فندق الحنابلة في القاهرة

mainThumb

27-05-2008 12:00 AM

عدت للتو من القاهرة حيث الحديث المخملي في أروقة الفنادق المصرية لا يخرج عن قرار المستثمر السعودي الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم منع تقديم المشروبات الكحولية في واحد من أهم وأكبر فنادق القاهرة التي تتبع سلسلة استثماراته هناك.
وفي مصر، تحول قرار المستثمر السعودي إلى جدل إعلامي واسع في إطار لعبة ذكية هدفها الضغط على المؤسسة الرسمية لتتدخل في الموضوع بحجة رمزيته كواحد من أهم روافد السياحة، وكمنفذ تعيش عليه عشرات الأسر التي قد يفقد أربابها فرصة عمل من جراء هذا القرار. وصحيح أن الإعلام قد لا يستطيع الإشارة للقضية المشتعلة بأكثر من الخبر، إلا أنه يستطيع إثارة زوبعة حول قضايا ثانوية عن الاستثمار الأجنبي.

وقد قرأت بالأهرام صفحة كاملة لا علاقة لها بقرار المستثمر السعودي بمنع الكحول في فنادقه ولكنها تضرب تحت الحزام في قضايا جانبية تخص الفندق والممتلكات المعطلة من حوله، بل حتى عن الموقع الذي اعتبرته المكان الوحيد في مصر الذي يلامس النيل مباشرة، وهنا تحول الاستثمار الأجنبي إلى مسألة سيادية لأرض مصرية لا يجب أن تظل رهن إشارة وقرارات مستثمر أجنبي.

وبالنسبة للمستثمر السعودي فالأكثرية هنا أو حتى في مصر تحييه على قراره الشجاع، ودعك من شذرات الإعلام أو حديث نزلاء الفنادق، ولو أننا عرضنا الموضوع ذاته بمنع الكحول في استفتاء (مصري) لحصل على تأييد الأغلبية الساحقة. من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه. لكنني أكتب اليوم برهنه لبعض المواضيع الجانبية الشاردة التي تتحول أحياناً إلى مسألة سيادية وإلى جدل ثقافي.

ففي حديث جمعني مع واحد من أكبر الكتاب والمفكرين المصريين حين التقينا مصادفة في مدينة الإنتاج الإعلامي في طريقنا إلى بعض المحطات الفضائية، كان المفكر المصري يقرأ صفحة الأهرام آنفة الذكر. وبكل الحدة، حد الغيظ، لم ير المفكر المصري في القرار مسألة فردية تخص مستثمراً له الحق في توجيه نشاط ممتلكاته، بل كان يراه جزءاً من "الغزو الثقافي السعودي على دبابة الوهابية" وقد وضعت بين (القوسين) ذات جملته الصارخة.

كان يسرد شواهد الغزو الثقافي السعودي في الحياة المصرية بشوارد النقاب والحجاب والكتاب وتزايد المد السلفي عبر قوافل ملايين المصريين الذين عملوا بالمملكة، وبحسب قوله أصبحوا (كارثة نقل خفية). كان المفكر المصري يحذر من أن الموجة السعودية تبدأ بقطرة وأن قمة الموج ستعني كارثة سياحية لأن رأس المال السعودي يمتلك حزاماً من عشرة فنادق في منطقة النيل المركزية بوسط القاهرة.

وبالتأكيد فهذه نظرة لا تعكس المعادلات بقدر ما هي تصفية حسابات في رأس مفكر واحد أو حزمة إعلاميين كانت رؤيتهم لقرار المستثمر السعودي فرصة مناسبة لإثارة قضايا لديهم عبر افتعال وسيلة ظرفية. المفكر الذي يثأر لثقافة مصر لا يعرف أنه يهين هذه الثقافة من حيث لا يدري لأن سياحة مصر آثار وتاريخ وإنسان ومكان، ولكنه وهو البارز من الحجم الثقيل يختزلها في قارورة كحولية ويرى أنها في خطر وهو يقول مودعاً: إنه فندق الحنابلة في القاهرة.

*نقلاً عن صحيفة "الوطن" السعودية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد