السوسنة تنشر شهادات مقاتلين في معركة الكرامة

mainThumb

22-03-2008 12:00 AM

عمان – السوسنة – اعداد ياسين العودات

ونحن نعيش افراح انتصار قواتنا المسلحة والشعب وقائده الاعلى الملك عبدالله الثاني المعظم يقفون تحية لكل الشهداء والرجال المقاتلين الذين احرزوا هذا النصر العظيم للأمة التي كانت تشتاق لذلك النصر بعد ان كانت كل الجبهات يسودها الصمت بعد حرب 1967 الا ان الجبهة الاردنية والتي كللتها قواتنا المسلحة في يوم الكرامة المجيد, اقدم هذه الشهادات لرجال كانوا مقاتلين وجهاً لوجه مع العدو الاسرائيلي, على أمل ان تبقى هذه الشهادات مدونة وهي من افواه الرجال الذين كان يمدهم المغفور له الحسين بن طلال بالعزم والعزيمة, ولدى تمكني من جمعها من كل المقاتلين بعد ان يمنحني الله العزم على حفظ وكتابة ما فعله اولئك الاشاوس, سأحاول نشرها في كتاب مفيد ينهل منه الدارسون والجنود والقابضون على جمر الوطن والعروبة, مداداً لهم في وجه عاديات الاعداء الذين يتربصون بنا.

شهادة العميد الركن المتقاعد شهاب ابو وندي:

كنت برتبة ملازم /2 قائداً للفصيل الرابع من السرية الثانية في كتيبة الدبابات الثالثة وكان موقع الدفاعي في عين الفنوش / جنوب العارضة, وقمنا باحتلال المواقع الدفاعية الجديدة بعد الثامنة مساء ليلة 21/3 شرق مثلث المصري ليتفاجأ العدو بمواقعنا وحاضرنا قائد السرية محمد كساب المجالي كلاماً يفيض معنوية وحماساً واصراراً على القتال مهما كلف الثمن.

لا اعتقد ان احداً نام تلك الليلة, وكنا نتلحف بمشمعات الدبابات, وفي الرابعة صباحاً استيقظنا وصلينا الفجر جماعة, داعين الله بالنصر او الشهادة وحاضرت الافراد واوضحت لهم المهمة وبدأت تقدير مسافة ميدان المعركة, وتعبئة الدبابات وعندما بدأت الرماية في الخامسة والنصف صباحاً مررت ذلك لقائد السرية, وأُمار الدبابات وابلغتهم ان الرمي بالامر, ولما اقتربت الدبابات الاسرائيلية وعلى مسافة 1200 متر, قسمت الاهداف على الدبابات التي تحت امرتي, وبدأنا بمشاغلتها, وخلال ساعة واحدة دمرنا عدداً من الآليات لم اتمكن من احصائها, وتراجعت آليات العدو غرباً باتجاه مخفر داميا القديم, لاعادة التنظيم, ثم عاود الهجوم وابلغت أمّار الدبابات ان الرمي بالأمر ايضاً, ولما اقتربت وعلى مسافة 800 متر بدأنا الرماية من جديد, توقفت آليات العدو وبدأت بالتراجع غرباً تجاه الشعاب (جمع شِعب) شرق مخفر داميا تاركين الآليات المدمرة ولم ينقذ منها شيء على أمل معاودة الهجوم.

طلبت من قائد السرية رماية مدفعية وابلغني ان ضابط الرصد الملازم اول محمد هاشم عريقات قد فقد الاتصالات, وطلب مني توجيه الرماية على الأهداف المعادية, واخذت مثلث المصري نقطة مرجع وطلبت رماية (طلقة تصحيح) وبدأت احسب المسافة على اعمدة الهاتف الموجودة, وكانت تقريباً 50 متراً بين كل عمودين, وبعد طلقتي تصحيح تم اصابة الاهداف.

بدأ العدو في الواحدة ظهراً يتقدم بست دبابات اثنتان منها من نوع سوبر شيرمان واربع من نوع سينتوريون وعملت قاعدة اسناد جنوب غرب مثلث المصري على مسافة 200 متر, تمكنا من رماية هذه القاعدة وتدميرها, اضافة لآليات الرتل الذي توجه الى مثلث المصري, وكانت حصيلة الآليات المدمرة ثلاثين آلية من دبابات ونصف مجنزرات, ومدرعات من نوع AMX تحمل مدفع 90 مليمتراً, ومن ضمن هذه الآليات ناقلة عمليات قيادة اللواء الاسرائيلي, وقد وجدنا بداخلها (الناقلة) خرائط اسرائيلية مؤش?Zر عليها مرتفعات السلط الهدف النهائي.

طلبت من قائد السرية تزويدي بالذخيرة ولم تتمكن من الوصول لشدة القصف الجوي الاسرائيلي, وتقدمت احدى الآليات التي تحمل الذخيرة وحاولت الوصول الى انها قُصفت واسُتشهد قائدها العريف فيصل ابراهيم من مدينة معان, بعد ان رمى طلقتين دمرت احداهما دبابة اسرائيلية غرب طواحين الماء, اضافة لاستشهاد الجندي اول عبدالرحمن محمد كساب الفروخ, وكانت حصيلة الآليات الاسرائيلية المدمرة 87 آلية بين التدمير والعطب, بما فيها كاسحة الغام تحمل مدفع 105 مليمتراً.

شهادة العميد الركن المتقاعد علي عبد القادر اللواما

ضابط موقع في كتيبة المدفعية الثالثة/3 الملكية

كانت كل الجبهات العربية صامتة ما عدا الجبهة الأردنية بعد حرب 1967 والتي استمرت عليها المناوشات وتبادل القصف بين الجيش العربي والعدو الاسرائيلي، واعيد تنظيم قواتنا المسلحة في مواقع دفاعية محصنة في المرتفعات الشرقية لنهر الأردن استعداداً لأي عدوان اسرائيلي.

وتوالت التهديدات العسكرية الاسرائيلية للأردن وخاصة في الشهور الاولى من عام 1968 وتواترت الأنباء عن استعداداته وتصميمه على شن عدوان على الجبهة الأردنية، ورصدت قواتنا المسلحة كل حشوداته وتحركاته التي كانت تجري بشكل علني لاستخفافه وغطرسته وغروره حتى استطاعت قواتنا تحديد تاريخ ومكان العدوان.

كنت اعمل ضابط موقع وبرتبة ملازم اول، وكانت المعنويات عالية للاستعداد والتضحية من قبل الجنود والضباط دفاعاً عن وطنهم واهلهم وتواصوا بالصبر والصمود حتى أن كثيراً منهم قد اقسموا على القرآن الكريم الا ينهزموا امام العدو فإما دحر العدو أو الشهادة وتم تحضير مواقع المدافع وتهيئتها وتزويدها بالذخيرة المطلوبة وحددت الاهداف التي سيتم قصفها حسب الخطة الموضوعة وجرى تخفية المدافع بشكل كامل حيث السيطرة الجوية الكاملة للعدو.

في الخامسة والنصف صباح يوم 21/3/1968 وبعد عبور قوات العدو قامت مدفعيتنا بقصف مدفعي شديد بعد ان اصبح العدو في ارض مكشوفة ونسيطر عليها من مواقعنا الدفاعية في المرتفعات مما جعل قوات العدو هدفاً سهلاً لمدفعيتنا تقصفه اينما توجه فحصل الارتباك في صفوفه وأخذ يتقدم تارة وينسحب تارة اخرى ليعيد تنظيم قواته وان كتيبتنا لوحدها اطلقت ما يقارب الفي طلقة شديدة الانفجار وكانت المدافع تسكت حينما تقوم طائرات العدو بالتحليق فوق الاراضي الأردنية وعندما تغادر الطائرات الاسرائيلية تعود مدافعنا تقصف من جديد واصبحت التقارير ترد تباعاً عن زعزعة معنويات جنود العدو وكذلك تراجعه وخسائره التي كان يمررها على شبكات اتصالهم وهذا كان يرفع معنويات قواتنا المسلحة.

وفي هذا الصدد اذكر ان احد افراد سريتنا ذهب في اجازة اضطرارية صباح ذلك اليوم وقبل ان يغادر المنطقة سمع اصوات القصف فعاد الى وحدته ليشارك مع زملائه في القتال لكنه اصيب من طائرات العدو واستشهد قرب الموقع وهو العريف عبدالحميد كامل ياسين رحمه الله .

في الساعة الحادية عشرة ظهراً وردت المعلومات بأن العدو اصدر الاوامر لقواته بالانسحاب مما اثار الفرح ونشوة الانتصار في نفوسنا جميعاً ثم اعلن العدو طلب وقف اطلاق النار لأول مرة في تاريخه لكن المغفور له الملك الحسين رفض ذلك ما دام هنالك جنديٌ واحد على اراضينا فواصل العدو انسحابه تحت قصف مدافعنا ورشاشاتنا تاركاً العديد من آلياته في ارض المعركة والتي شاهدها الشعب الأردني وعرضتها وسائل الاعلام ايضاً.

وفي الجانب الاسرائيلي فقد قامت امهات الجنود القتلى بالمظاهرات وحملن الاعلام السوداء في شوارع تل ابيب احتجاجاً على نتيجة المعركة وكان وزير الدفاع السوفياتي قد صرح بعد انتهاء المعركة ان معركة الكرامة قد غيرت مجرى التاريخ العسكري في المنطقة كاملة.

ولا يفوتني في هذه المناسبة ان اتذكر الضباط الذين كانوا في الكتيبة وهم المقدم سامي حسن طوس قائد الكتيبة والمرحوم يوسف البخيت والملازم اول جمال محمد عبدالرحيم والملازم اول شوكت جودت والملازم اول زيدان خلف والنقيب احمد عواد وكان معي في موقع المدافع قادة الاقسام المرحوم المرشح سمير محمد الكنعان والمرحوم العميد المتقاعد عودة خلف المطارنة كما نترحم على شهداء كتيبة المدفعية الثالثة في هذه المعركة وهم: عريف مدفعي عبدالحميد كامل ياسين وجندي ثاني محمد فريد موسى الطوالبة وجندي ثاني حامد محمد احمد اللصاصمة وجندي ثاني محمد علي عبدالله القضاة وجندي ثاني علي موسى علي فريحات وجندي ثاني محمد محي الدين هزاع وعريف خالد فوزي عبدالفتاح.

شهادة اللواء الركن المتقاعد جميل الشمايلة

كنت قائداً لسرية مشاة وعندما بدأت قوات الجيش الاسرائيلي بعبور النهر باتجاه مواقعنا الدفاعية وجاءت المعلومات من القيادات العليا للتصدي لهجوم العدو وتدمير قواته وتشكيل فرق قنص دروع من الاسلحة المضادة للدروع من مدافع 106ملم والروكتلانشر وفي المنطقة التي كنت احتل موقعاً دفاعياً فيها شكلت فريق قنص دروع مؤلف من مدفعين 106ملم ومن حاملي الروكتلانشر ومن حاملة رشاش 500 وقمت بقيادة هذه المجموعة وتركت الموقع الدفاعي مع هذه المجموعة لملاقاة دروع العدو التي وصلت الى مثلث سويمة الرامه عبر المنطقة المزروعة بالاشجار لتأمين التخفية والتستر اثناء التسلل الى اقرب نقطة لدبابات العدو وقد تم تبادل اطلاق النار من قبلنا باتجاه دبابات العدو كما اطلقوا علينا النيران على مسافة لا تتجاوز 150 – 200 متر تقريباً وفي نفس المكان وجدت النقيب فاضل علي فهيد مصاباً والدماء تنزف من بطنه وساقه مبتورة إلا من جزء بسيط كان متصلاً في ساقه، في هذه اللحظات قامت دبابات العدو بتكثيف الرماية على موقعنا ونحن نرد عليهم من مدافع الـ 106 ونغير مواقعنا بعد كل طلقة نقوم برمايتها على دبابات العدو لان ذلك جزء من مهارة المعركة في رماية مدافع الـ106 وعندما شعر العدو بوقوع خسائر في دباباته جراء رمايتنا طلب سلاحه الجوي وقامت طائراته المقاتلة بالرماية من صواريخ جو – أرض على موقعنا إلا ان رشاش 500 الذي كان معنا تصدى لها فكانت رماية العدو غير دقيقة على مجموعتنا وكانت الصواريخ التي يطلقها من طائراته المقاتلة تسقط قريبة منا دون ان توقع سوى اصابة واحدة من احد مدافع 106 العائد الى المجموعة المجاورة من كتيبة 37 أو 39 كما اعتقد.

حوالي الساعة التاسعة صباحاً خفت شدة القصف الأرضي وكثف طائرات العدو قصفها لكي تتمكن قواته من الانسحاب تحت ستر القصف الجوي لمجموعاتنا والمجموعات المجاورة وبقيت آليات العدو التي لم يتمكن من سحبها في ارض المعركة امام منطقة الرامة على غرب الطريق المؤدي من الكفرين الى مثلث سويمة ومنها دبابة كتب على جانبها "v251" وهي رمز لدبابات اللواء المدرع الاسرائيلي الذي يعتبر لديهم من الوحدات المتميزة ويحمل سمعة كبيرة عندهم وهي الدبابة التي تم نقلها وعرضت في المدرج الروماني مع آليات العدو الاخرى واسلحته التي تركها في ارض المعركة.

العميد الركن المتقاعد أمين بنيه المحيسن

(ملازم ضابط استخبارات كتيبة الدبابات الثالثة الملكية التي كانت تسمى الأولى في ذلك الوقت) يذكر لنا كانت كتيبتنا موزعة على واجهة الفرقة كاملة وقيادة الكتيبة في تلة تعرف الآن بتلة الحاووز على بعد بضع مئات الأمتار من قرية الشونة ومشرفة على المحور الأوسط والأكبر في المعركة ،ليلة 21/3/1968 وانطلاقا من واجبي كضابط استخبارات كتيبة رافقت قائد الكتيبة المقدم الركن علاوي جراد نجادات في جولة تفقدية على جميع الواجهة وكان يشدد على ضرورة الثبات والقتال حتى الموت وكان يدرج على لسانه "لا التفات إلى الخلف" وكان واضح جدا أن في الغد قتالاً لأن حرب 1967 أعطت اليهود حالة من الغرور أفقدتهم التوازن وأخرجتهم على جميع المعايير العسكرية فيما يخص عملية الحشد لأي عمل وكانوا مستهترين وحركاتهم مكشوفة وكنا نستطيع أن نعد آلياتهم ليلا بالواحدة بالاستعانة بالضوء فتيقنا أنهم استكملوا الحشد وان الخطوة التالية هي العمل واللقاء قريب .

و يذكر العميد المتقاعد أمين بنيه المحيسن خلال جولته مع قائد الكتيبة مرورهم على فصيل دبابات في منطقة المدسي كان يقوده المرشح الشهيد سالم الخصاونه عندما قال له قائد الكتيبة "بكره يا سالم علينا هجوم دير بالك" فرد عليه "والله يا سيدي لن يمروا إلا على أجسادنا" .

صبيحة يوم المعركة دخل العدو من جسر الملك حسين واتجه شرقا وجزء من قواته اتجهت للشمال باتجاه قرية الكرامة فأصبح سالم على النهر من الغرب والعدو من خلفه فاتجه سالم للخلف وقاتل قتالا مريرا شهد به العدو حيث قال قائد المجموعة التي اتجهت للكرامة :"لقد أوذينا كثيرا من القوة التي اتجهت لنا من الغرب" وكان يقصد فصيل الدبابات الذي كان يقوده سالم الخصاونه الذي استشهد بعد قتال مرير مع زملاء له أتذكر منهم رقيب الفصيل حميد صدف والعريف محمد عبد الله الرقاد و العريف إسماعيل خضر الذي اقسم يمينا بالله أن يستشهد في أول معركة مع اليهود فكان له ذلك.

ويقول العميد المتقاعد أمين بنيه المحيسن المعركة بالنسبة لنا كانت مثل ميدان التدريب والكل نفذ ما كان مطلوبا منه دون تشنج أو ارتباك أو تسرع والواجهة رغم اتساعها كانت متصلة وكان التنسيق موجود بين القادة ،لواء حطين كان يقوده المرحوم العميد بهجت المحيسن في الجنوب ولواء الاميرة عاليه كان يقوده العقيد كاسب صفوق الجازي في المنتصف وفي الشمال لواء القادسية بقيادة المرحوم الزعيم قاسم المعايطة والكل كان على أعلى درجات الجاهزية والحماسة.

ويقول المحيسن انه لم يكن يجول في تفكير أي منا حسابات غير النصر او الشهادة وكان كل التفكير في العزم والتصميم على الثبات والاستشهاد ويقسم انه لم يرى عسكريا واحدا التفت للخلف وكل واحد شارك بالكرامة بطل وقدم للأردن والأمة العربية الشيء الكثير لأنه إذا أخذنا بعين الاعتبار أن طلقة المدفع حتى تصيب هدفها يشترك فيها على الأقل عشرون شخصا فعندما تصيب الهدف ليس الذي ضغط على الزند هو الوحيد الذي أصاب الهدف .

ويروي لنا (العميد المتقاعد محمود أبو وندي) وكنا على أهبة الاستعداد وكان كل جندي يتقدم وهو يغني ويزغرد ولا تزال في الذاكرة الكلمات التي كانوا يرددونها "كيف دايان وجيشه ينزلوا وطنا، بالمدافع نشيله ونجلي الضيم عنا" ويذكر لنا أبو وندي قصة الشهيد حسن عبد ربه الذي جاء من إجازته ولم يكن مطلوبا منه ذلك ليلتحق بزملائه ويكون له شرف المشاركة والاستشهاد .

ويشيد أبو وندي بهمة ومعنويات وحسن تدريب الجنود الأردنيين ويروي هنا قصة سائق الدبابة محمد سليمان والذي كان يتكلم معه على الجهاز بقصد توجيهه لأنه كان أمامه دبابة للعدو تريد أن تصطاد دبابة قائد الفصيل الملازم محمد هويمل الزين والذي لم أكن اعلم أنه استشهد وكلما خاطبته عبر الجهاز يجيب "بعد قليل سيتحدث معك" ولم يقل لي أن قائد الفصيل استشهد لان هذا يؤثر على معنويات الجنود .

 

شهادة العميد الركن المتقاعد حاكم طافور الخرشا:

وقد كنت آنذاك برتبة ملازم أول اعمل مساعدا لقائد سرية الدبابات الثانية من كتيبة الدبابات الثالثة الملكية حيث كان واجبنا الدفاع عن محور جسر الأمير محمد (دامية) المثلث المصري مثلث العارضة الطريق المؤدي إلى مرتفعات السلط والتي عرف فيما بعد انها كانت الهدف الرئيسي للقوات الإسرائيلية المهاجمة واذكر انه عصر يوم 20/3/1968 وهو ما سبق يوم الهجوم زارنا قائد لواء القادسية المسؤول عن هذا المحور والذي نحن ملحقين به فقال لي في موقع قيادة السرية (مثلث العارضة) ان العدو سيقوم بالهجوم صباح الغد واكد ذلك حيث ان جميع المعطيات تدل على هذا فعليكم تغيير مواقع فصائلكم الى مواقع جديدة (بديلة) بعد الضوء الاخير ليتفاجأ العدو بهذه المواقع وعندما عاد قائد السرية والذي كان بزيارة الحجاب ابلغته بأوامر قائد اللواء وفعلا قمنا بتنفيذ هذا الامر الذي تفاجأ به العدو صباح يوم المعركة.

حيث كان توزيع فصائلنا على الشكل التالي :

-فصيلة على مرتفع معسكر المثلث المصري .

-فصيلة سحبت من مخاضة السعيدية وضعت بعد الضوء الأخير في منطقة عين فنوش وبهذا يكون مثلث المصري بين فكي كماشة من قبل هذين الفصيلين .

-فصيلة في موقع قيادة السرية مثلث العارضة 0

-أما الفصيلة الرابعة فكانت مع قوات الحجاب الأمامية انسحبت بعد الهجوم إلى موقع قيادة السرية .

قمنا بإبلاغ قائدي الفصيلين(المثلث المصري-عين فنوش) بعدم التعامل مع القوات المهاجمة إلا ضمن المدى وهو مسافة 1200متر وفعلا كانت المفاجأة للعدو بتدمير الموجه الأولى حيث انسحب(انهزم) إلى الخلف بطريقة غير منظمة إلى مسافة تصل إلى 3كيلومترات تاركا بعض آلياته وقتلاه على المثلث المصري حيث قامت مدفعية الميدان بالتعامل مع القوات المنهزمة بشكل ممتاز إلا أنه قام بتعزيز قواته بسرعة وأعاد الهجوم على نفس المحور محاولا بذلك اخلاء قتلاه وجرحاه وما دمر له من آليات وفعلا عندما اصبحت قواته ضمن المدى قامت فصائل الدبابات الانفة الذكر بالتعامل معه وقد شوهد بعض افراده يخرجون من الاليات المدمرة والالتجاء الى بعض الغرف الاسمنتية الموجودة على المثلث المصري, قمنا بإرسال فصيل دبابات الى منطقة عين فنوش لتعزيز الفصيلين ولتخفيف الضغط عليهم في تلك الاثناء طلب مني قائد السرية الذهاب الى موقع قيادة السرية الادارية في منطقة معدي لاحضار ذخائر الرشاشات الموجودة هناك محملة بالنقليات وفعلا قمنا بفتح سيارات الذخيرة ووضع صناديق الذخيرة وقد رصد سلاح الجو الاسرائيلي تحركنا هذا وقام بقصف المنطقة مما ادى الى استشهاد احد الافراد وجرح اخرين وعندما تم تجهيز الذخيرة في السيارة قام احد افراد المفرزة الفنية بقيادة السيارة التي تحمل الذخيرة من معدي الى مثلث العارضة وهي مسافة 4كم الا ان الطريق كان مسيطرا عليه من قبل الدبابات والمدفعية والطيران الاسرائيلي 0وقد طلب مني سائق السيارة بأن اخرج من فتحة المراقبة لأبلغه بوجود الخطر من الدبابات والمدفعية والطيران المعادي وفي منتصف الطريق قامت احدى الطائرات المعادية بقصفنا الا ان الله سلم ونجوت باعجوبة وبهذه الاثناء قام العدو بدفع مجموعة جديدة من دباباته الى الشمال من منطقة عين فنوش للتعامل مع قيادة السرية والفصيل المتواجد هناك مباشرة وكانت الغلبة لنا والحمد لله وقد قمت بنفسي بالرماية على رشاش 50 والموجود على دبابة قائد السرية على الطائرات المعادية وكذلك بالرماية من على مدفع نفس الدبابة على الدبابات الاسرائيلية المعادية والتي كانت تقابلنا وهي من نوع سنتوريون مارك 5ومارك7 اما دباباتنا فكانت مختلفة فمنها باتون م48 و47و لم يكن في القوات المسلحة آنذاك إلا كتيبتي دبابات من نفس النوع أحداهما كتيبة الدبابات الثالثة والتي كانت متمركزة على المحاور الثلاثة وكتيبة الدبابات الخامسة احتياط في منطقة عمان .

فوجئنا برتل من الدبابات قادما من المنطقة الجنوبية على طريق الكرامة المثلث المصري بقصد تخفيف الضغط عن قواته على محور جسر داميا لتتمكن من الانسحاب بأقل الخسائر وكانت قوات العدو على هذا المحور تقدر بمجموعتي قتال .كانت خسائر العدو كبيرة في الافراد والاليات اما خسائرقواتنا فهي استشهاد 3افراد وتدمير دبابة من فصيل الحجاب .

اما بالنسبة لمحور جسر الملك حسين-غور نمرين-الشونة الجنوبية فكان المسؤول عن هذا المحور سرية الدبابات الثالثة من نفس الكتيبة وكان لواء المشاه المسؤول عن المحور هو لواء الاميرة عالية حيث قامت القوات المعادية بالاقتحام السريع عبر جسر الملك حسين الذي سيطرت عليه متخطية بذلك قوات الحجاب وعند وصول القوات المعادية الى منطقة الشونة الجنوبية تم التعامل معها من قبل فصائل الدبابات الموجودة في منطقة وادي شعيب من الاسفل بالقرب من قصر العدوان واوقعت بالقوات المعادية خسائر جسيمة حيث استبسل قسم من افراد هذه السرية بالدفاع ومقاومة الدبابات الاسرائيلية وتدمير قسم كبير منها وكالعادة قام العدو بدفع قوات جديدة لتعزيز قواته الامامية والاندفاع عبر محور الشونة-وادي شعيب-السلط الا ان اصرار فصيلي الدبابات على المقاومة الشرسة حال دون تحقيق العدو لهدفه واذكر هنا ما قام به المرشح عارف الشخشير قائد فصيل الدبابات المتمركزة بجانب قصر(ابن عدوان)حيث قام بالرماية بنفسه على مدفع دباباته ودمر قسما من دبابات العدو الا انه جرح وتم اعطاب دباباته فقام بالقفز الى دبابة اخرى وهو جريح وقام بالرماية الى ان دمرت الدبابة الجديدة واستشهد فيها وذلك رغم حداثته بالخدمة العسكرية التي لم تتجاوز الثلاثة اشهر في هذه الوحدة وهنا قام لواء الاميرة عالية بتشكيل مجموعات قنص دروع من افراده تسللوا عبر الوادي وتعاملوا مع الدبابات الاسرائيلية الموجودة في الشونة وهذا مما حدا بالعدو للانسحاب الى الخلف باتجاه غور نمرين بعد ان دفع برتل من الدبابات عبر الطريق الرئيسي الشونة –الكفرين –قهوة حنا وهو طريق ناعور البحر الميت وكذلك قام بدفع رتل اخر باتجاه بلدة الكرامة فتصدت لها احدى فصائل الدبابات من نفس سرية محور وادي شعيب-فابلت هذه الفصيلة بلاء حسنا بتدمير اكثر من رتل من دبابات العدو الى ان استشهد قائد الفصيل المرشح سالم الخصاونة وأمار الدبابات وهم الرقيب حميد صدف العريف محمد الرقاد الرقيب اسماعيل يالو .

بالإضافة إلى دفع اللواء لمجموعات قناصي الدروع ومقاومة فصائل الدبابات على هذا المحور إلا أن كثافة الهجوم على هذا المحور كانت كبيرة حيث قدرت قواته بلواء زائد مما حدا بالقيادة العامة لقواتنا المسلحة بدفع سرية دبابات من احتياط الجيش (الدبابات الخامسة) حيث وصلت هذه السرية وقامت بالتصدي للقوات المعادية أيضا حيث استشهد قائد الفصيلة الأمامية من هذه السرية المرشح راتب البطانية ومن جهة أخرى تم تدمير جزء كبير من قوات العدو المهاجمة وبقي قسم منها في ارض المعركة تم الاستيلاء عليها من قبل قواتنا المسلحة وأخذت غنائم حرب .وعلى هذا المحور قام العدو بإنزال حمولة ثلاث طائرات هيلوكبتر هابطين حيث هبطت الى الجهة الشرقية من بلدة الكرامة وقام أفراد الكوماندوز الاسرائيلي باقتحام البلدة الا انهم لم يجدوا احدا بها حيث اخليت من السكان والعناصر الاخرى قبل يومين من بدء الهجوم الا انهم قاموا بتدمير بعض المباني والمقار .

اما محور جسر الامير عبد الله(سويمة-ناعور-)لم يتمكن العدو من الاختراق حيث لم يستطع بناء جسر عليه بسبب القصف المدفعي الكثيف والمركز على منطقة الجسر وحاول بذلك عدة مرات الا انه فشل عندها تابع رتل الدبابات المندفع من الشونة السير باتجاه الجنوب بعد ان قام بالتعامل مع فصائل دباباتنا المتركزة هناك وبعد ان قام بتدمير دبابة قائد السرية على اثرها اصيب قائد السرية بجروح بليغة عندها تمركزت سرية دبابات للعدو على مثلث قهوة حنا مما حدى بالقيادة العامة للقوات المسلحة بدفع سرية دبابات اخرى من احتياط الجيش تقدمت على محور ناعور البحر الميت ولقلة المعلومات تواجد العدو على هذا المحور مما اوقع قائد الفصيلة الامامية من سرية التعزيز في مرمى القوات المعادية حيث تم تدمير دبابته واستشهاد قائد الفصيل الملازم /1محمد هويمل الزبن وكذلك دفعت القيادة العامة مجموعات من مدافع ال106عبر المزارع الواقعة ما بين الرامة باتجاه مرتفع ناقص 206 وهو الطريق الرئيسي الشونة-الرامة-مثلث قهوة حنا 0

شهادة اللواء الركن المتقاعد شبيب ابو وندي

وكان يعمل ضباط ( ملاحظة) رصد أمامي على جسر الأمير عبدالله ومع سرية الحجاب، وعلى مرأى من العدو الذي يتحين الفرصة للانطلاق فيما كان البواسل من وحداتنا المرابطة قد أكملوا استعدادتهم ، ولديهم بكل شجاعة ودراية الإصدار والحزم على رد المعتدي ودحره مهزوماً خائباً ومكللاً بالخزي والعار.... ويضيف أبو وندي " كانت كل الدلائل تشير إلى أن الحرب واقعة لا محالة، من خلال مراجعتنا للتحركات غير الطبيعية ليلاً ونهاراً" وارتال الآليات وحركة القوافل القادمة بين جهة النبي موسى أو البقيعة باتجاه اريحا والبحر الميت ، وكانت حسب التقديريات التي توقعناها بعد أن تكاملت في منطقة حشد العدو بحوالي فرقتين+ قوات المظليين وهي القوات الضاربة .....

وكما توقعنا كان موعد الهجوم مع الضوء الأول، وقد سمعت اصوات الرماية في منطقة جسر الملك حسين وكانت رمايات متعددة ثقيلة ورماية مدفعية على الفور دخلت الخندق وتفقدت الاتصالات ، وتابعت التحركات المعادية وحشود العدو، وأول ما شاهدته سيارات 3 طن تحمل جسوراً مفككة وفي مخاضة المياه حضيرة هندسية تعمل لقياس مستوى الماء وعمقه، مررت هذه المعلومات للقيادة الأعلى ، وفي نفس الوقت خرجت صلية رشاش معادية من العدو، وجاءت الأوامر على الفور بالرماية وفتح النيران التي بدأتها الدبابات لتشعل النيران والحرائق وبدأت أشاهد الاصابات ، وطلبت رماية المدافع على أحد الأهداف المسلجة وكانت الرماية دقيقة 100% وبدأت الاحظ اختفاء العدو نتيجة لكثافة النيران ، هنا بدأ القصف الجوي الاسرائيلي ليعاود العدو نشاطه وبمحاولة تجسير ثانية تصدت لها قذائف المدفعية وكان الالتحام الذي منع الطيران من القدوم نتيجة لمرحلة الاشتباك وبالتالي تمكنت المدفعية من حسم الأمور لجانبنا وانقطع الاتصال بين ضابط الملاحظة الامامي ( م1 أبو وندي ) والكتيبة، وفي هذه اللحظات حسب ابو وندي بأن الكتيبة قد قرأو الفاتحة علينا، إلى أن تم إعادة الاتصال من جديد. وعاود ترمية المدافع على أهدافها. في هذه الحرب امتلك الأردنيون القدرة وسمو أهداف الحرب التي نتمسك فيها بشرف القتال ودوافعه والإصدار وبيان قدرة الجندي الأردني على انتزاع النصر والمحافظة على حقوقه ما يلي :

* برهن أبو وندي بذلك أنه استطاع ان يقرر حركة العدو بنيران المدفعية فيما فلوله تتراجع حالمة الفشل واليأس كما اراد ( أبو وندي ) برماية طلقات إلى يمينهم وأجبرهم على التوجه هروباً إلى اليسار وقام لتصحيح الرماية إلى اليسار واضطرت جموع العدو إلى الهروب إلى ما كانوا قد هربوا منه، والجنود الأردنيون يعلوهم السرور والتصفيق والضحك.... هذا العنفوان الذي كان في ذلك اليوم المشهود جاء نتيجة طبيعة للتدريب والالتزام بتطبيقا ما تعلموه في الميادين التدريبية .

* ومرة أخرى يتجلّى الشرف العسكري الأردني دفعة ويترفع عن كل الصغائر والرذائل التي يمارسها العدو فيقول أبو وندي شاهدت تجمعاً للآليات وحركة للجنود وسيارات الاسعاف في مخفر مستخدم للأمن العام الأردني قبل حرب حزيران 1967، وبعدما كنت قد سجلت معلوماته كهدف محدد للرماية ، إلا أن اكتشافي لسيارات الاسعاف حملني على صرف النظر عن رماية ذلك الموقع .....

اللواء المتقاعد أبو وندي بلغ من المواقع القيادية مواقع متقدمة ولديه خبرات متقدمة في التحليل الاستراتيجي فيقول أن فهمنا لطبيعة العدوان الاسرائيلي ونواياه، جعلنا على ثقة بأن النصر بايدينا وكنّا على ثقة تامة بذلك رغم نتيجة حرب 1967، وأوضحنا للجنود بأن تلك الحرب قد فرضت علينا ولم نعط الفرصة لخوض المعركة وليس لدينا الغطاء الجوي الكافي ، هذا من جانب وفي جانب آخر كان القسم لدى الجميع أن لن تتعدى النتيجة أمرين النصر أو الشهادة وقد بنيت الخطة الدفاعية بقوة واحكام ، مع الاستبسال الذي جعل أفراد المدفعية في الملاحظات الامامية يستخدمون الانيرجا والروكت لانشر من الأسلحة الأخرى لتدمير دبابات العدو وآلياته.....

واندحر "الجيش الذي لا يقهر" الذي اراد تغيير الواقع السياسي في المنطقة وفرض إرادته ، رغم تقوله أن هدفه تدمير قواعد المقاومة الفدائية ، ونحن بحسب أبو وندي باعتراف الضباط الاسرائيليين المشاركين في المعركة أن الهدف احتلال منطقة الغور والمرتفعات الغربية للأردن والسيطرة على عقد المواصلات وإبقاء المنطقة مغرولة على غرار ما حدث في جنوب لبنان، ولولا بسالة نشامى الجيش العربي لكانوا حتى الآن فيها، وإلاّ فما معنى حشد فيلق اسرائيلي (فرقتين ولواء مظليين)؟!

وكم مقاوم فدائي في الكرامة حتى تحشد له هذه القوات على أية حال ودون الالتفاف لأي تفسيرات أخرى كان هدف العدو احتلال الكرامة وإخراج الفدائيين، ومن ثم تطوير الهجوم لوضع عمان تحت مرمى النيران الاسرائيلية ، ويتلاقى ذلك مع قول لدايان يدين فيه نفسه على عدم استثمار الفوز في حرب 1967 واحتلال منطقة الأغوار الأردنية ، ونقول للجميع بما فيهم العدو أن ذلك يجعلنا نؤكد ذلك وبأننا " من فمه ندينه"

(العريف سليمان الحامد ) كان مدربا لدورة قانصي دروع استعد وزملاؤه لإجراء مناورة تدريبية إلا أن الأوامر صدرت لهم بالاستعداد للقتال وكانت الفرصة لتطبيق ما تعلموه عمليا في ارض الكرامة وتحت ظروف صعبة، كان يقود مجموعة دخلت الشونة كفرقة انتحارية داخل صفوف العدو تسللت إلى قرب دار البلدية وأطلقت قنبلة انيرجا على الدبابة الأولى فأصابتها وأشعلت فيها النار وانسحبت بسرعة إلى موقع آخر تنتظر مرور دبابة أخرى للعدو فاقتربت واحدة وعلى بعد خطوات أطلقوا عليها قنبلتي انيرجا وشاهدوها تنسحب وأصوات الاستغاثة تنطلق من داخلها عندها يقول الحامد:( شعرت بسخونة على جبيني وأسعفني زميلي بسرعة وخرجنا من مكاننا إلى مكان آخر بسرعة وشاهدنا دبابة أخرى تريد المرور عن الدبابة التي دمرناها فعالجناها من مسافة قريبة وانسحبنا إلى مكان قريب من مراكزنا الأمامية ووجدنا أمامنا سيارة 3طن أطلقت عليها طلقة انيرجا انفجرت في محركها وشعرت أن ذراعي الأيمن طار مني وحاولت الإمساك بالبندقية ثانية إلا أن يدي لم تطاوعني وشعرت بالدم يسيل منها وكدت أغيب عن الوعي ) ويذكر الحامد أنه طلب من زملاءه أن يبقوه في المراكز الأمامية حتى ينسحب العدو وقال له أحدهم: (ولا يهمك مدفعيتنا نازلة فيهم )وأفاق في المستشفى والممرضة تقول له (الله يعطيك العافية ) .

ymtodat@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد