مؤسسة الزواج بين التشريع والتسليع!

mainThumb

15-06-2008 12:00 AM

ي?Zعتبر النظام الأساسي للحكم في المملكة الصادر عام 1412ه الأسرة نواة المجتمع، وقد أولت الدولة الأسرة هذه العناية باعتبارها المستهدفة بخطط التنمية والمرآة التي تنعكس عليها تلك الخطط وجميع العوامل الاقتصادية والدينية والثقافية والأمنية، ولهذا فإن التخطيط الاجتماعي الذي يُعنى بترجمة هذه المواد من النظام كفيل بأن يمارس كل أفراد المجتمع - انطلاقا من الأسرة - أدوارهم ومسؤولياتهم على شيء كثير من التوازن؛ نتيجة إحساسهم بالأمان النفسي والعاطفي مما تنعكس ثماره على المجتمع مباشرة. ولا شك أن مؤسسة الزواج من أكثر التكوينات التي تؤثر في صحة الأفراد نفسيا واجتماعيا.
جاء في المادة التاسعة من نظام الحكم "الأسرة هي نواة المجتمع السعودي، ويُربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية... واحترام النظام وتنفيذه وحب الوطن والاعتزاز به..." ونصت المادة العاشرة على حرص "الدولة على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية، ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم".

وإذا ما نظرنا في تطبيق هذه المفاهيم في منظومة الأسرة وجدنا كثيرا من الخروقات التي صارت شائعة بدرجة باتت تشكل خطرا على هذه المنظومة، فبعض الأشخاص يتمسك بالقيم وبالحقوق عندما تكون كلاما مرسلا، لكنه أول من يخل بها عند التطبيق، مما ينعكس على الأسرة ويثقل كاهل المجتمع نظرا لتشابكها وتعقدها واختلاط المدني منها بالديني والحلال بالحرام والحقوق بالعادات والتقاليد.

ويأتي على رأس هذه الإشكالات:

- الولاية على المرأة، حيث الولاية سلطة شرعية تمكن الشخص من التصرف في شؤون نفسه وغيره، وصورها كثيرة أهمها الولاية على النفس وتعني الإشراف المباشر على شؤون القاصر الشخصية كالتزويج والتعليم والتربية وغير ذلك. لكن هذه الولاية التي شرّعها الدين حماية للمرأة وصونا لحقوقها يستغلها بعض الرجال أسوأ استغلال، كإقدام بعض الأولياء على تزويج قاصرات لم يتجاوزن الثامنة من رجال طاعنين في السن طمعا فيما يقدمه عجوز لولي الفتاة من أموال، ومثله تزويج فتيات من محكومين بالقصاص، حيث لا يراعي الولي ما تقتضيه الولاية من حماية وصون لحق الفتاة في زوج صالح وزواج مستقر تتوفر فيه كل أركان الزواج الصحيح، فيقدم مثل هؤلاء الآباء على ما أقدموا عليه دون مساءلة أو محاسبة، وقد أوردت الصحف منذ أشهر خبر تنفيذ القصاص بسجين تزوج وهو في السجن وأنجب أطفالا أربعة وهو خلف القضبان، لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا في مجتمع يغلب حاجة السجين الجنسية، على مستقبل أطفال يولدون ويعيشون يتامى فاقدين حنان الأب وحبه وحمايته ووجوده في حياتهم، ذلك الوجود الذي يعني للأطفال الكثير حتى إن كان فقيرا أو ذا سوابق، وكانت بعض الصحف قد ذكرت كيف تلقى الأطفال من زميل لهم في أحد الأعياد قرب تنفيذ القصاص بوالدهم مما أحال عيدهم حزنا وبكاء، الأب قيمة كبرى في حياة أبنائه لا يعرفها إلا من فقدها، وما يحدث من مباركة لزواج المحكومين بالقصاص جريمة لن يغفرها هؤلاء الصغار عندما يكبرون!!!

- من الأولياء من يحجر على الفتاة فيمنعها من الزواج بذرائع مختلفة، وإن حدث وتقدمت الفتاة شاكية، فإنه قلما يحكم لها حتى وإن جاوزت الثلاثين من العمر، كما حدث مع إحدى الطبيبات! وفي الوقت الذي صدرت فيه فتوى بمعاقبة من يحجر على ابنته ويمنعها من الزواج، لم نجد مقابل ذلك فتوى تقضي بمعاقبة من يستغل ولايته فيسيء اختيار الزوج عندما يزوج قاصرات لرجال طاعنين في السن أو مساجين محكوم عليهم بالقصاص، وغيرهم ممن لا يصلحون لتكوين أسرة والقيام بأعباء الحياة الزوجية ومسؤولياتها، مما يشي بأن هذا الزواج لا غاية له سوى إشباع غريزة كهول أو محكومين بالقصاص ليغادروا بعدها الدنيا تاركين يتامى وأرامل في ميعة الصبا، فهل يعقل أن تكون ولاية الرجل على المرأة ولاية مطلقة ولا تنزع منه متى ثبتت إساءته للمرأة؟ خصوصا أنه لم يرد في القرآن أو السنة نص قطعي على أهلية الولي أهلية مطلقة!!

- تعدد الزوجات دونما حاجة تقتضيه واعتباره وسيلة لإشباع نهم الرجل الذي لا يشبع من التعدد فلا يكتفي بالأربع بل يتزوج ويطلق دون قيد أو شرط، حد الاستهانة بكرامة المرأة ومشاعرها، وجعل مؤسسة الزواج خاضعة لنزوات بعض ضعيفي الأنفس من الرجال الذين لا يقيمون وزنا للمرأة ولا يأبهون إلا بالتباهي بفحولة خرجت عن نطاق السيطرة فسلكت سبيل التعدد دونما سبب، وبلا مبالاة بمشاعر الزوجة الأولى وحقها في الاحترام ومسؤوليته تجاه أبنائه من الزوجة الأولى، أولئك الذين لديهم وفرة في التناسل وعقم في الوعي، سرعان ما يتناسى أبناءه من الزوجة السابقة بمجرد إنجاب الزوجة الجديدة، ويظل يمارس التعدد حتى يبلغ أبناؤه عددا لا يستطيع معه التمييز بينهم أو معرفة أسمائهم سوى بنسبتهم إلى أمهاتهم!

ويعج مجتمعنا بحالات من التعدد فاق إنتاجها من البنين والبنات الثلاثين فردا!

- هناك من يوصي بالتعدد ويعده علاجا لمشكلة العنوسة التي صنع معظمها الآباء تشددا وعضلا ومبالغة في المهور، ونسي أنه حين يحل مشكلة فتاة واحدة يخلق مشاكل للزوجة الأولى ولأبنائها لأن من عادة معظم المعددين عدم العدل في المعاملة والإنفاق والحب بين الزوجات وأبنائهن، ثم كيف يكون التعدد علاجا للعنوسة ومعظم الذين يعددون لا يتزوجون سوى صغيرات السن ممن هن دون العشرين، ولا يتزوجون أبدا من تجاوزت الثلاثين، بل إن بعضهم يتزوج من البلاد العربية لأسباب نعرفها جميعا، مما يؤكد أن من يجعل التعدد علاجا للعنوسة واهما أو متواطئا.

ليس ثمة ما يؤدي إلى التفكك الأسري بعد الطلاق سوى تعدد الزوجات الذي يباهي فيه المعددون حتى لو كانوا فقراء!

إضافة إلى ذلك فإنه يدعو الدولة إلى تقديم إعانة للفقراء حتى يعددوا الزوجات للمساهمة في حل مشكلة العنوسة، ولا أدري كيف يقترح مساعدة الفقير كي يعدد، لينجب مزيدا من المتسولين؟ وكيف يقترح ذلك والصحفلا تفتأ تورد قصص أناس يعانون الفقر والجوع والتشرد، وهؤلاء لا يقل عدد أبنائهم عن العشرة في معظم الأحوال كما يظهر في الصور!!! كيف يتجاهل من يدعو إلى ذلك قوله تعالى (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) فقدم المال على البنين لما له من أهمية في اكتمال تلك الزينة، ولو كان الأمر عكس ذلك لقدم البنين؟!! ولا أدري أيهما أكثر خطرا على المجتمع فتيات لم يتزوجن، أم أحداث يتقاذفهم المجهول لأنهم ولدوا لآباء فقراء يصارعون من أجل العيش؟ وبدلا من تعليمهم كيف يجتهدون لطلب الرزق كي يوفروا حياة كريمة لأبنائهم تكفيهم ذل المسألة، يُحسن لهم التعدد كي تتفاقم مشكلاتهم ويصبح من العسير علاجها!!!

- من الناس من يعتقد أن أعباء الزواج تقتصر على المهر وحفل العرس فقط فيحثون على إعانة الشباب الفقراء لمساعدتهم على الزواج، لكن هل تساءلوا ماذا بعد الزواج؟ وكيف سيعيشون؟ وأين سيسكنون؟ وثم يلبون مطالب الحياة الأخرى؟ قطعا هذه الأمور لا تعنيهم، فما يعنيهم هو أن يزوجوهم وربما زينوا لهم التعدد أما الباقي فعلمه عند الله. أليس الأولى هو السعي إلى توظيف العاطل منهم وتعليم الجاهل مهنة يكسب منها ثم بعد ذلك يفكرون في إعانته على الزواج؟ ألم يعط الرسول صلى الله عليه وسلم من أتاه سائلا درهمين قائلا اشتر بأحدهما طعاما وبالآخر فأسا فاحتطب وبع وهو خير من سؤالك الناس، أعطوك أم منعوك!!! لماذا نعطي الزواج كل هذه الأهمية دون أن نقدم قبله ما يعين على استقراره ونجاحه، ودون تكبيل الفقير بأعباء تزيد من معاناته وإحساسه بالهوان؟

- دعوة بعض الكتاب إلى كثرة الإنجاب لزيادة عدد السكان لأنه يرى في ذلك مظهر قوة لبلادنا! متجاهلا ما يترتب على ذلك من إشكالات في المجتمع الذي يعاني كثير من أبنائه وبناته بطالة، سببها تكدس ملايين العمالة الوافدة دون أن يرف جفن لأولئك المستفيدين من كثرتهم من رجال أعمال ومتسترين وغيرهم، كثرة السكان عن الحد الطبيعي قنبلة موقوتة ينذر انفجارها بأخطار كبيرة، ولعل لنا عبرة في الدول التي لديها كثافة سكانية عالية مع شح مواردها وعجز خططها التنموية عن رسم سياسات ناجحة، لمواجهة كل ما يعانيه أبناء بالمجتمع من إخفاقات سببها المباشر كثرة السكان. نحن لن نكون بمنأى عن الأخطار المرتبطة بالزيادة السكانية التي بدت مؤشراتها تظهر للعيان، من بطالة وفقر وغلاء معيشة وعدم امتلاك فئة كبيرة من المواطنين منازل! ولا يجوز أن نغترّ بثروتنا النفطية لأنها ثروة ناضبة، علاوة على أنه لن يكون بمقدورها الوفاء بمتطلبات التنمية متى تجاوز عدد السكان حده الطبيعي، لقد تجاهل من ينادي بذلك أن العبرة لم تكن يوما بالكم بل بالكيف، إن المبالغة في الإنجاب ستقودنا إلى مزيد من الفقر والبطالة وعدم فعالية خطط التنمية. ولا أدري ما علاقة كثرة السكان بالقوة؟ وما الذي يمكن أن تجنيه بلادنا من ذلك؟ وأما الذين يحتجون بالحديث (تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأقوام يوم القيامة) فأي عزة وقوة للإسلام في مجتمع يعاني أفراده الفقر والجهل وتستبد بهم الأمراض والعلل؟ كما نرى في كثير من أصقاع العالم الإسلامي، ألم يرو?Z عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير)؟ أليست القوة هنا تعني قوة العقل والجسد التي تجعله قادرا على ممارسة واجباته الدينية والدنيوية؟

- ويتصل بهذا الاستهانة بموضوع الزواج نفسه، حيث يتناسون الشروط الحافة به من الأهلية والقدرة على الإنفاق والمودة والسكينة والرحمة، فيجعلونه علاجا للمرض والانحراف النفسي والأخلاقي، إذ يلجأ بعض الأهالي إلى تزويج المدمن أو المريض النفسي أو الشاذ أو المتطرف اعتقادا منهم أن خلاصه وشفاءه يكمن في الزواج، فيجنون على إنسانة بريئة كل ذنبها أن أهل زوجها أخفوا عن أهلها حقيقة ابنهم في غمرة حبهم له وخوفهم عليه، لتكون ومن تنجبهم فيما بعد ضحية من ضحايا المجتمع الذي لا يعطي مؤسسة الزواج ما تستحقه من رعاية واهتمام. ومثل هذا تزويج المصابات بإعاقات ذهنية وعقلية فيجنون عليهن وعلى الأطفال الذين تنجبهم أم لا تعي حقيقة ما يدور حولها!! ويقرب من هذا النوع الذي استجد مؤخرا في مجتمعنا وهو تزويج القصر من الفتيان والفتيات، فبعد أن كان الآباء ينتهكون براءة بناتهم الصغيرات فيزوجوهن كبار السن، بدأ بعض الآباء يزوجون أبناءهم قبل سن البلوغ بحجة أن الأب وفي أنانية مفرطة يريد رؤية أحفاده قبل أن يتوفاه الله، وهو أمر غريب وزواج يتنافى مع كل شروط صحة لزواج، حيث يفتقد الزوج الأهلية التي تشرع هذا النوع من الزواج. هذا الزواج جريمة بحق الأطفال وانتهاك صارخ لحقوقهم، واغتصاب لبراءتهم، وتعد على إنسانيتهم.ولا أعلم إلى متى تستمر هذه الممارسات دون صدور قانون يحمى هؤلاء القصر.

أما ما انتشر في مجتمعنا من صور الزواج كالمسيار والمسفار والمصياف وغيرها، فهي الأنماط التي صار يُكثر من ممارستها ضعاف النفوس من الطرفين، احتيالا وتلاعبا وانتهاكا لكل ما شُرع الزواج له، هذه الزيجات تشكل خطرا على بناء الأسرة بل تنتهك أمن المجتمع لما يترتب عليها من مفاسد ومن استغلال وانتهاك لحقوق أطفال قد ينتجون عن علاقة غريبة كهذه.

ليس أسوأ ممن يدعي الدفاع عن الحق، فيما يتلوى من يقع تحت سلطته من شدة الظلم الذي يمارسه عليه ذلك المدعي.

*نقلا عن جريدة "الرياض" السعودية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد