عهر الاسواق الاردنية ..

mainThumb

20-11-2009 12:00 AM

 محمد حسن العمري
-1-
يحكى انه في احدى قرى الشمال المشهورة بسرقة الدجاج من الاقنان – جمع قن وهو خم الدحاج- ، ضبط لص دجاج حديث عهد بالسرقة ، وهو متأبط اربع دجاجات بين ذراعيه ، رأسه داخل القم ورجليه في الخارج ، والناس تسحبه من رجليه وتضربه من قفاه ، والدجاج بين ذراعيه ، وهو يقول :" والله مش انا الحرامي!!"
، قام رجل مسن من بين المتربصين بالرجل ، قائلا :
" يا ابني انت رجل محترم ..احنا ما بنضرب فيك احنا بنضرب بحرامي الجاج اللي كمشناه..!!"
***
حصل معي ذات الشيئ في احدى اسواق الميجاماركت الكبيرة الواقعة بين الجامعة وصويلح ، كانت قائمة الاسعار المثبتة على البضاعة التي اشتريتها وعددها فوق العشرة ، غير الاسعار التي وردت عند المحاسبة بالفاتورة المطبوعة ، وبالطبع كانت غالبية الاشياء هي فوق الاسعار المثبتة ، وعلى الفور توترت واستدعيت مدير السوق ، وبدأت اجرد معه ثلاثة اشياء اطابق السعر مع السعر الوارد بين الفاتورة والاسعار المثبتة ، وفعلا بدا الشاب المشرف على السوق مرتبكا ، وهو يحاول ان يقدم لي رشوة مجانية ، قائلا : "جيبوا عصير ليمون للاستاذ خليه يهدي شوي" ، وعلى الفور قلت له : للاسف ردك كان اسوأ مما ارتكبت ، وصار يقول بالحرف :" احنا مش حرامية..وصاحب السوق لا يأكل حرام واسم السوق بدل على ذلك..!"
وعلى الفور انسحبت واخذت فاتورتي وقلت له بالضبط ، انا مضطر مع احترامي لموقفك وردك الاسوأ الى تقديم شكوى..!
وكان السوق نفسه قد احتال على الناس في شهر رمضان وعمل تخفيض قدره 10% على الموجودات بعد ان كان قد رفعها بذات النسبة ، ولكن بعد انتهاءرمضان وانتهاء فضل الشهر معه(!!) قام السوق بالغاء الخصم ولكنه ابقى على الاسعار المثبتة في نظام المحاسبة على السعر الاعلى ، فكانت الموجودات بسعر وقسيمة الشراء بسعر اخر..!
ولمّأ بدأت بالبحث في الصحف اليومية عما كان يسمى سابقا بشكاوى التموين لم اجد ذلك متاحا بل وجدت رقما اخر يسمى مراقبة الاسواق ، واتصلت به وافصحت عن اسمي كاملا مسجلا رقم هاتفي واخذ الرجل الذي رد علي كامل تفاصيل الواقعة ، وطلبت منه ان يتفضل ويعود للاتصال بي لاني مازلت احتفظ بقسيمة الشراء وانا مسؤول عما ورد في شكواي ، وغادرت البلد بعد اسبوع دون ان يحدث شيئ..!
-2-
لم تكن هذه الواقعة الوحيدة فثمة عهر واضح وتسيب ملكت الحكومة ناصيته للتجار حيث يغيب الضمير والخلق والانتماء ، سلمت عهر الاسواق لجشع التجار الكبار والصغار ، اتمنى ان ادخل سوق لبيع الدجاج يضع على باب المحل : سعر كيلو الدجاج البلدي (كذا..!) ويكون السعر عند المحاسبة شيئ اخر ، محل لبيع اللحوم منذ ان الغيت وزارة التموين الى اليوم واقع بين دوار الجارنز باتجاه خلدا وهو مثبت سعر واحد للحمة على باب المحل وهو لا يبيع هذا السعر ،
سوبر ماركت عريض في تلاع العلي يضع عروض
مغرية على الكميات تكتشف عند الحساب انه يحاسبك بالقطعة دون العرض المقدم ،
مطعم فاست فوود يقدم خدمة التوصيل المجاني باعلان عبر الصحف الرسمية ولما تصل الوجبة تجده اضاف دينارين بدل توصيل ، واضاف ضريبة المبيعات فوق اجرة التوصل الذي قال انه مجاني ،
مطاعم وسط البلد تقدم السندوتشات و صحون المقالي و الفلافل مكشوفة وسط غبار السيارات وغبار
( الموت!) ، لا اعرف فعلا هل ابقت الحكومة مراقبة الاسواق للضمائر الغائبة والغائرة ، هل سلمت رقاب الناس والعباد لهذا العهر المؤذي والذي فتح السوق على مصراعيه امام الفحش والغلاء والتلاعب بكل معنى الكلمة ..!
-3-
كنت وانا مغترب واشاهد برنامج المذيع المحترف عبدالوهاب الطراونة الذي يتربص بكل هذه التجاوزات اشعر بالفخر ، لاقفال متجر لم يلتزم بالاسعار او مخبز او مطعم لم يلتزم بشروط الصحة العامة ، كنت اشعر بالفخر والانتماء معا ، وشعرنا بالوخز جميعا لما شاهدنا احدى هوامير التجارة تتغول على ادارة التلفزيون وتجبره على اغلاق البرنامج وفصل المذيع ، ولولا الضغط الاعلامي الذي تلى ذلك لاستشهد عبدالوهاب الطراونة في مقصلة التجار ، كنت اشعر بالفخر واتباهى اننا امام شفافية عبر المحطة الرسمية تحول دون عهر التجارة وتسلطها على رقاب العباد ، لكنني لمّأ وصلت الاردن وعبرت اسواقها طولا وعرضا تبين لي ان مراقبة الاسواق هذه يخيل الي انها ليست سوى في برنامج الطراونة ، ليس الا ، ليست سوى هناك ، فشارع واحد لو مر به مراقب اسواق نزيه يستطيع ان يغلق نصف الشارع او كله ، لا اعرف من الذي يجامل في الاردن ، من الذي يقبل على ان نصل الى هذا الحد من الانفلات في بوابة عربية كنا سابقا نتفاخر ان الاردني يبيع السائح علبة المشروبات الغازية بربع دينار ويبيعها للمواطن بنفس السعر ، في اشارة الى غياب الاستغلال الذي لم يقف اليوم عند حدود السواح بل طال رقاب الاردنيين ، هذا العهر الفاحش الذي كنا نشاهده في اسواق عربية مجاورة غير محكمة بقوانين ، لكن الابواب اشرعت وطالنا كل ما كنا نتحدث عنه عند الاشقاء ،طالنا جميعا ، وعلى نحو اسوأ بكثير في ظل حرفية في الاستغلال والبحث عن الثراء المزوج بعرق الاخرين..!
اسواق الاردن بخطر ..بخطر فوق المألوف ، والجشع ينفذ الى الوطنية والانتماء كما ينفذ الى الضمير والخلق والدين..!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد