من يخاف من هيلاري كلينتون؟ .

mainThumb

01-02-2008 12:00 AM

دخل سيرك انتخابات الرئاسة الأميركية مرحلة «النّمر» الساخنة مبكرا ...
الأمر الذي لا يصل الى هذه الدرجة من الإثارة عادة خلال المراحل الأولية ـ التمهيدية ـ المراحل التي يصفي فيها كل حزب مرشحيه ليستقر على واحد يخوض به المعركة النهائية.

في هذه المرحلة، وفي أية مرحلة تالية، لا يحب أحد من المعلقين أو المحللين الاميركيين أو حتى خبراء استطلاعات الرأي خوض مخاطرة التنبؤ بفوز مرشح بعينه بالجائزة الكبرى: البيت البيض.
فهذه تعد مخاطرة غير محسوبة العواقب، لا يخوضها إلا الحمقى الذين يعتقدون انهم اذا راهنوا على أحد الأحصنة وفاز فإن أسهمهم يمكن أن تصعد عاليا في هذه السوق. الكل يعرف أن التنبؤ ـ خاصة في مرحلة مثيرة ـ غير مضمون ويظهر صاحبه على درجة عالية من الحماقة سواء تطابقت توقعاته مع النتيجة النهائية للمعركة الرئاسية أو لم تتطابق معها. وكأن الرأي العام يجمع على أن الفوز بالرئاسة عملية عشوائية بلا مقاييس أو ضوابط، أو هي مقامرة على حلقة الروليت لا يمكن الجزم يقينا بالرقم الذي يقف عنده النرد.
ويظل الوضع على هذا النحو من المخاطرة أو المقامرة حتى اليوم المحدد للانتخابات الرئاسية الاميركية (الثلاثاء التالي للاثنين الاول من شهر تشرين الثاني بعد انقضاء أربع سنوات على الانتخابات السابقة).
هذه المرة استقر ذهني على أن أخالف القاعدة للمرة الاولى منذ أن دخلت انتخابات الرئاسة الاميركية حيز اهتمامي المهني... أي قبل نحو نصف قرن (...)
لدي من الاسباب ما يدفعني لان أضع النرد الذي يحمل صورة السناتور هيلاري رودام كلينتون على الروليت بثقة شبه يقينية بأنها ستكون الرئيس الرابع والاربعين للولايات المتحدة الأميركية. بتعبير آخر فإنني لا أرى هذه المرة أي بأس من أن أحتمل نتيجة هذه الحماقة المخاطرة أو المخاطرة الحمقاء ... مع وعد مخلص بأن لا أعود في حالة فوزها رافعا لافتة عليها عبارة : ألم أقل لكم؟ (ديجا فو).لا لن أفعل مدركا انه اذا تحقق حلم هيلاري بأن تكون أول امراة في التاريخ تحكم أميركا من البيت الابيض وأول امرأة تقيم في البيت الابيض بصفتين، أولا بصفة السيدة الاولى والثانية بصفة السيدة الرئيس والقائد الاعلى للقوات المسلحة الأميركية، وأول سيدة تتيح لزوجها أن يقيم في البيت الابيض لفترة رئاسة ثالثة على الاقل قد تمتد لرابعة.
بطبيعة الحال لن أستطيع أن أهرب من الاجابة على السؤال عما هي الدواعي أو العوامل التي تجعلني أقبل هذه المخاطرة بعد امتناع استمر زهاء نصف قرن وحتى حينما كنت أراقب الحدث عن كثب؟
(1) يكاد يكون من المؤكد (وهذه جملة بديلة عن غطرسة القول: من المؤكد) أن مزاج الناخبين الاميركيين يتجه الآن ديموقراطيا بعد سنوات رئاسة الجمهوري جورج بوش الصغير، سنوات الكذب والحرب والفشل العسكري والسياسي والاقتصادي وسنوات تقلص الحريات الى درجة غير مسبوقة منذ حقبة الكارثية القبيحة التي ليس هناك أميركي واحد مستعد للدفاع عنها.
( 2) اذا كان الرئيس القادم للولايات المتحدة ديموقراطيا فلا أحد يعادل هيلاري كلينتون في قوة الحضور السياسي والاعلامي والذهني والمالي. انها اختيار الديموقراطيين الاول إجمالا بنسبة 46 بالمئة مقابل 26 بالمئة للمرشح التالي لها في الترتيب باراك اوباما، وهي اختيار النساء المسجلات كديموقراطيات بنسبة 49 بالمئة مقابل 24 لأوباما، وهي اختيار البيض الديموقراطيين الأول بنسبة 48 بالمئة مقابل 22 لأوباما، وهي الاختيار الاول للديموقراطيين ذوي الميل المحافظ بنسبة 54 بالمئة و 28 لأوباما، وللديموقراطيين المعتدلين بنسبة 50 بالمئة مقابل ,30 وللديموقراطيين الليبراليين بنسبة 49 بالمئة و27 لأوباما، وللديموقراطيين الحاصلين على تعليم جامعي بنسبة 58 بالمئة مقابل ,25 وهيلاري هي اختيار الاميركيين الذين يربو دخل الفرد منهم سنويا على 75 ألف دولار بنسبة 35 بالمئة مقابل 31 لأوباما، وللديموقراطيين الذين يتراوح دخل الفرد منهم بين 40 ألفا و74 ألف دولار بنسبة 48 بالمئة مقابل ,25 أما الذين يقل دخلهم عن 40 ألفا للفرد فإنها اختيارهم الأول بنسبة 53 بالمئة مقابل 27 بالمئة لأوباما.
ويلفت النظر ان الناخبين الديموقراطيين الذين تزيد أعمارهم على 75 عاما يختارون هيلاري بنسبة 61 بالمئة مقابل 10 بالمئة لأوباما، والذين تتراوح أعمارهم بين 50 و64 عاما يختارونها بنسبة 47 بالمئة مقابل 20 بالمئة لمنافسها، والذين تتراوح أعمارهم بين 18 و49 عاما يختارونها بنسبة 44 بالمئة مقابل 36 لمنافسها.
(3) فرص الفوز للسناتور كلينتون تعادل 59 بالمئة مقابل 14 بالمئة للسناتور اوباما.
(4) نصيب هيلاري كلينتون من المساحات الورقية والزمنية للتغطية الإخبارية في وسائل الاعلام بأشكالها المختلفة هو الاكبر بين كل المرشحين. وهذا مؤشر له أهمية عالية في الحالات الانتخابية الرئاسية. وهو عامل ليس وثيق الصلة بالدعايات المدفوعة من قبل المرشح وتفوق هيلاري في هذا المجال ايضا ملحوظ بوضوح.
عددنا هذه العوامل وليس بينها عامل واحد يتعلق بالمرشحة كلينتون من نواحي قدراتها وثقافتها وخبراتها ومستوى ذكائها ودرجة احتمالها تحت ضغط الأزمات ...الخ. ذلك لان هذه الصفات الشخصية للمرشح لانتخابات الرئاسة الاميركية لا تلعب دورا حاسما في الاختيار، ليس لها تأثير كبير على الناخب بالمعنى الايجابي أو بالمعنى السلبي ... خاصة اذا قيس بالعوامل التي عددناها.
فتبقى العوامل الاخرى التي نهتم بها في الجانب الخاص بنا من الصورة. أعني الجانب العربي، وهي العوامل المتعلقة بدور الصوت اليهودي في انتخابات الرئاسة الأميركية. وأعتقد بدرجة عالية من اليقين أن تكالب المرشحين جميعا، وبالأخص المتنافسين الديموقراطيين كلينتون وأوباما، على كسب تأييد الناخبين اليهود يكاد يصل هذا العام الى نقطة يلغي عندها أهمية هذه الأصوات كعامل حاسم يصنع الفرق بين من يفوز ومن يخسر المعركة الرئاسية.
هيلاري كلينتون في حملة 2008 غيرها في حملة بيل كلينتون 1992 في ما يتعلق بالصوت اليهودي. في السابقة اتهمت بأن لها صلات بمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال منظمة كانت تراسلها معنية بالأطفال وفي الحملة الحالية تندفع بأقصى جهدها لتأييد إسرائيل. ولنتذكر أن بيل كلينتون كان قد أظهر الحماسة نفسها لإسرائيل في حملة ,1992 وعندما شكل إدارته أدخل فيها أكبر عدد من اليهود دخل إدارة أميركية، ولم يلبث أن قال عندما حميت معركة إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية وأعطاها معظم وقته ان اليهود في إدارته ينتمون في معظمهم الى حركة «السلام الآن» الاميركية الموازية للحركة الإسرائيلية التي تحمل الاسم ذاته. والتي تتبنى مواقف أكثر ما تكون اعتدالا إزاء الفلسطينيين ومطالبهم.
في عدد تشرين الثاني ـ كانون الاول (نوفمبر ـ ديسمبر) 2007 من مجلة «فورين افيرز» (الشؤون الخارجية التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية الاميركي، نشرت هيلاري كلينتون مقالا هو بمثابة بيانها الانتخابي بشأن السياسة الخارجية. وفيه شرحت مواقف قريبة للغاية من مواقف جورج بوش واسرائيل بشأن المسألة الفلسطينية وكذلك بشأن العراق وإيران وأفغانستان وباكستان. مواقف تعتمد القوة العسكرية الاميركية «كعنصر من عناصر استراتيجية شاملة. إنني كرئيسة لن أتردد أبدا في استخدام القوة لحماية الاميركيين والدفاع عن أراضينا ومصالحنا الحيوية». وتبنت هيلاري ما هو سياسة أقرب ما تكون الى سياسة بوش والمحافظين الجدد في إدارته الجمهورية في ما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي:
«ان العناصر الأساسية لاتفاق نهائي قد اتضحت منذ عام 2000 (إشارة الى ما جرى في آخر محادثات كلينتون ـ عرفات): دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية مقابل إعلان بأن الصراع قد انتهى، اعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ضمانات للأمن الإسرائيلي، اعتراف دبلوماسي بإسرائيل وتطبيع للعلاقات بينها وبين الدول العربية».
المعضلة هنا تكمن في أن اسرائيل واللوبي الصهيوني في أميركا ليسا على وفاق تام بشأن المرشح الذي ينال في النهاية كل الأصوات اليهودية وينجح. والانتخابات الحالية في الظروف المحيطة بها وفي اتجاهات المرشحين من الحزبين الكبيرين تجعل الاتفاق على وجهة الصوت اليهودي أصعب مما كانت في أي وقت. لدينا دليل مهم على هذا هو براك اوباما الذي تجاوز كل المرشحين في حرصه على طمأنة اسرائيل الى ولائه، تلقى في الأسبوع الماضي لطمة قوية من اللوبي الصهيوني: مذكرة سرية وزعت على طاقم اللجنة اليهودية الأميركية (أقدم منظمة لليهود الاميركيين) تثير شكوكا حول الطريقة التي سيتعامل بها أوباما مع سياسات الشرق الاوسط. ولوحظ أن وقت تسريبها جاء قبل ثلاثة أسابيع فقط من التصويت في الانتخابات الأولية في ولايات تتميز بأعداد كبيرة من اليهود بين سكانها: نيويورك ونيوجرسي وكاليفورنيا وماساتشويتس وايلينوي.
اضطر اوباما لإزاحة الظل الذي تلقيه هذه المذكرة على حملته ان يبعث برسالة إلى مجلس الأمن يقول فيها ان اسرائيل كانت مجبرة على أن تفعل ما فعلته في غزة وان على المجلس أن يدين إطلاق الصواريخ الفلسطينية عليها أو أن يخرس (...).
واذا ما أخذنا توقع فوز هيلاري كلينتون بالرئاسة الاميركية الى مداه، فلا بد أن نتوقع أن تتأثر سياستها الخارجية بالمسار الذي سار فيه بيل كلينتون. ليس فقط بحكم حضوره القوي الى جانبها انما بحكم انها طوال سنوات خبرتها بالعمل العام والسياسي أساسا شغلت بالشؤون الداخلية، في حين ان بيل راكم خبرات خارجية لها وزن كبير أثناء فترتي رئاسته وحتى سنواته كرئيس سابق. في هذا الاطار يمكننا أن نتوقع أن تكون مسيرة هيلاري في الشرق الاوسط أقرب ما تكون الى مسيرة بيل في محاولة لاستكمال ما لم يستكمله هو في سنوات رئاسته.
معنى هذا ان هيلاري ستضطر الى التراجع كرئيسة عن مواقف عديدة لها في السياسة الخارجية حددتها لنفسها كمرشحة. الامر الذي فعله بيل قبلها.

والسؤال الآن: من يخاف من هيلاري كلينتون؟
هل من سبب يدعو للخوف من الرئيسة كلينتون بالنسبة للسياسة الخارجية أكثر من غيرها من المرشحين الحاليين؟
والجواب: لا داعي للخوف. انما علينا أن نستعد من الآن لرئاستها وأن نحدد توقعاتنا وسبل الرد عليها أو الاستجابة لها. علينا على الاقل أن لا نكرر الخطأ الكبير الذي وقع فيه العرب الأميركيون من آل غور ودفعهم الى التصويت بما يشبه الإجماع لـ...جورج و. بوش.
يمكننا أن نحسبها على أساس أن هيلاري كلينتون تمثل أهون الشرين ونحن العرب لا نملك إلا هذا الحد من الاختيار ... شأننا في ذلك شأن الاميركيين أنفسهم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد