معضلة السلام في الشرق الأوسط

mainThumb

28-06-2008 12:00 AM

تبقى الأولوية في أميركا لإسرائيل. معيار علاقاتها بالدول وتقييمها لسياساتها: إسرائيل. لا مشكلة في طبيعة النظام، فهو إذا كان نظاماً ديمقراطياً متنوعاً متعدداً متمسكاً بحقوق الإنسان رافضاً الإرهاب والاحتلال ملتزماً السلام خياراً وبالتالي مناقضاً للسياسة الإسرائيلية، فهو نظام غير مقبول لابد من تغييره تحت عناوين: الديمقراطية والحرية والانفتاح! وإذا كان نظاماً قمعياً دكتاتورياً متسلطاً لا يحترم حقوق الإنسان ويحمي أو يغذي قوى التطرف لكنه يحرص على أفضل العلاقات مع إسرائيل ويلبي كل متطلباتها، فهو نظام مقبول يحظى بالرعاية والحماية والتقدير والدعم!

آخر "إنجازات" السياسة الأميركية، قرار صادر عن مجلس النواب الأميركي بالإجماع يتهم الحكومات العربية بقمع الصحافة والرأي العام والتحريض على "معاداة السامية"! ويدعو الرئيس الأميركي إلى ربط المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لهذه الدول ببنود هذا القانون.
هل يتحقق سلام بالانحياز إلى عدو السلام؟ وهل ثمة جهد للوصول إلى حل من دعم إرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه إسرائيل وبالأسلحة والأموال الأميركية؟

المأخذ على وسائل الإعلام العربية: "إنكار المحرقة" والحضّ على العنف ضد إسرائيل. واتهم القرار الحكومات العربية، بما فيها تلك التي تساهم في الجهود الرامية إلى إحلال السلام في المنطقة، باستخدامها وسائل إعلام تابعة لها مباشرة أو مدعومة منها أو محسوبة عليها، لنشر خطاب متطرف ضد إسرائيل والشعب اليهودي، مما يعرقل تلك الجهود، ويؤثر على سعي الولايات المتحدة لحل الصراع العربي-الإسرائيلي ويجعل المهمة أكثر تعقيداً! إن في هذه المبررات كذباً وتجنياً على الحقيقة، فلا وسائل إعلام الحكومات العربية ولا الوسائل الإعلامية تمارس هذا الدور، بل الكل يحرص على عدم الإشارة إلى اليهود كيهود، وليس مسايرة، بل إنما لقناعة أو لتجنب حملات تؤدي إلى قطع بث هذه المحطة أو تلك فضائياً كما حصل مع بعض المحطات العربية لاسيما اللبنانية لجهة قطع بثها في أوروبا أو أميركا، في سياق ممارسة نوع من الإرهاب الفكري والإعلامي والانحياز الكامل لإسرائيل.

كذلك، لم ينكر أحد المحرقة، لكن الكل يتساءل: هل الفلسطينيون من ارتكب المحرقة؟ ولماذا لا يعاقب المسؤولون عنها؟ لماذا على الشعب الفلسطيني، وتحت عنوان الرد على المحرقة، أن يدفع ومنذ ستين عاماً الثمن تهجيراً وقتلاً وتدميراً لممتلكاته وسجناً ومجازر جماعية وظلماً وقهراً وإرهاباً وممارسات عنصرية ضده ولا أحد يعترف بحقوقه، بل تتوفر لإسرائيل كل أشكال الدعم لتنفيذ محارقها المفتوحة ضد الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً؟

ومن يصدق أن أميركا لم تتمكن من تحقيق السلام، أو من تحقيق تقدم على الأقل في "مجهوداتها" للبحث عن السلام في المنطقة بسبب وسائل الإعلام العربية؟ إنها الكذبة الكبرى.

في هذا القرار الأميركي تشكيك في أن أميركا تريد السلام وتسعى إليه، فهل يتحقق سلام بالانحياز إلى عدو السلام وإلى سبب المشكلة أي المُحتل؟ وهل ثمة جهد للوصول إلى حل من خلال التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، أو من خلال دعم إرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه إسرائيل وبالأسلحة والأموال الأميركية؟

أما كذبة الحرية والحرص عليها وعلى الصحفيين وحرية التعبير عن آرائهم، فهل ذكر القرار ما فعلته الإدارة الأميركية في العراق؟ كم من المراسلين والصحفيين والمصورين قتلوا هناك على أيدي جنود الاحتلال الأميركي؟ كم من تهديد وجّهه الرئيس الأميركي بقصف محطات إعلامية عربية فقط لأنها نقلت الحقيقة وعبرت عن آرائها وآراء المواطنين العرب؟ وكم من المحطات العربية استهدفت تهديداً أو تضييقاً من قبل الأميركيين وللسبب ذاته؟


وفي إسرائيل، كم من الناشطين قتلوا ومن بينهم أجانب وأميركيون تحديداً، وبعضهم سحلته الدبابات الإسرائيلية فقط لأنه رفع الصوت ضد الإرهاب والقتل والحصار والتشريد والسجن والعذاب الذي يعانيه الشعب الفلسطيني؟ فماذا فعلت أميركا؟ هل انتصرت لمواطنيها؟ هل انتصرت لحرية التعبير عن الرأي أم لحرية ممارسة الإرهاب من قبل إسرائيل؟
وفي لبنان، ماذا فعلت أميركا؟ وكيف عبرت عن التزامها قيم الحرية؟ لقد دمرت إسرائيل لبنان أكثر من مرة وأميركا كانت ولا تزال تحميها، من داخل مجلس الأمن إلى الجو والبحر والأرض من خلال توفير كل أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والمالي والعسكري والأمني! لم نسمع أحداً في أميركا يدين قصف إسرائيل لمراكز بث محطات التلفزة اللبنانية؟ ولم نسمع إدانة أميركية لاستشهاد عدد من الصحفيين والمصورين والمراسلين على أيدي جيش الإرهاب الإسرائيلي، فأين هي هذه الحرية؟ وأين هو هذا الحرص على حرية التعبير؟
مرة جديدة، تبدو الولايات المتحدة الأميركية كما لو أنها لا تريد السلام في المنطقة، ولا تريد الاعتراف بالحقائق والوقائع كما هي، ولا تتعلم من دروس وعبر التاريخ ومن تجارب إداراتها لاسيما الإدارة الحالية التي تنتهي ولايتها، بعد أشهر .

هذه الإدارة التي غيرت أكثر من مسؤول وفي أكثر من مناسبة على رأس الجسم الذي أنشئ لتغيير وتحسين صورة أميركا في العالم بعد أحداث أيلول 2001 واستمرت الصورة سوداء ومشوهة، يجب أن تدرك أنها لن تكون صورة مختلفة عن ذلك ما دامت لم تغير سياستها.

*نقلا عن جريدة "الاتحاد" الإماراتية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد