حبي له عيب وحرام وما دون ذلك مباح وحلال

mainThumb

14-06-2008 12:00 AM

أشم عطر أخي. من أين جاءت الرائحة؟

كانت الشابة تقفز بمرح أمامنا وهي تراقص صديقتها في إحدى الحفلات النسائية، أنوثتها واضحة من خلال فستانها وحركاتها، أما الأخرى فحليقة الشعر ترتدي بزة رجالية بنية اللون بقميص أبيض وحذاء رجالي وقد أحاطت رقبتها برباط عنق ومعصمها بساعة رجالية أيضاً، في بداية الحفل ظنتها المدعوات رجلا، همت أعداد منهن بارتداء عباءاتهن. ثم تنهدت النسوة بارتياح بعد تأكدهن أن الدخيل أصله امرأة، وأن المشهد عادي ولم يعد غريباً على الوسط المجتمعي.

وهنا تكمن الغرابة، فـ (المسترجلات) قد فرضن على المجتمع المحلي تقبل وجودهن، وهن مسترجلات بجدارة إذ يقلدن ملابس الرجال ويطابقن طريقة وقوفهم وسيرهم وجلوسهم وحتى عطرهم وطرق سمرهم. كانت الفتاة التي شاهدتها (تجسد دور الرجل) تقلد رقصات الرجال بطريقة رائعة ومتماشية مع الموسيقى بشكل بديع.
وفيما عيناي متسمرتان على هذه الأنثى التي تحمل عبق أخي بملابسها الغريبة وحركاتها المثيرة مع الأنثى التي تراقصها، دنت مني سيدة أعرفها وقالت: انظري إلى فستان تلك التي في يمين القاعة، كله خلاعة..
قلت لها: بالعكس، لبسها حلو.
الله يهديكي.
لم تلتفت السيدة لمشهد اللواتي يرقصن، بل انتقدت الملابس (الخليعة) .
في وقت لاحق من الحفل، استمعت لإحدى الأمهات وهي تروي (تفضح) قصة حدثت للتو، فتاة تسللت من نفس الحفل مع صديق لها دون أن تنتبه أمها لذلك.. أخذت (تشرشح) الفتاة وكيف أن هذا عيب وحرام وما تستحي وسمعتها ....إلى آخر الموشح.
لم تعلق السيدات على مشهد اللواتي ترقصن، بل على فتاة خرجت مع حبيبها.. والخروج مع الحبيب يعني تلطيخ السمعة والخروج من الملة والدين والدنيا.
لكن الرقص مع الحبيبة شيء آخر.

تتسلل فتاة مع حبيبها وراء الأعين، فيما ترقص أخرى معه على المكشوف.
أعتقد أن ذلك تمييز.
كثير من المثليين والمثليات في الخليج يطالبون عبر الانترنت بحقهم في الجهر بميولهم، تنهرني رسائلهم كلما استضفت ببرنامجي من يصف ظاهرتهم، تطلب أن أكون إنسانة فأطالب بحماية حقهم في الاختيار.
لكني أتصور أنهم قد حصلوا على حقوقهم بشكل يغبطون عليه. أنا لا أستطيع أن أختار صديقاً وآتي به إلى حفل لأراقصه أمام السيدات وأفرض على مجتمعي تقبل الأمر، أما تلك الفتاة التي رأيتها فتمشي مع شريكتها وقد فرضت على الجميع احترامها وعدم المساس بسمعتها، كونها تمارس حقا مشروعاً مجتمعياً، حق مرافقة أنثى مثلها.
أرافق امرأة لأن الأنثى تعرف مطالب الأنثى، ولأتخلص من وجع راس الرجال، ومن ثرثرة أمي التي همها ألا أعرف رجالاً مطلقاً..
الرجل يعني وجع راس؟
طبعا وجع رأس. وبعدين الرجل هنا بس يأخذ حاجته منك يرميك.
كيف علمت هذه الصغيرة أن الرجل وجع رأس؟
هل يعني ذلك أن المثلية هنا ليست كالمثلية في بقية العالم؟ هل تسعى المرأة لمصادقة قرينتها هرباً من الرجل؟ من تلاعبه بعواطفها، تهرب للمحافظة على سمعتها؟
المثلية بين النساء من صنع الرجال إذاً؟ وماذا عن المثلية بين الرجال؟

أول صورة تكونت لدي عن هذا العالم كانت من زميلة دراسة جامعية، قررت العودة إلى قريتها لأنها لم تعد تحتمل سكن الجامعة حيث تقطن:
السكن مليء بطالبات أتين من القرى، لم تختلط الواحدة منهن بحياتها مع رجل غير الأب أو الأخ.. وممنوع عليهن الخروج من السكن إلا بشكل جماعي ومراقب. ممنوع التحدث عبر الهاتف إلا لحاجة..
فماذا فعلن بالطبيعة التي منحهن إياها الكون؟ التفتن لبعضهن وقررن ممارسة الطبيعة ولو بشكل مخالف.

إن لم يكن السبب بيولوجياً. أي طغيان الكروموسومات الأنثوية على شخص يحمل أعضاء ذكورية، أو طغيان الكروموسومات الذكرية على شخص تحمل أعضاء أنثوية.. فإن الأمر يتعلق بأسباب اجتماعية نفسية. وأتخيل أن بإمكان الرجل أو المرأة تغييب الكروموسومات المعاكسة لبيولوجيتهم وتنشيط الكروموسومات المماثلة للطبيعة البيولوجية لهم أو لهن.
فرويد كان يقول أن المرأة تغار من الرجل بسبب أعضائه التناسلية، ومع أني أرى بشاعة في وصف فرويد لنفسية المرأة من هذا المنطلق، لكني سأقتبس الجزء الأول منه وأقول أن المرأة قد تغار من الرجل بسبب وضعه ومكانته الاجتماعية، فإما أن تطالب بمكانة اجتماعية أرقى، وإما أن تختصر الطريق فتحاول تقليده في ملبسه وخشونته ومن ضمن محاولات تقليده الميل لمصادقة النساء.

من وجهة نظري فإن هناك كرهاً لا غيرة فقط قد تمت زراعته بين الجنسين، وأن هذا الكره قد يكون أحد عوامل ميل الرجل لأبناء جنسه وميل المرأة كذلك..
الحب حرام، الحب عيب، لا بد أن ترمقي من يوجه لك علامات الإعجاب بـ(تكشيرة) أن تصرخي بعلو حسك على الذئب الذي يتودد لك.. يرتاح جميع أفراد العائلة حين يعلمون أن الفتاة ليس لها علاقة برجل، أنها تسير وفقا لقانون العائلة.. منفصلة تماما عن مجتمع الرجال، وقد نجحوا في تأصيل الكره بينها والرجال.

أما الرجل فيقدس جسد المرأة المغري لكنه يكرهه في ذات الوقت لأنه يعتقد أن هذا الجسد سببا في الخطايا والذنوب. كما تعلم في طفولته بمدارس الذكور، والمرأة تهواه لكنها تخشاه فالمتوحش ينتظر منها أن تكشف عن ساقيها لينقض فينهش لحمها.. رغم أنها تسير شبه عارية في الغرب دون أن يضايقها الرجل. لقد اعتاد هناك على الجسد.. وهذه هي الفكرة أن يتحول الجسد لأمر تعتاده العين.. ألا يصبح الجسد عدواً للآخر فتكون النتيجة انتقامية (يرميك بس يشبع منك).

الاختلاط أمر يفرض نفسه علينا فرضاً من أجل أن تتم المصالحة بين الجنسين، من أجل أن يتعلم الرجل والمرأة مطالب بعضهما، العلاقات التي تتم بالخفاء بين الشبان والفتيات تفرض أن يعترف المجتمع بها لتهذيبها وتقويم أخطائها..
أما تصنيف الحب بين الجنسين في خانة الحرام والعيب فلن يقضي على العواطف والغرائز، فالحب لا بد ويجد له طريقاً، لأن النفس ميالة بطبيعتها للحب لا الكره.
لكن النظرية المحلية تقول أن الحب حرام، أن الاتصال بين ذكر وأنثى حرام، اللقطاء هم الحرام.. وما دون ذلك فحلال حلال..
سؤال ديني: هل على المرأة أن تتغطى أمام المثليات؟ وهل تكشف المثلية أمام الرجال؟.

*نقلا عن جريدة "الوقت" البحرينية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد