من متناقضات الحياة

mainThumb

14-10-2010 09:24 AM

باع أهله الغالي والنفيس لإكمال تعليمه؛ وما أكثر ما حرموا أنفسهم من احتياجاتهم الأساسية ليكمل دراسته؛ أخوه الأصغر ترك دراسته مبكرا ولما يزل في الإعدادية وآثر الالتحاق بسوق العمل لمساعدته في دراسته.

وأما أمه التي أعياها المرض فقد تحولت إلى حاضنة لأبناء جاراتها الموظفات لتأمين الحد الأدنى من حياة كريمة لأبنائها وزوجها الذي أقعده المرض.

 تمضي الأيام بكل ما تحمله من المصاعب والبؤس والشقاء فيتخرج الابن من الجامعة بتفوق؛ وأمام إصرار أهله التحق بدراسة الماجستير؛ ازداد الفقر والبؤس ولكنه لم يخيب آمال أهله الذين انتظروا هذا اليوم ليتحرروا ولو جزئيا من الفقر الذي استوطن في كل مفردات حياتهم طوال هذه السنوات التي تعدل عندهم عقودا من الزمن.

مع تخرجه من الماجستير وصل أهله إلى الحضيض وهو أميالا تحت خطوط الفقر بكل أنواعه المدقعة والأشد منها ضراوة.

لم يكن أمامه ألا أن قدم أوراقه لديوان الخدمة؛ انتظر وطال انتظاره ولا تلوح في الأفق بارقة أمل لفجر جديد يبدد من حياته ظلام الفقر الداكنة ليعيد لأهله بعضا مما حرموا منه أنفسهم.
لم يجد بدا مما ليس منه بد؛ الفقر يداهمهم من كل حدب وصوب؛ فاختار العمل بأجر زهيد في أحد كراجات السيارات غير آبه بما قد يقال من هذا أو ذاك.

وأما صديقه الذي فشل في الثانوية وسافر إلى أحدى البلدان الأوروبية فقد عاد  ثريا يشار له بالبنان في المنطقة؛ ها هي صوره ويافطاته الانتخابية تملأ المكان؛ وها هي أعطياته ومكارمه تصل البيوت والجميع يهتفون له ويؤازرونه ويحيطون به  إحاطة السوار بالمعصم؛ يتبعونه حيثما ذهب؛ يغدق عليهم بالمال فيغدقون عليه بأصواتهم .

أيام قليلة يصبح صديقه بعدها بفضل ماله وأصواتهم سعادة النائب فلان؛ ويبقى صاحبنا بشهاداته رهين كراج السيارات ينتظر ديوان الخدمة للإفراج عن اسمه بوظيفة قد تزيد في معاشه قليلا عما يتقاضاه من عمله في الكراج.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد