أبو الُعُرّيف

mainThumb

24-08-2010 09:50 AM

أبو العُرّيف شخصية أردنية بلا جدال ، ولئن اختلفنا في شخصية جحا التراثية التي تنازعها عدة جنسيات : التركية والعربية والفارسية إلى أن صار لكل امة جحاها فإن أحدا لا ينكر أن شخصية أبي العريف هي شخصية أردنية وصناعة أردنية فهو(Trad mark) وعلامة أردنية مسجلة في وزارة الصناعة لا ينازعنا فيها أحد .



 أبو العريف الذي يعرف كل شيء، فلا يحار جوابا، ولا يعجزه سؤال ، ولا يقول لا أدري ،ولا أعرف ،سأحاول أن أبحث في المسالة ،دعني اتصل بمتخصص أو اتصل بصديق، يفهم في علم الأولين والآخرين، هو شيخ يفتي ،وهو عالم في البيولوجيات، والهندسة الوراثية ،وعلوم الطبيعة ،وعلم الميكانيكا ، والعلوم السياسية، وعلوم النحو والصرف ،والشعر والنسب ،ورواية الأحاديث. هو موسوعة متنقلة ومفهرسة لا بالمعلومات بل بتظاهر الثقافة وادعاء المعرفة ، سرعان ما يدلق حروفه وعلومه ومعارفه ،وليس مما يعنيه أن يكون كلامه دقيقا ،ولكن كل همه أن يتحدث ويثرثر وكفى .



وإذا كنت في جلسة تضم جميع أصحاب الاختصاص تراه متنطعا للإجابة عن كل سؤال، وفي كافة الموضوعات، فهو الأسرع جوابا وتعليقا حين تطرح سؤالا دينيا مثل: ما حكم من أفطر وقبل أن تكمل سؤالك يجيبك : حرام وعليه أن يعيد صوم هذا اليوم الذي أفطره !! وإن سألت سؤالا نحويا يثير إشكالية دلالية في فهم آية كريمة ، تراه يقول : أنا أرى في المسألة رأيا آخر !! أما إذا عاندك السعد ،وفتحت موضوعا سياسيا يتعلق بسياسة أمريكا في المنطقة ،أو الضربة المتوقعة لإيران ،أو عرض سياسة الحكومة في الانتخابات المقبلة ، فهو مشرع ومفسر للدستور ومعارض للكوتا والمحاصصة،ونظام الصوت الواحد وسلبياته ونتائجه المدمرة على البلاد والعباد ، ولم يسلم منه قانون ،لا قانون الضمان الاجتماعي الجديد ولا قانون المالكين والمستأجرين ولا قرارات التعليم العالي الجديدة . إنه أبو العريف الذي يموت، أو تقطع عنقه على أن يقول( لا أعرف)وليست في قاموسه ،و كيف له أن لا يعرف ،وهو يعتقد أن قراءة الصحيفة اليومية ،أو مشاهدة التلفزيون كفيلة بجعله مثقفا من الطراز الرفيع ،تشجعه على التصدر للفتوى على المذاهب الأربعة في كل أمر!!



 ولكي يجعل أب العريف كلامه صحيحا وموثوقا به يستهل كلامه بعبارات جاذبة لسامعيه، مثل : يا أخي ما بدنا نحكي ،أو خلوا الطابق مستور ،أو غيروا ها لموضوع (الحيطان إلها آذان) أو شو بدنا نحكي ما هي( خربانة )أو بدكو الصحيح ...وإذا أراد مزيدا من اصطياد المستمعين وإقناعهم فإنه يستخدم لغة فصحى ،مثل: في الواقع والحقيقة . أو أنا أجزم صادقا ،أو أرى أن المسألة تحتاج إلى رؤية ثاقبة .



 أبو العريف نراه في مجالسنا وسهراتنا ،وفي صحفنا وفي فضائياتنا ، يتصدر الجلسات ،ويطرز أعمدة الصحف بتحليلاته الاقتصادية والسياسية ،التي لم تتحقق قط ، فكم تنبأ بتحسن مستوى دخل الفرد ،وتحسن معيشته، وارتفاع مؤشر الأسهم،ونزول أسعار النفط ، فلم تفلح كل تحليلاته بل جاءت عكس توقعاته ، وهو في السياسة أيضا طبل أجوف أفسد علاقاتنا مع دول الجوار بتصريح أخرق وكلما ( رقعنا ) العلاقة خرج بتصريح مماثل ، حتى بعد أن فاض الكيل صرخنا : ( مشان الله اسكت خربت بيتنا ) وهو في التعليم معلم ،و لك أن تضع بعدها شاورما فلافل باطون طوبار .. لا علاقة له بالمهنة، أفسد التعليم بقراراته الجاهلة ،وهدم أعمدته وأركانه ، فأغضب المعلم ،ومزق المنهاج الدراسي ،وشرّد الطالب من المدرسة،و(لا أعني وزيرا) لأن أبا العريف نموذج لا شخص ـ باختصارـ إنه (سوا العملية التربوية شوربة ) والأدهى أن أبا العريف فهلوي بارع يعرف من أين تؤكل الكتف ،وله في كل عرس قرص، يبدل أفكاره كما يبدل ثيابه ،لذلك هو رجل المرحلة الذي لا تستغني عنه وزارة ولا مؤسسة حكومية، ولا حتى مفوضية خاصة ،راتبه الشهري خيالي بحكم خبرته الواسعة لا في مجال عمله ،



ولكن بحكم أنه يقنع أية حكومة بضرورة وجوده في هذه المؤسسات، وإلا كيف يفسر أحد أن شخصا يدير مؤسسة ما يتقاضى ( 40 )ألف دينار ويحملنا (جميلة) قبوله لهذا المنصب المتواضع الذي لو ( فرطنا راتبه ) مئات لشغلنا طوابير من عمال الزراعة ، ولحولنا مناطقنا الشرقية إلى جنات خضراء .



إن مجموعات ( العُرّيفيين) انتشرت وتغلغلت في مجتمعنا فتصدروا صفحات الجرائد واعتلوا منابر المؤتمرات والخلوات والفضائيات،وصارت قوة ضاغطة أبعدت عن طريقها المثقفين الحقيقيين ،والعلماء العاملين ،ورجال الدين الأتقياء والأدباء المبدعين ،والصنعة الماهرين . إن أمة هذا شأنها أمة محكوم عليها بالفناء ،لأن جميع الكسور العشرية من أنصاف وأثلاث وأرباع المثقفين إذا استطاعت أن تقصي الآحاد الصحيحة سيؤدي حتما إلى اختلال الموازين ،وقلب المعادلات الرياضية ، وهلاك النسل والزرع والضرع. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد