدول الثلاث "مصر وإثيوبيا والسودان" على إعلان المبادئ فى الخرطوم.
فى أبريل 2015 عقد وزراء المياه اجتماعًا فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وانتهى باختيار المكتب الفرنسي "بي آر ال" لإعداد الدراسات الفنية لسد النهضة، بمساعدة المكتب الهولندي "دلتارس"، لكن في شهر سبتمبر أعلن المكتب الهولندي انسحابه من إجراء الدراسات الفنية لسد النهضة الإثيوبي مع المكتب الفرنسي.
فى ديسمبر 2015  تم اختيار مكتب "آرتيليا" الفرنسي بديلاً عن "دلتارس" للقيام بتنفيذ الدراسات بنسبة 30% مع مكتب "بي.أر.أل" الذي يستحوذ على نسبة 70% من الدراسات، وتم توقيع عقود الدراسات الفنية كانت في سبتمبر 2015، حيث أن الانتهاء من التنفيذ في فترة تتراوح من  8 إلى 11 شهرًا.
أجابت الدراسات على كيفية التغلب على الآثار السلبية للسد، سواء من خلال حجم وسنوات وتوقيت التخزين، علاوة على قواعد الملء الأول والتشغيل السنوي للسد وكذلك دراسة التأثير الاقتصادي والبيئي لسد النهضة الإثيوبي على الأمن المائي المصري والسوداني، استغرقت فترة تنفيذ الدراسات مدة زمنية لم تتجاوز 11 شهرًا.
الجهة المنفذة للدراسات مكتبان فرنسيان، "بى .أر.أل" ويتولى تنفيذ 70 % من الدراسات وتصل خبرته إلى 60 عاماً فى مجال بناء السدود والمحطات الكهرومائية، وآرتيليا بنسبة 30%، تحدد الدراسات سنوات ملء بحيرة سد النهضة بما لا يسبب ضرر لمصر والسودان، تصل تكلفة الدراسات إلى 4 ملايين يورو موزعة بالتساوي بين الدول الثلاث، لم يتم الاتفاق فى إعلان المبادئ على التزام إثيوبيا بنتائج الدراسات وإنما احترام النتائج.
 فى حالة عدم التزام إثيوبيا بنتائج الدراسات يمكن لمصر اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، ليس للتحكيم وإنما للشكوى بغض النظر عن نتيجتها لكنها ستضاف إلى الملف دولياً، أما التحكيم فلابد أن يتم بموافقة إثيوبيا، يمكن أن تلجأ مصر للوساطة الإقليمية والدولية وإقناع المجتمع الدولي بالأخطار التى تهدد شعوب دول النيل الشرقي والدول المجاورة نتيجة إنشاء السد.
تمتلك مصر تقريرًا صادرًا من لجنة خبراء دوليين فى مايو 2014 يؤكد أن إقامة سد النهضة على النيل الأزرق بارتفاع 145 مترًا وسعة تخزينية 74 مليار م3 وتشغيله بشكل منفرد لا يراعى مصالح دول المصب سيمكن إثيوبيا من التحكم الكامل في إيراد النيل الأزرق.
قد يتسبب سد النهضة فى تأثيرات سلبية على الحصة المائية المصرية ونقص الكهرباء المولدة من السد العالي والذى يمكن أن يصل إلى حد توقف محطة توليد السد العالي تماماً لعدد من السنوات والتي تزيد في فترات الجفاف بصورة كبيرة، خاصة أن الدراسات الإثيوبية تقترح الملء فى فترة 6 سنوات بغض النظر عن إيراد نهر النيل.
نقص المياه المتاحة لقطاعات الري والزراعة والشرب فى مصر أثناء فترة الملء، خاصة في حالة الملء خلال فترات الفيضان تحت المتوسط أو الضعيف، وهو ما له تأثيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة قد تؤدي إلى عدم القدرة على زراعة ملايين الأفدنة وفقدان الدخل لملايين المصريين المعتمدين على الزراعة فى دخلهم السنوي.
  هناك تأثيرات اقتصادية نتيجة خسارة شبكة الطاقة فى مصر لجزء كبير من الطاقة المولدة من السد العالي وهو ما يعني أعباءً اقتصادية لتعويض هذا النقص، بالإضافة إلى أن عمر الغابات والأشجار عند ملء بحيرة سد النهضة سيقلل نسبة الأكسجين المذاب والذى يؤثر على نوعية المياه المنطلقة خلف السد، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على نهر النيل فى السودان وليس في مصر.
إعادة ملء الخزان بعد انتهاء فترة الجفاف بدون الأخذ فى الاعتبار الاحتياجات المائية لدول المصب سيكون تأثيره ربما أشد من حالة الملء الأول، لأنه بعد انتهاء فترة الجفاف يكون محتوى التخزين فى بحيرة السد العالي منخفضًا مما يزيد من التأثير السلبي الشديد على مصر.
 نقص الطمي الوارد للسودان سيؤثر على خصوبة التربة، وبالتالي سيدفعها لاستخدام المبيدات الزراعية والمخصبات الزراعية ومع عدم وجود نظام صرف متطور جدًا بشكل مباشر سيؤثر على نوعية المياه الواردة لمصر، وهو ما يعني تدهور فى نوعية المياه المستخدمة سواء فى الزراعة أو الشرب، ما سيؤدي إلى تأثيرات جسيمة على صحة المصريين وما يستتبعه ذلك من آثار اجتماعية واقتصادية جسيمة.
التأثير على إثيوبيا :-
بما أن النيل الأزرق هو نهر موسمي للغاية، فإن السد سيقلل من الفيضان بما في ذلك 40 كم من داخل إثيوبيا، فمن ناحية سيقوم السد بالحد من الفيضانات وهو مفيد لأنه يحمي المستوطنات من الأضرار الناجمة عن الفيضانات، ولكن من ناحية أخرى فإن السد يمكن أن يكون ضار إذا تقلل نسبة الزراعة بسبب انحسار الفيضانات في وادي النهر للمصب، وبالتالي سيحرم الحقول من الماء.
 السد أيضاً يمكن أن يكون بمثابة جسر عبر نهر النيل الأزرق، تقييم مستقل حيث يقدر أن 5,110 شخصاً على الأقل سيتم إعادة توطينهم ونقلهم من منطقة الخزان ومنطقة المصب،كما من المتوقع أن يؤدي السد إلى تغيير كبير في مصايد الأسماك.
العلاقة الإثيوبية والمصرية :-
على مدى 67 عاما الماضية مرت العلاقات الثنائية المصرية والإثيوبية بكثير من المنحنيات السياسية، إذ شهدت العلاقات ازدهاراً بين الدولتين في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، الذي أسس الوحدة الإفريقية، ولكن سرعان ما نشبت الخلافات بين البلدين على خلفية قيام مصر في عهد ناصر ببناء السد العالي دون استشارة دول المنبع وهذا عارضته اثيوبيا كونها من دول المنبع لنهر النيل .
في عهد السادات ظهرت الخلافات بين البلدين نتيجة ملف نهر النيل، نتيجة طموحات الجانب الاثيوبي في مياه نهر النيل، وإعلان السادات لتحويل جزء من مياه النيل لري 35 الف فدان في سيناء ليشعل العلاقات بين مصر وإثيوبيا في عهد الإمبراطور منجستو هيلا ماريام.
في عهد مبارك في البداية ساد قدر من التفاهم بين البلدين، ولكن توترت العلاقات نتيجة خطط نظام الرئيس الإثيوبي منجستو لإقامة مشروع كبير في منطقة تانا بيليز، لمضاعفة الإنتاج الكهربائي الإثيوبي، وهو مشروع بدأت مرحلته الأولى عام 1988، وبلغت ميزانيته 300 مليون دولار أمريكي، وكان من المقرر أن يتم من خلاله إقامة خمسة سدود لتوفير المياه لحوالي 200 ألف مزارع في إثيوبيا، عارضت مصر وتصدت لمحاولة حصول إثيوبيا على قرض من بنك التنمية الأفريقي ، مما زاد من توتر العلاقات بين الطرفين ، مع قدوم عام 1995 حدثت قطيعة بين مصر وإثيوبيا استمرت حتى ثورة يناير 2011، بعدها بدأت الخطوات الإنشائية لسد النهضة الإثيوبي الكبير.
نقطة البداية لتفاقم أزمة دول حوض النيل، حيث قررت 6 من دول منابع النهر " إثيوبيا ، أوغندا ، كينيا ، تنزانيا ، رواندا ، بوروندي " التوقيع على اتفاقية " عنتيبي " الأوغندية لاقتسام موارد نهر النيل ، 2013 دولة جنوب السودان دخلت الاتفاقية، رفضت القاهرة والخرطوم الاتفاقية كونها مخلة للاتفاقيات الدولية، وتمويل أي مشروع مائي على نهر النيل يعتبر مخالف للاتفاقيات وبما فيها سد النهضة الاثيوبي .
سد النهضة هل سيهدد مصر؟
إن حصة مصر من مياه النيل تغطي 97% من احتياجاتها المائية، ومع التزايد الكبير في عدد السكان في مصر فإن حصة الفرد قد تتقلص إلى ما دون 500 متر مكعب سنوياً، وهذه النسبة أقل من نصف المعدل العالمي ، هذا مع الافتراض ان حصة مصر من مياه النيل ظلت في معدلاتها الطبيعية.
تبلغ السعة المائية في خزانات سد النهضة 74 مليار متر مكعب، و لكي يعمل السد بكامل طاقته يجب ملئ تلك الخزانات في أسرع وقت، وهذا سيحرم على اقل تقدير مصر و السودان من تدفق 15 مليار متر مكعب من حصتهم سنوياً، فطبقاً للتقديرات يتطلب مليار متر مكعب من المياه سنوياً لري 200 ألف فدان بمصر،  وبذلك مع كل مليار متر مكعب تخسرها مصر من حصتها المائية تفقد 200 ألف فدان، وبالتالي فإن جميع خطط استصلاح الاراضي الزراعية التي اعلنت عنها الحكومة المصرية سيُعاد النظر بها مرة أخرى لمواجهة التهديدات المقبلة، أيضاً السعة الكبيرة من المياه التي سيخزنها ويحجزها سد النهضة، قد تؤثر على المدى البعيد بمنسوب المياه خلف السد العالي و منها التأثير على قدرته من انتاج الطاقة الكهربائية بنسبة تتراوح بين 20% و 40% بحسب خبراء في مجال المياه.
قد تخشى مصر من انخفاض مؤقت من توافر المياه نظراً لفترة ملء الخزان وانخفاض دائم بسبب التبخر من خزان المياه، يبلغ حجم الخزان حوالي ما يعادل التدفق السنوي لنهر النيل على الحدود السودانية المصرية (65,5 مليار متر مكعب)، من المرجح أن تنتشر هذه الخسارة إلى دول المصب على مدى عدة سنوات، خلال ملء الخزان يمكن أن يُفقد من 11 إلى 19مليار متر مكعب من المياه سنوياً، مما سيتسبب في خسارة مليوني مزارع دخلهم خلال الفترة من ملء الخزان . 
 سد النهضة الإثيوبي الكبير يمكن أن يؤدي أيضاً إلى خفض دائم في منسوب المياه في بحيرة ناصر، إذا تم تخزين الفيضانات بدلا من ذلك في إثيوبيا، وهذا من شأنه تقليل التبخر الحالي لأكثر من 10 مليارات متر مكعب سنويا، ولكن سيكون من شأنه أيضاً أن يقلل من قدرة السد العالي في أسوان لإنتاج الطاقة الكهرومائية لتصل قيمة الخسارة لـ100ميجاوات بسبب انخفاض مستوى المياه بالسد بمقدار 3م. 
 
العلاقات الاسرائيلية الاثيوبية :-
تُعتبر إثيوبيا أهم منصة إفريقية لدى عقل الكيان الإسرائيلي، فهي حلقة الوصل بين الكيان الإسرائيلي وسائر مناطق وسط إفريقيا وجنوبها، لذا احتفظ الإسرائيلي بعلاقات متميزة مع الإثيوبي على الصعيد الاقتصادي والعسكري.
 العلاقات بينهما تأخذ منحنى أكثر تطوراً على جميع الأصعدة، الطموحات المائية الإسرائيلية لا تُخفى ابداً. أعلنت شركة ناحل الإسرائيلية وهي الشركة المسئولة عن تطوير وتخطيط المصادر المائية في إسرائيل إنها تقوم بمشاريع و أعمال في إثيوبيا لحساب البنك الدولي، و إنها تقوم بأعمال إنشائية في أوجادين في الطرف الآخر من إثيوبيا على حدود الصومال، كما أن خبراء اسرائيليين قاموا بعمليات مسح لمجرى النيل والمناطق المحيطة به، لتقديم الاقتراحات حول إنشاء عدد من السدود على النيل الأزرق، المغذي الرئيسي لمياه نهر النيل، ويهدف التعاون الإثيوبي الإسرائيلي إلى تنفيذ العديد من المشروعات المائية التي يصل عددها إلى 40 مشروعاً مائياً علي النيل الأزرق أيضا لتنمية الأراضي الزراعية على الحدود السودانية الإثيوبية، كما تعتمد المشروعات الاسرائيلية هناك على الدراسات التي أصدرها مكتب الاستصلاح الأمريكي في خمسينيات القرن المنصرم و أوائل الستينات و التي كانت بهدف الضغط على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. 
الإسرائيلي في إثيوبيا يعد وكيلاً تنفيذياً لتلك المشروعات، لم يقتصر التواجد الاسرائيلي بالدعم التقني و الفني لأمور الإنشاءات المائية فحسب، بل شمل أيضاً تطوير الجيش الإثيوبي، بداية من عام 1995، حيث عملت على تنفيذ برنامج خماسي يتعين إعادة هيكلة وتنظيم وتسليح الجيش الأثيوبي ليكون قادراً على مواجهة أية تحديات من داخل القارة .
إسرائيل بدأت ومنذ عام 1996، تضخ كميات كبيرة من الأسلحة إلى أثيوبيا شملت طائرات نقل واستطلاع من نوع "عرابا" المنتجة في إسرائيل، كما شملت دبابات من طراز (ميركافا) السوفيتية والتي جرى تحسينها وكانت إسرائيل قد استولت عليها أثناء حرب 67، إضافة إلى منظومات رادار وصواريخ بحرية، ومنظومات صواريخ "باراك" و "جبريائيل" وصواريخ ومدافع مضادة للطائرات، تقوم إسرائيل بتشويش من يراقب سد النهضة عبر الاقمار الصناعية.
تمويل مشروع سد النهضة :-
تبلغ تكلفة السد 4.8 مليارات دولار، اغلبها تمويل حكومي من جانب اثيوبيا عن طريق سندات للإثيوبيين في الخارج، بالإضافة إلى بعض الدول والمؤسسات منها كالتالي:
الصين
ويُعد الصين شريكا أساسيا في بناء السد منذ عام 2013، حين وقعت شركة الطاقة الكهربائية الإثيوبية مع شركة المعدات والتكنولوجية المحدود الصينية، اتفاقية لإقراض أديس أبابا ما يعادل مليار دولار أمريكي، من أجل بناء مشروع خط نقل الطاقة الكهربائية لمشروع السد النهضة، بالإضافة إلى الخبرات البشرية التي تشارك بها الصين بجانب المليار دولار، فقد قام بنك الصين الصناعي بإقراض إثيوبيا 500 مليون دولار في عام 2010، من أجل إعداد الدراسات للسد في بدايته لتصبح أكبر دولة مشاركة في بناء السد.
إيطاليا
أما إيطاليا فتعد أحد المساهمين في مشروع السد، وذلك من خلال شركة ساليني إمبراليجيو المختصة بتشييد السدود، وهي التي تقوم على بنائه منذ عام 2011 .
تركيا وقطر 
تركيا وقطر أيضًا ضمن القائمة الممولة للسد، كما يؤكد بذلك جمادا سوتي المتحدث باسم جبهة تحرير الأورومو الإثيوبية، الذي أكد أن قطر وتركيا يمولان سد النهضة من خلال مشروع استثماري وزراعي ضخم، تموله الدوحة وأنقرة لزراعة مليون ومائتي ألف فدان في منطقة السد.
الموقف العربي :-
السودان
السودان أولى دولتي المصب، وفي حالة تعرض السد لأية مشاكل جيولوجية فان السودان ستتعرض لضرر جسيم اذا ما حدث انهيار لهذا السد، وهذا الأمر بحاجة لاقرار موقف من جانب السودان لحماية شعبها اذا حدث اي خطر محدق بسبب ازمة المياه ان حدثت، وهو ما يسهل المفاوضات المصرية والسودانية حول سد النهضة.
مشروع المياه بين جيبوتي وإثيوبيا:-
 
 
مشروع المياه الجوفية العابرة للحدود بين إثيوبيا وجيبوتي، بتمويل بنك التصدير والاستيراد الصيني من قبل الشركة الصينية سغكوك، المشروع وفر مياه شرب لما يزيد على 700 ألف مواطن جيبوتي .
مشروع المياه بين إثيوبيا وجيبوتي، الذي يعتبر أحد أكبر مشاريع المياه في إفريقيا، في محاولة لحل مشكلة مياه الشرب في جيبوتي، فضلاً عن تعميق العلاقات بين البلدين إثيوبيا وجيبوتي، المشروع شمل بناء آبار المياه وخزانات المياه وتركيب خط أنابيب لتوزيع المياه، يبلغ طوله 102 كم، المياه الجوفية من بلدة هاداجالا الإثيوبية إلى المدن الرئيسية في جيبوتي ودخيل وعرطا والعاصمة.
قد يكون هذا المشروع مشكلة اخرى جديدة لمصر، حيث يعتمد على ضخ  الـ400 مليون متر مكعب إلى جيبوتي من مياه نهر النيل، وبهذه الخطوة التي تعتبر صعبة بعد مشروع سد النهضة ستتأثر دول المصب بشكل عام ومصر بشكل خاص، ليس من نقص المياه فقط، بل من جفاف المياه على مدى السنوات.
بعد "النهضة" إثيوبيا تتجه لتشييد "كويشا" :-
دأبت إثيوبيا خلال السنوات الأخيرة على بناء سدود المياه في إطار مشاريعها التنموية للقدرة على الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتعزز هذه الإنشاءات من قوتها الإقليمية ونفوذها بالقارة الإفريقية، حيث تقوم اثيوبيا باستكمال سد النهضة الاثيوبي لبناء سد آخر وهو سد كويشا، ولكن هذا الأمر يحتاج الى طمأنة دول الجوار  للحفاظ على السلم الاقليمي الافريقي.
يقع سد «كويشا» في إقليم شعوب جنوبي إثيوبيا المحاذي لكينيا، في منطقة تحمل نفس اسم السد، ومن المقرر أن يولد السد الطاقة الكهرومائية، بطاقة إنتاجية تبلغ 2200 ميجاوات  بتكلفة 2.5 مليار يورو، ويبني السد الجديد بارتفاع 170 مترًا، على نهر أومو، وسيكون عليه بحيرة مساحتها 6 آلاف مليون متر، وأومو هو نهر إثيوبي عابر للحدود وينصب في بحيرة توركانا، بالقرب من الحدود الكينية في جنوب إثيوبيا، وتمويل هذا السد من ايطاليا بشرط سد هذا المبلغ من عائد الكهرباء المتوقع توليد من السد .
إثيوبيا تسعى لتكون عملاق القارة في إنتاج الكهرباء:
وبخلاف سد كويشا، فإن إثيوبيا ومصر لا زالتا تُعانيان من صعوبة المفاوضات الفنية بينهما فيما يخص سد النهضة، للسد خطورة كبيرة على مصر، لكن من ناحية أخرى أكد الخبراء أن إثيوبيا تستهدف من المشروع الجديد بأن تصبح عملاقة إفريقيا في إنتاج الطاقة الكهرومائية، وتحويل اقتصاد إثيوبيا من الزراعي إلى الصناعي.
على المفاوض المصري :-
أولا :- استخلاص مواقف تصب في مصلحة المفاوض المصري و تعزز ارضيته.
ثانيا :- بناء استراتيجيه كاملة مع التنين الصيني الذي يسعى لفتح بوابة له في قلب افريقيا لمنافسة الأمريكي هناك، إذ يمول الصيني العديد من المشروعات في مختلف الدول أهمها اثيوبيا و منها سد النهضة، و تقديم له بدائل و تسهيلات استثمارية كبيرة في مصر.
ثالثا :- التنسيق مع محور القرن الإفريقي (الصومال، جيبوتي، إريتريا) والعمل على زيادة التعاون المصري مع هذه الدول التي تعتبر المنفذ التجاري النشط لإثيوبيا في المنطقة.
رابعا :- التنسيق مع الجنوب السوداني تحديداً كونه الأقرب إلى مصر سياسياً و إلى سد النهضة جغرافياً.
خلاصة :-
من حق الدول أن تعمل على بناء مشاريعها التنموية داخل دولها لتحقيق العيش الكريم لشعوبها، لكن من المفترض من أجل تحقيق السلام حول العالم وتعزيز السلم الاقليمي ان يتم الأخذ بعين الاعتبار مصالح دول الجوار من خلال فتح باب الحوار البناء والفعال الذي يهدف حماية الشعوب من الحروب والفقر والهوان، حيث آن الآوان أن تعيش الشعوب بعيداً عن الفوضى والقلاقل التي أرهقت الثروات المادية والمعنوية لتلك الدول، فاذا كان الحوار لمصلحة الشعوب فان المشاريع التنموية ستعمل بشكل فعال دون اشكاليات بين الدول حتى لا تستغل دولاً أُخرى ثغرة تلك الاشكاليات وزرع جماعات تهدف الى زعزعة الأمن القومي لدولهم.
من المهم ابرام وثيقة تفاهم بين دول مصب النيل تضمن لمصر بقاء حصتها او على الاقل تعديل المواصفات الفنية للسد وزيادة عدد فتحات الطوارئ العاملة فيه، حتى لا يُرجح مستقبلاً إمكانية استخدام الحل العسكري كخطوة اخيرة .
مصر اكبر قوة عسكرية في افريقيا والشرق الأوسط وأفضل قوة جوية فيها، وتسعى مصر الى التحديث الشامل الذي تجريه للجيش المصري لكل أفرع قياداته من الناحية التقنية و التسليحية، ومصر تمتلك مقاتلات "الرافال" و " اف 16 بلوك 52+" وغيرها التي تمتلك القدرة على المناورة في تلك الظروف والارتفاعات كما تمتلك ايضاً احدث انواع الذخائر الموجهة بإحداثيات الاقمار الصناعية واجهزة الليزر فضلاً عن القنابل و الصواريخ الحرة، إلا إن مصر تسعى لاستخدام أسلوب الحوار حفاظاً على السلم الإقليمي والعالمي.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد