الألف الذين نودعهم كل ساعة

mainThumb

03-06-2008 12:00 AM

يموت ألف إنسان من الجوع في كل ساعة، ورغم أن الفقر لا هوية له أو جنسية، إلا أن فقر زماننا يوشك أن ينحصر في لونين، الأسود والأصفر، في القارات الثلاث التي نكبت بمن امتصوا حتى نخاعها، ويبدو أن احصاءات الفقر في تصاعد لأن الخلل أساساً في المعادلة الكونية وليس فقط في الموجات المسعورة للغلاء.
فهل يخطر ببال أحدنا وهو يتجشأ ويعاني من التخمة وسوء الهضم بسبب الافراط في الأكل أن هناك بشراً يتضورون جوعاً حتى الموت، ولا تمضي دقيقة واحدة دون أن يرحل الكثيرون منهم بلا وداع، غير ذلك الوداع البارد الذي تمارسه الحواسيب؟

إنها غزارة الإنتاج وسوء التوزيع، لكن هذه العبارات التي تنسب إلى برنارد شو وجدت من يجعلها عادية ومألوفة، بعد أن تحول الفقر إلى وباء قد لا يسلم منه من أنتجوه، وهذه الحرب المسكوت عنها لا ينزف قتلاها قطرة دم واحدة، لأن علق الرأسمالية المتوحشة امتص دماءهم وهم أحياء.

فعن أي سلم أهلي واجتماعي يثرر من يعانون من فائض الثروة والوقت والرفاه؟ ان اندفاع هذه الظاهرة الكارثية وذات التمدد الوبائي قد يحول كوكباً برمته الى جحيم، بحيث ينشطر إلى سارق ومسروق وقاتل ومقتول، وتضيع حتى مساحة الأعراف بين فردوس الأغنياء وجحيم الفقراء، لأن الإنسان لا يعود آمناً على ما يملك إذا كان محاصراً بالأفواه الفاغرة والوجوه الصفراء من كل الجهات.

ولا ندري لماذا يحذف دهاقنة الإرهاب الفقر من تضاريس خرائطهم المعلقة على جدران غرف العمليات العسكرية، فالفقراء لم يلبوا رغائب من أكلوا لحومهم أحياء بحيث يتأقلمون مع الأمر الواقع بل مع الفقر الواقع، ولديهم أسئلة، دخلت الآن إلى طور المساءلات وقد تنتهي إلى ما لا يشتهي سادة الفقر وصانعوه.

إن واحداً من هؤلاء الألف الذين يموتون جوعاً في كل ساعة قد يكون على مرمى رغيف منا، وقد يكون ذا عزة نفسية تحول دون الاستغاثة، لكن من أصابتهم ملذات الحياة بالعمى، ووضعوا في آذانهم طيناً وعجيناً توهموا بأنهم قادرون على حراسة ما يملكون لكن مراجعة أولية لارتفاع منسوب الجريمة الاقتصادية، وتحديث أساليب السطو تناغماً مع تحديث أنماط حراسة الثروة تثبت على نحو حاسم بطلان النظرية الخرقاء التي تدعو إلى تكريس أوضاع العالم والتعامل مع التفاوت المأساوي كما لو أن قضاء وقدر ولا سبيل إلى التدخل في الأمر.

عشرات المؤتمرات والندوات تعقد تحت شعار محاربة الجوع لكنها تنفق من حصة الفقراء الذين يدفعون فواتير الطائرات والفنادق والأسواق الحرة، والهدايا التي يعود بها السمك الكبير وقد انتفخ بطنه من الأسماك الصغيرة.

إن قرع الأجراس لم يتوقف منذ زمن طويل، كي يتنبه العالم إلى هذه الكارثة وما ينجم عنها من أعاصير قد تعصف باستقراره المزعوم، خصوصاً بعد أن اتضح أن اقتصاد الصدقات ليس سوى جرعات من التخدير تخفي الألم وتتواطأ على أسبابه لكنها لا تعالجه على الإطلاق.
ألف إنسان يغادرون هذا العالم في كل ساعة من الجوع، فأي اعتذار يكفي؟ وأي غفران يرتجى؟

* نقلاً عن صحيفة "الخليج" الإماراتية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد