حبوب منع الحرب

mainThumb

25-06-2008 12:00 AM

(1)
صادق مجلس الأمن مؤخراً بالإجماع على قرار يصنّف الاغتصاب المتعمد جريمة حرب وتهديداً للأمن الدولي.لكني قرأت هذا الخبر في بعض الصحف العربية تحت هذا العنوان: "مجلس الأمن يعدّ الاغتصاب تكتيكا حربياً"!للوهلة الأولى أو القراءة الأولى للعنوان سيظن القارئ، غير الفطن مثلي، أن مجلس الأمن يشرّع ويسمح للمتحاربين باستخدام الاغتصاب تحت ذريعة التكتيك الحربي، طبعاً من أجل المسارعة باتجاه السلام وإنهاء حالة الحرب! القارئ الفطن بالطبع لن يظن هذا الظن السيئ بمجلس الأمن مهما كان مخيفاً، لكنه سيجيّر الظن السيئ تجاه الصحيفة العربية ترجمة وتحريراً أو نحراً للقرار!
القارئ الأول، الطيب الذكر، سيذهب خياله العسكري بعيداً وسيبدأ في رؤية العالم العسكري الذي نرفل فيه الآن، وقد أصبحت جيوشه مكونة من القوات البرية والقوات الجوية والقوات البحرية وقوات الاغتصاب! وسيصبح ضمن ميزانية الذخيرة: القنابل والرصاص وحبوب منع الحمل. وستصنف الأخيرة طبعاً ضمن الذخيرة الدفاعية! وسيكون ضمن قوائم ضحايا الحرب: قتلى وأسرى ومغتص?Zبون.

(2)
ما الجديد في قرار مجلس الأمن؟ هل هو اغتصاب النساء أثناء الحروب، أم الإعلان والمجاهرة أمام الرأي العالمي بوجود هذه المشكلة الأزلية، لكن تزايدها وتفاقمها في زمن "العصر المتحضر" الذي نعيشه هو الذي دفع الى خروج مثل هذا القرار؟
العنف الجنسي ليس أمراً جديداً، فالنساء كنّ دوماً ومنذ القدم أهدافاً للحروب ورهائن في النزاعات التي يشعلها الرجال. ووفقاً لإحدى مؤسسات كتلة النساء من أجل السلام، فإن العدوّ لا يغتصب دوماً من أجل المتعة الجنسية، بل من أجل الظفر بالهزيمة المعنوية والنفسية لذوي المغتصبة. وهو ما يؤكده القائد السابق لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في إحدى مناطق النزاع المسلح من "أن الاغتصاب سلاح فعّال للغاية في أيدي المجموعات المسلحة وذلك لأنه يدمّر المجتمعات بشكل كامل. فأنت تعاقب النساء وتعاقب الرجال عبر ذلك أمامهن". هذه هي الحروب.. يشعلها الرجال ثم يطفئونها في بطون النساء!
لكن هذا القرار الصادر عن مجلس الأمن يجب أن يتوجه أولاً إلى قوات حفظ الأمن والسلام، فظاهرة ارتكاب قوات حفظ السلام لحوادث اغتصاب أصبحت تتنامى وتخيف الذين ن?Zف?Zذوا من اغتصاب قوات الحرب أن لا يقعوا تحت اغتصاب قوات السلام!
قامت الأمم المتحدة، كما يذكر أحد المواقع المتخصصة، بدراسة ظاهرة الاعتداءات الجنسية في مناطق الحرب، وقد خرجت بالأرقام المذهلة التالية:
- 90 في المئة من نساء ليبيريا تعرضن للاغتصاب، من دون تمييز بين كبيرة وصغيرة.
- 50 في المئة من اللواتي تعرضن للاغتصاب في الكونغو والبوسنة وكمبوديا تقل أعمارهن عن 12 سنة.
- 75 في المئة من النساء الموجودات في أحد معسكرات اللاجئين الذي تشرف عليه الأمم المتحدة تعرضن للاغتصاب خلال فترة الإقامة في المعسكر!
أي أن الاغتصاب ليس تكتيكاً حربياً فحسب كما فهم القارئ غير الفطن، بل هو أيضاً تكتيك من أجل السلام!

( 3 )
مهما يكن من تفريعات وشروحات على الهامش، فالقرار إيجابي ومهم وقد لا يدفع إلى إيقاف حالات الاعتداء على النساء في مناطق النزاع، لكنه سيدفع إلى تقليصها.
لكننا يجب أن لا نغفل، وأن لا تغفل من وقفت وراء هذا القرار، أن الاغتصاب لا يقع فقط ضد النساء، بل ضد الرجال أيضاً. فالفظائع التي شاهدناها في سجن أبو غريب وسمعنا عنها في سجن غوانتانامو لا يمكن تبريرها تحت أي ذريعة من ذرائع حفظ السلام أو مكافحة الإرهاب.
فهي جرائم إنسانية ارتكبها عسكر أو سجّانون أو محققون من أجل انتزاع اعترافات ومعلومات، أو حتى من منطلق الحرب النفسية ضد المعتقلين. وقد أشارت الباحثة الأميركية ناعومي وولف إلى الوثائق التي حصل عليها اتحاد الحريات المدنية الأميركي والتي تؤكد أن وزير الدفاع الأميركي السابق دونلد رامسفيلد كان، طبقاً لتعبيره الشخصي، يتفقد عمليات الإذلال الجنسي للسجناء.
يجب التأكيد هنا أنه ليس بالجنس وحده يتم الاغتصاب، فهناك اغتصاب الثروات الوطنية، وبالذات تحت طائلة الحرب كما يحدث في العراق. وهناك اغتصاب المقاومة الوطنية من خلال خلط المسمّيات بين المقاومة والإرهاب. وهناك الاغتصاب الفكري من خلال فرض ايديولوجية أو أجندة حزبية أو حركية وقمع ما سواها من الأفكار والقناعات والانتماءات أو اللاإنتماءات.
وأشد أنواع الاغتصاب، هو اغتصاب كرامة وحرية الإنسان في أن يكون كائن (أنا) لا أن يكون (أنت).
وكما ذكرت إحدى ناشطات حقوق الإنسان فإن اغتصاب النساء بشع.. لكن اغتصاب الرجال أبشع.
إذا اغتُصبت المرأة حملت بالجنين.. وإذا اغتُصب الرجل حمل بالجنون!

*نقلا عن جريدة "الحياة" اللندنية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد