لا حاجة الى السحر لتغيير العالم

mainThumb

18-06-2008 12:00 AM

شكّل إسم "هاري بوتر" ظاهرة منذ بداية إنتشاره عام 1997. من لم يقرأ إحدى الروايات التي تحمل هذا الإسم أو كلها، لا بد أن يكون سمع بها أو سمع عنها أو عايش أشخاصاً، كباراً أو صغاراً، أوقع هذا الولد سحره عليهم فسلبهم قلوبهم وعقولهم الى حد أنهم متى أمسكوا بالكتاب لا يتوقفون عن القراءة الى ان ينهوه، ومتى علموا بموعد صدور رواية جديدة عنه تجمعوا امام المكتبات صفوفا طويلة في أي ساعة من اليوم ينتظرون لحظة شرائها ليدخلوا مجددا الى عالمه الغرائبي.
الهوس بهاري بوتر اجتاح العالم كله. صار ظاهرة روائية معولمة. ظاهرة نشر معولمة. ونعم، ظاهرة قراءة معولمة. نطق الانكليزية البريطانية أولاً ولكن سرعان ما "أتقن"- عبر الترجمة طبعاً- 65 لغة وصار بطلاً للكبار كما للصغار من أولاد جيله وإنتشر بالملايين، رواية تلو الاخرى، صدرت السابعة الاخيرة منها في تموز 2007، وظل ينتشر حتى أظهرت الارقام في نيسان 2008 ان مبيعات الروايات السبع كسرت رقم 375 مليون نسخة واليوم تقارب 400 مليون. ويواصل انتشاره ليس بالكتب فحسب بل بالافلام السينمائية التي تحقق أعلى المداخيل وبالالعاب والمشاريع الخاصة به. فما السر؟
الارقام لا تكفي لمحاولة فهم هذه الظاهرة، ذلك ان هاري بوتر يبقى في النهاية شخصية روائية. أما هاري بوتر الحقيقي فهو جزء عميق من تلك المخيلة الاستثنائية التي انجبته وحملت بذور الظاهرة: جوان كاثلين رولينغ، المعروفة أكثر بتوقيعها ج. ك. رولينغ، التي شكّلت مخيّلة جيل من أولاد صاروا شباباً وعبثت بمخيّلة كثيرين آخرين ولا تزال، باصطحابهم الى عالم خاص يتحقق فيه ما لا يتحقق في الواقع. وهذا ما فعلته مجددا في احتفال تخريج صف 2008 من جامعة هارفرد بعدما اختارتها الجامعة أولاً لتمنحها دكتوراه فخرية في الآداب لما حققته على المستوى العالمي وخصوصاً "ايقاع الملايين في سحر القراءة" وثانيا لتكون خطيبة الاحتفال.


2

ظننت وانا انتظر مع نحو 20 الفاً حضروا في باحة الجامعة ان رولينغ ستطل علينا بعصاها السحرية محاطة بكل السحرة الصغار ومكانسهم الطائرة لتأخذنا في رحلة الى عالم غير مألوف. والواقع انها فعلت ذلك ولكن من دون ادوات السحر هذه. اختارت موضوعا غير مألوف تخاطب به المتخرجين: "الفوائد الجانبية للفشل وأهمية المخيلة". لماذا الفشل وليس النجاح مثلاً في لحظة يحتفل فيها شباب من جيل هاري بوتر بنجاحهم؟ رولينغ روت قصتها للاختيار. لم تتكلم عن هاري بوتر بل استحضرت تجارب فتحت عينها على معنى الحياة وقيمة الانسان وجعلتها ما هي عليه. تجارب ليست استثنائية بل يعيشها كثيرون كل يوم، لكن إستفادتها منها أعطتها بعدها الإنساني الأعمق.
قالت الكاتبة التي وضعت اولى قصصها وهي في السادسة من العمر انها امضت النصف الاول من حياتها الى ان تخرجت من الجامعة وعمرها 21 عاماً تحاول ان تجد توازناً بين طموحها وما يتوقعه منها الاخرون، واليوم وقد بلغت الـ42 تعتبر تلك التجربة غير مريحة. "كنت مقتنعة بأن الشيء الوحيد الذي أردته دوماً هو أن أكتب روايات. لكن والديّ، وكلاهما جاء من خلفية فقر ولم يدخل الجامعة، كانا مقتنعين بأن مخيّلتي الواسعة جداً هي ميزة مسلّية ولكن لا يمكن أن تسدد قرضاً أو تضمن تقاعداً. كانا يأملان في أن أحصل على شهادة تؤمن لي مهنة وأنا أردت أن أدرس الأدب الانكليزي. توصلنا الى تسوية لا اعتقد اليوم انها أرضت أحداً. ذهبت الى الجامعة لادرس اللغات الحديثة ولكن ما أن ذهب والدي حتى تخلّيت عن الالمانية لأدرس الأدب الكلاسيكي. ولا أذكر انني أخبرتهما بذلك. ربما علما بالأمر للمرة الاولى يوم تخرجي (...)
أحب أن أوضح هنا، بين قوسين، أنني لا الوم والديّ على وجهة نظرهما. هناك تاريخ لانتهاء صلاحية لوم أهلكم لدفعكم في الاتجاه الخاطئ. ثم لا أستطيع ان أنتقدهما لأنهما تمنيا ألاّ اختبرالفقر. كانا فقيرين واتفق معهما على ان الفقر ليس تجربة مشرّفة. الفقر يستتبع الخوف والضغط وأحيانا الكآبة. الفقر يعني آلاف المذلات


3

الصغيرة والضيق. الخروج من الفقر بجهودكم الشخصية هو بالتأكيد أمر يمكنكم أن تفخروا به، ولكن لا يمجّد الفقر الا الحمقى".
على هذه الخلفية قالت إن أكثر ما كانت تخشاه يوم كانت في عمر المتخرجين لم يكن الفقر بل الفشل. وإذ ذكّرتهم بحقيقة أن تخرّجهم من هارفرد يفترض أنهم لا يعرفون الفشل جيدا، أضافت أن الخوف من الفشل قد يحركهم بقدر رغبتهم في النجاح وأن مفهومهم للفشل قد لا يكون بعيدا عن مفهوم الانسان العادي للنجاح. و"في النهاية علينا أن نقرر ما هو الفشل بالنسبة الينا، لكن العالم أيضا جاهز ليعطيكم مجموعة من المقاييس اذا سمحتم له بذلك".
بدأت القصة. قالت رولينغ إنها بكل المقاييس التقليدية فشلت فشلاً ذريعاً في السنوات السبع التي تلت تخرجها، "زواج قصير على نحو استثنائي. كنت عاطلة عن العمل وأم وحيدة وفقيرة الى حد ما يمكن أن يعنيه الفقر في بريطانيا الحديثة من غير أن أكون بلا مأوى. مخاوف والدي تحققّت، وكنت بأي مقياس عادي أجسّد أكبر فشل عرفته. لن أقف أمامكم لاقول إن الفقر أمر مسلّ. تلك الفترة من حياتي كانت مظلمة ولم تكن لدي أدنى فكرة عن أنه سيكون هناك ما تسميه الصحافة نوع من الحل السحري. لم تكن لدي أدنى فكرة كم سيمتد النفق والى متى. أي ضوء في آخره كان أملا أكثر منه واقعاً.
اذاً، لماذا أتكلم عن فوائد الفشل؟ ببساطة لان الفشل يعني التخلص من كل ما هو غير جوهري. توقفت عن الادعاء لنفسي انني أي شيء غير ما أنا فعلاً، وبدأت أركّز كل طاقتي على انجاز العمل الذي يعنيني. وربما لو كنت نجحت في أي شيء آخر، لما وجدت عندي التصميم على النجاح في المجال الذي آمنت أنني أنتمي اليه. تحررت لأن خوفي الاكبر تحقق وكنت لا أزال حية ولا تزال عندي ابنة أحبها كثيراً ولدي آلة كاتبة قديمة ولدي فكرة كبيرة. هكذا تحول القعر الصلب أساساً أعيد بناء حياتي عليه.


4

قد لا تفشلون على النطاق الذي فشلت فيه لكن بعض الفشل في الحياة حتمي. يستحيل العيش من دون فشل في شيء الا اذا كنتم تعيشون بحذر الى درجة كأنكم لا تعيشون. وفي مثل هذه الحال تكونون فشلتم أيضاً.
الفشل منحني أماناً داخليا لم أحققه بنجاحي في الامتحانات. الفشل علمني أشياء عن نفسي لم أكن لاتعلمها بطريقة أخرى. اكتشفت أن لدي ارادة قوية وإنضباطاً أكثر مما توقّعت، واكتشفت أيضاً أن لدي أصدقاء لا يقدّرون بثمن. وعندما تدركون أنكم خرجتم من النكسات أقوى وأكثر حكمة فهذا يعني انكم ستكونون بعد ذلك اكثر اطمئنانا الى قدرتكم على الاستمرار. لن تعرفوا أنفسكم حقا أو قوة علاقاتكم إلا في المحن. هذه المعرفة نعمة حقيقية بكل الالام والمرارات التي ترافق اكتسابها. وهذه تعني لي أكثر من اي شهادة نلتها. ولو كان هناك ما يعيد الزمن الى الوراء لاخبرت نفسي، ابنة الـ 21، أن السعادة الشخصية تكمن في إدراك أن الحياة ليست جردة بممتلكات أو انجازات. الحياة صعبة ومعقدة وخارجة عن السيطرة الكاملة لقدرة أي انسان. والتواضع في معرفة ذلك يمكّنكم من اجتياز تقلّباتها”.
هذا في فوائد الفشل. فماذا عن أهمية المخيلة؟ قالت رولينغ: "قد تظنون أنني اخترت موضوعي الثاني، أهمية المخيلة، للدور الذي لعبته في إعادة بناء حياتي، لكن الواقع ليس كذلك تماما. فمع أنني سأظل أدافع عن أهمية قصص الخيال حتى اللحظة الاخيرة، فقد تعلّمت أن أقدّر المخيّلة على نحو أكبر بكثير. المخيّلة لا تعني فقط تلك القدرة البشرية الفريدة على تصوّر ما ليس موجوداً وتكون تالياً منبع كل الاختراعات والاكتشافات. المخيّلة، بقدرتها على التغيير والإلهام، هي القوة التي تمكّننا من التعاطف مع البشر الذين لم نعش تجاربهم.
احدى أهم التجارب في حياتي سبقت هاري بوتر وأثّرت كثيراً على ما كتبت لاحقا. هذا الاكتشاف جاء في شكل واحدة من أولى الوظائف التي عملت فيها. مع أنني كنت أهرب لكتابة القصص في فرصة الغداء، فإنني دفعت إيجار منزلي مطلع


5

عشريناتي من عملي في دائرة الابحاث في منظمة العفو الدولية في مقرها الرئيسي بلندن.
هناك في مكتبي الصغير قرأت حروفا كُتبت على عجل وهُرّبت من أنظمة توتاليتارية. رجال ونساء كانوا يعانون خطر السجن أو الإعتقال يريدون إخبار العالم الخارجي بما يحصل لهم. شاهدت صوراً لأشخاص اختفوا من دون اي أثر أرسلتها عائلاتهم وأصدقاؤهم. قرأت شهادات من ضحايا تعذيب ورأيت صورا لاصاباتهم. فتحت رسائل مكتوبة باليد لشهود عيان عن محاكمات عسكرية واعدامات وعن خطف واغتصابات.
العديد من زملائي كانوا معتقلين سياسيين سابقين. أشخاص اُجبروا على مغادرة بلادهم أو هربوا الى المنفى لأنه كانت لديهم "وقاحة" التفكير بالاستقلال عن حكومتهم. أما زائرو المكتب فبينهم من جاء ليعطي معلومات او ليحاول معرفة ما حصل لبعض من اضطر الى تركهم وراءه.
لن أنسى الإفريقي ضحية التعذيب. شاب في مثل عمري أنذاك صار مريضاً ذهنياً بسبب ما تحمّله في بلده. كان يرتجف عندما تكلم أمام كاميرا الفيديو عن الوحشية التي تعرّض لها. كان أطول مني بنحو قدم وبدا هشاً ضعيفاً مثل ولد. كُلّفت أن أرافقه الى محطة القطار لاحقا. هذا الرجل الذي دمّر الإجرام حياته أخذ يدي بلطف وتمنّى لي مستقبلاً من السعادة.
وما حييت سأذكر انني كنت أمشي في ممر خال عندما سمعت من خلف باب مقفل صرخة وجع ورعب لم أسمع مثلها مذذاك. فُتح الباب ومدّت الباحثة رأسها وطلبت مني أن أُسرع في تحضير شراب ساخن للشاب الجالس في الغرفة معها. كانت قد أعلمته للتو بأنه ردا على معارضته المعلنة لنظام بلاده اعتقلت والدته واُعدِمت.
كل يوم من ايام عملي مطلع عشريناتي كنت أتذكر كم انا محظوظة لان أعيش في دولة لها حكومة منتخبة ديموقراطياً حيث التمثيل القانوني والمحاكمات العلنية


6

حق للجميع. كل يوم رايت دليلاً اضافياً على الشرور التي يوقعها الانسان بالانسان ليستحوذ على السلطة او يحافظ عليها. بدأت أعيش كوابيس، كوابيس حقيقية عن بعض ما أشاهده أو أسمعه أو أقرأه.
ومع هذا تعلمت أيضاً عن الخير في منظمة العفو الدولية أكثر مما تعلمت من قبل. منظمة العفو الدولية تعبئ ألوفاً من اشخاص لم يسبق لهم أن عانوا التعذيب او الإعتقال بسبب معتقداتهم للعمل من أجل الذين عانوه. قوة التعاطف الانساني التي تؤدي الى عمل جماعي وتنقذ أرواحا وتحرر معتقلين. أشخاص عاديون ممن يتمتعون بعيش آمن يتضامنون بأعداد كبيرة لانقاذ أشخاص لا يعرفونهم ولن يلتقوهم. مساهمتي الصغيرة في هذه العملية كانت من اكثر التجارب التي الهمتني واشعرتني بالتواضع. فعلى عكس اي مخلوق آخر على هذه الارض، يمكن الانسان أن يتعلم ويفهم من غير أن يختبر. يمكنه أن يضع نفسه في أذهان الاخرين ويتخيّل نفسه مكانهم. طبعا هذه قدرة حيادية من نوع السحر الذي أتخيّله. يمكن المرء أن يستخدمها للسيطرة على الاخرين والتلاعب بهم بقدر ما يمكنه أن يستخدمها لتفهّم الآخرين والتعاطف معهم".


المشكلة؟

"كثيرون يفضلون ألاّ يشغّلوا مخيّلتهم على الاطلاق. يختارون البقاء في حدود تجاربهم غير آبهين بالتفكير في ما كانوا سيشعرون به لو ولدوا غير ما هم. يمكنهم رفض سماع صراخ أو النظر الى داخل الاقفاص. يمكنهم ايضا اقفال اذهانهم وقلوبهم في وجه اية معاناة لا تمسهم شخصيا. يمكنهم رفض أن يعرفوا.
قد يستهويني أن أحسد أناسا يعيشون كذلك، إلا انني لا أعتقد أن لديهم كوابيس أقل من كوابيسي. فاختيار العيش في مساحات ضيقة يمكن أن يؤدي الى رهاب الأمكنة وهذا يولّد رعبه الخاص. أعتقد أن الذين يرفضون تشغيل مخيّلتهم يرون وحوشا أكثر. وهم في غالب الاحيان أكثر خوفا. ثم ان من يختار ألاّ يُظهر تعاطفا، قد يساهم في تمكين الوحوش الحقيقية، لأنه حتى من غير ان نرتكب عملاً شريراً بأنفسنا فاننا من خلال لامبالاتنا نتواطأ مع الوحوش".
وخلاصتها اننا "لا نحتاج الى السحر لكي نُغيّر العالم. اننا نحمل كل القوة التي نحتاج اليها، لذلك في داخلنا: لدينا القدرة على ان نتخيل بشكل افضل".
اذاً، هذه هي الخلطة السحرية التي أوجدت "الفكرة الكبيرة": ادراك جوهر الحياة واستخدام المخيّلة للتغيير. من هنا يبدأ الحديث عن الظاهرة التي اسمها هاري بوتر. هاري هو الخلطة وسحره هو القدرة على التغيير بطريقة خلاّقة. ولا عجب ان تكون الرواية وصلت الى قلوب الكبار كما الصغار. رولينغ خاطبت الاولاد بمخيلتهم كي تماثل كل ولد مع هاري. لكنها خاطبت ايضا الولد في داخل الكبار الذين غالبا ما يرفضون الاقرار بالفشل بل غالبا ما يقاومون التغيير لئلا يخاطروا بإمكان الوقوع في الفشل، فأحيت فيهم او ربما في مخيلتهم وحدها انهم قادرون على التغيّر والتغيير.
ومن هنا ايضا يبدأ الحديث عن "الفوائد الجانبية" لهذه الخلطة السحرية.
رولينغ التي حصلت على ثلاثة الاف استرلينية عام 1995 في مقابل العقد الذي وقّعته لنشر الكتاب الأول "هاري بوتر وحجر الفلاسفة"، تحوّلت في عشر سنين من انسانة فاشلة فقيرة الى انسانة ناجحة صارت الأولى تملك ثروة تجاوزت مليار دولار من تأليف روايات. وهي تخصص مبالغ كبيرة جدا من هذه الثروة لخدمة قضايا اجتماعية وطبية من اجل تخفيف المعاناة.
الا ان هناك كثيرين غيرها جنوا ثمار سحرها. فبالنسبة الى الناشر البريطاني "بلومزبري" والناشر الاميركي "سكولاستيك" لا يزال هاري بوتر هو العملة النادرة. كانت اولا الترجمة من الانكليزية البريطانية الى الانكليزية الاميركية نظرا الى اختلاف بعض الكلمات والعبارات، ثم الى عشرات اللغات من الفرنسية الى العربية ومن البنغالية الى الصينية والكورية والتركية والاوكرانية والافريكانية والالبانية وغيرها. بل حتى الى اللاتينية واليونانية القديمة. وتاليا كان الإنتشار العالمي الى حد أن الكتاب الأخير نزل في أسواق 90 دولة في وقت واحد وحطّم الرقم


7

القياسي لهاري بوتر السادس فباع في اليوم الاول 11 مليون نسخة في اميركا (3،8) وفي بريطانيا (7،2) فقط وسط اجواء وصفت بالهستيرية وخصوصا في أميركا حيث قيل إن انتظار الكتاب السابع كان أشبه بالزيارة الاولى التي قام بها فريق البيتلز لأميركا في الستينات. وحتى قبل حلول موعد عرضه في المكتبات اعلنت المكتبة الالكترونية "أمازون" انها باعت اكثر من نصف مليون نسخة متقدمة منه مما جعله الكتاب الاكثر مبيعا لديها قبل صدوره. وفي دول مختلفة من العالم كان الهوس مماثلاً. ففي الصين مثلاً ارتفعت المبيعات بنسبة 226% مقارنة بالكتاب السادس. كل هذا إنما يدل ليس على الولع بالرواية فحسب، بل على أهمية هاري بوتر للناشر نفسه. ففي عام 2006 الذي لم يصدر فيه كتاب جديد لهاري بوتر انخفضت أرباح بلومزبري بنسبة 74%.
وانتقلت الفوائد أيضاً الى صناعة السينما. في 1999 باعت رولينغ حقوق الكتاب الاول بنحو مليوني دولار وحتى الان أنجزت خمسة افلام فيما السادس سيعرض في الصالات في تشرين الثاني من هذه السنة. أما السابع فاعلنت شركة "وورنر بروس" انه سيكون في جزءين الاول يعرض في الصالات في تشرين الثاني 2010 والثاني في أيار 2011. وحققت الأفلام الخمسة حتى الان أعلى المداخيل ولا تزال الافلام الاكثر ربحا في بريطانيا.
وانتقلت الى الالعاب الالكترونية. فهناك حتى الان سبع العاب فيديو عن هاري بوتر تبيع بالملايين. وتكفي الاشارة الى انه في ذروة الظاهرة عام 2002 بلغت المبيعات من هذه الالعاب في بريطانيا وحدها 24 مليون استرلينية لتنخفض قليلا بعدها.
وقريبا سينتقل هاري بوتر رسميا الى اورلاندو في ولاية فلوريدا الاميركية حيث ستفتتح شركة "وورنر" أواخر 2009 حديقة باسمه تكون امتداداً لعالمه السحري.


8

ولكن يبقى الأهم بحسب الخلطة السحرية لرولينغ مما لا يحسب بالارقام، وهو دفع الملايين الى القراءة وخصوصا الاولاد وتغيير عادات القراءة لديهم. لا يشكك احد، حتى منتقدو هاري بوتر، في أن انطلاقته احدثت تغييراً كبيراً عند الاولاد فوق سن التاسعة. بدأوا يقرأون للمتعة في عالم كان يسرقهم سريعاً الى التلفزيون والكومبيوتر والعاب الفيديو. لكن الاراء بدأت تتفاوت لاحقا عندما اظهرت الاحصاءات الفيديرالية في أميركا مثلاً حيث استهلك القراء نحو ثلث المبيعات العالمية للرواية أن نسبة الشباب الذين يقرأون للمتعة تُواصِل تراجعها اللافت.
اذاً، هاري بوتر قد لا يكون غّير اتجاهات القراءة لدى الاولاد لكنه بالتأكيد أغرى نسبة كبيرة من جيل معين لقراءته حتى أولاد لا يقرأون عادة، مثلما ساهم في ايجاد طفرة في انتاج كتب الخيال. فقبل هاري بوتر مثلا لم تكن اختبرت المكتبات وجود صفوف طويلة من الأولاد امامها لشراء رواية. لم يكن مسموعا بهذا الامر من قبل أصلا. وقبل هاري بوتر مثلا كان الاولاد يقرأون كتبا سهلة من فصل واحد او فصلين، لكنه جعلهم فجأة يحملون كتابا معقدا نسبيا من مئات الصفحات مصممين على قراءته. وهذا اضافة الى الاحصاءات الفيديرالية دفع خبراء التعليم الى الاستنتاج أن بعض الاولاد ممن يقرأون انتقلوا من هاري بوتر الى روايات اخرى، اما الذين لا يقرأون عادة فإما أتعبهم حجمه وتخل?Zوا عن القراءة وإما فعلوا ذلك ما ان انتهت سلسلة الروايات. على أن المشكلة، في رأي هؤلاء، لا تكمن في هاري بوتر بل في النقص في روايات جذابة مثله للاولاد مما يزيد التحديات على المؤلفين والمكتبات معا.
بمعزل عن الانتقادات الكثيرة التي اعتبرت شعبية هاري بوتر نتيجة للترويج فقط ورفضته على أساس انه المرادف الادبي لفقدان التنوع في العالم بحيث يقرأ الجميع الكتاب عينه، يبقى الكتاب بل فكرة مؤلفته أعمق من هذه الانتقادات وقد قدمت به نموذجا عن خلطتها "السحرية" لفهم معنى الحياة. وكان النموذج ظاهرة كأنها تعبير عن جوع مثل جوع رولينغ الى عالم افضل يتحقق فيه بخلطة سحرية ما يعجز الانسان عن تحقيقه في الواقع لانه لا يبالي.


9

الواقع ان ما قالته رولينغ ليس بجديد، لكن فهمها لتجربتها وما تختزنه منها وما حققته من تغييرات بمجرد التعبير عنه في رواياتها، يستحق التفكير فيه مليا. فمن قال إن الفشل قدر؟
sahar.baasiri@annahar.com.lb  // النهار اللبنانية //



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد