" التلميذ الأردني " تائهً بين مطرقة العلم وسندان العنف التربوي .!!

mainThumb

27-12-2010 07:54 PM

دراسات كثيرة تناولت ظاهرة " العنف التربوي " على المستويين العربي والغربي ، ونحن كجزء من هذه المنظومة الأممية ما يعنينا أولاً وآخراً هو ابننا الأردني ، لما لحق به من تجاوزات على حقوقه مقارنة مع أقرانه في العالم العربي والغربي أدت بالتالي إلى تفاقم درجة المعرفة والابداع بينه وبين أبناء الأمم المتقدمة الأخرى التي ركزت على قدرات وطاقات الطفل التلميذ ، واعتبرت أنه اللبنة الأولى في تأسيس البنيان ، في المقابل نتعامل نحن مع هذا الطفل والتلميذ على أنه " شجرة تنمو بعلاً دون ماءٍ أو هواء " وبات تائهً بين مطرقة العلم وسندان العنف التربوي ..!!



بداية أشكر أبنتي الصغيرة " سبيل " ومعلمتها في الصف الأول الثانوي ، اللتان تجرأتا وطلبن مني بحثاً أو تقريراً يوضح طبيعة العلاقة التي تتولد ما بين المعلم والتلميذ إثر العنف التربوي في المدارس ، وما لهذا الموضوع من أهمية والبحث في ظهور هذه المشكلة والأسباب التي تؤدي إلى اللجوء لأساليب التعنيف في التربية ، وأثرها على درجة التحصيل العلمي لدى الطلاب ، ومن ثم وضع الحلول الناجعة للتخلص منها في الأماكن التربوية ..!! ك



ثيراً ما تأتيني ابنتي بمهمات تشاركية تربوية مع زميلاتها في الصف ، وأجدني و بصورةٍ غير مباشرة أحد أطراف هذه المهمات ، ذات الأهداف التربوية الهادفة ، والتي آمل من ابنتي وزميلاتها تعلمها ووضع النقاط على حروفها بصورةٍ صحيحة ، بعيداً عن المغالاة في وصف الحقائق أو تهويل الأمور عن نطاقها المألوف والواقعي ..!!



وفي ذات السياق وكما جاء في تعريف أحد الباحثين عبر " موقع نساء سورية " للعنف التربوي".. أنه ذلك العنف التربوي الذي يتمثل بسلسة من العقوبات الجسدية والمعنوية المستخدمة في تربية الأطفال والتي تؤدي بهم إلى حالة من الخوف الشديد والقلق الدائم ، والى نوع من الانتكاسة النفسية التي تنعكس سلبا على مستوى تكيفهم الذاتي والاجتماعي ، ويتم العنف التربوي باستخدام الكلمات الجارحة التبخيسية واللجوء إلى سلسلة من مواقف التهكم والسخرية والأحكام السلبية إلى حد إنزال العقوبات الجسدية المبرحة بالطفل والتي من شأنها أن تكون مصدر تعذيب واستلاب كامل لسعادة الأطفال في حياتهم المستقبلية . وأن العنف التربوي لا يعد غاية بحد ذاته ، بل هو وسيلة نعتمدها من اجل توجيه الأطفال وتربيتهم وفقا لنموذج اجتماعي وأخلاقي . وأن اللجوء إلى العنف التربوي والتسلط في العملية التربوية يعود إلى أسباب اجتماعية ونفسية وثقافية متنوعة تدفعنا إلى ممارسة ذلك الأسلوب وذلك لأسباب التالية : //



 1 -الجهل التربوي في تأثير أسلوب العنف على التلميذ ، فيحتل هذا الأسلوب مكان الصدارة بين الأسباب ، فالوعي التربوي بإبعاد هذه المسالة أمر حيوي وأساسي في خنق ذلك الأسلوب واستئصاله .

 2 – وأن هذا الأسلوب يعد انعكاسا لشخصية المعلمين بما في ذلك جملة الخلفيات التربوية والاجتماعية التي أثرت عليهم في طفولتهم . أي أنها انعكاساً لتربية التسلط التي عاشوها في صغرهم .

3- إن ما يعزز استخدام الإكراه والعنف في التربية ، هو الاعتقاد بأنه الأسلوب الأسهل في ضبط النظام والمحافظة على الهدوء ولا يكلف ذلك الكثير من العناء والجهد .

 4- بعض التربويون يدركون التأثير السلبي للعقوبة الجسدية ، فيمتنعون عن استخدامها ، لكن ذلك لا يمنعهم من استخدام العقاب المعنوي من خلال اللجوء إلى قاموس المفردات النابية ضمن إطار التهكم والسخرية والاستهجان اللاذع ، غير مدركين أثر هذه العقوبة في النفس وأنها مقارنة مع العقوبة الجسدية أشد وطأةً وإيلاماً بكثير .



 إن المساهمة في حل هذه المشكلة ستدفع نحو تطوير العملية التعليمية في بلادنا ، ذلك إن القضاء على العنف داخل أروقة المدرسة سيؤدي إلى انصراف الطلبة والمعلمين ومديري المدارس والمسؤولين إلى تجويد تلك العملية وسيعطي مجالا لازدهار التربية والتعليم ، وفي مجالات المجتمع المدني المنشود . إن خلق مدرسة تقوم على اللا عنف يعني في نهاية المطاف خلق عالم يحترم الإنسان وحقوقه ، فالهدف الأساسي من التربية هو تحقيق النمو والتكامل والازدهار . إن التعليم كما يجري في شخصية الإنسان يتميز بصفتين رئيسيتين : فهو من جهة يقلل من أهمية الإقناع والمكافأة ومن جهة أخرى يزيد من أهمية العقاب الجسدي والتلقين .



وهناك طوقا تربويا على الأقل نحو تفعيل التربية وعصرنتها وبث مفاهيم ديمقراطية في العملية التعليمية ، ومن هذه المفاهيم إقامة علاقة إنسانية بين أركان التعليم خصوصا بين المعلم والطالب واستلام ذلك طلب الوزارة صراحة بعدم استخدام أساليب العنف المادي واللفظي تجاه الطلبة , بالإضافة لنشر المئات من المرشدين النفسيين في المدارس لتوجيه سلوك الطلبة وفهم مستوياتهم وحل مشاكلهم بأساليب تربوية حديثة بعيدا عن الأساليب القديمة ، ومعنى ذلك إن راس الهرم التربوي يتفق مع اللا عنف في المدارس ، لكن المشكلة تظل كامنة في الطالب والمعلم والمدير كونهم مواطنين مازالوا يتأثرون بالمجتمع الذي يعيشون فيه كما يقول الباحث الدكتور علي وطفة : بعض المعلمين وبتأثير من خلفياتهم الثقافية التربوية يلجئون إلى أسلوب العنف في تعاملهم مع التلاميذ وذلك للأسباب التالية :

 1- بعض المعلمين ينتمون إلى أوساط اجتماعية تعتمد التسلط والإكراه في التربية وهم في المدرسة يعكسون حالتهم هذه .

 2- بعض المربين لم تسنح لهم فرص الحصول على تأهيل تربوي مناسب ، فهم بذلك لا يملكون وعيا تربويا بطرق التعامل مع الأطفال وفقا للنظريات التربوية الحديثة .

 3- المعلم بشكل عام يعيش ظروف اجتماعية تتميز بالصعوبة الحياتية , إضافة إلى الهموم والمشكلات اليومية التي تجعله غير قادر على التحكم بالعملية التربوية ، إذ يتعرض للاستثارة السريعة والانفجارات العصبية أمام التلاميذ .

 4- إن الفكرة السائدة سابقا إن المعلم المتسلط هو الذي يتحقق لديه مستوى الكفاءة العلمية التربوية معا . ولكن هذه النظرية أثبتت خطأها ، فان المعلم الديمقراطي هو المعلم المتمكن المؤهل وهو وحده الذي يستطيع أن يعتمد على الحوار الموضوعي في توجيه طلابه وتعليمهم دون اللجوء إلى العنف .

 5- المعلم الذي يستخدم الاستهجان والتبخيس والكلمات النابية لأنه يكرس العنف ويشوه البنية النفسية للطالب ، والمدرسة عندما تتبع هذه الأساليب من عنف وإكراه وإحباط إزاء التلاميذ تكون بمنزلة مؤسسة لتدمير الأجيال وإخفاقهم في كل المجالات .


هناك عدة نصوص سواء في مجال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو اتفاقية حقوق الطفل أو نصوص منظمة العمل الدولية ، إضافة إلى التشريعات العربية المحلية تنادي بحقوق الطفل ، ولكن العمل لا يكون في مجرد إصدار القوانين مهما كانت عادلة وسامية ، ولكن الحل يكمن في تطبيق المجتمع لهذه القوانين . الإنسان يتميز بالقدرة غير المحدودة في تكيفه مع البيئة وفي تكييف البيئة لحاجاته ، وان خروج الطفل عن الأنظمة المدرسية له أسباب يجب أن نبحث عنها في إطار الوسط الذي يعيش فيه التلميذ والأسرة التي ينتمي إليها .



وهناك أساليب متعددة ومتنوعة يمكن استخدامها في معالجة هذه الظاهرة ، فالقليل من الاحترام والتفهم يجعلنا قادرين على احتواء مظاهر العنف ، وفي كل الأحوال فان العنف والإكراه عملية تخدير مؤقت وليس حلا جذريا ، لان الطفل الذي كبح جماحه بالقوة سيعود إلى مخالفة النظام كلما سنحت له الفرصة لذلك . أما فيما يتعلق بمسالة التقصير المدرسي والتخلف الدراسي فيقول الباحث في موقع نساء سورية ، أن هذه الظاهرة تعود إلى عوامل اجتماعية وأسرية , والتقصير ليس مسؤولية الطفل وحده بل هو مسؤولية الأسرة ومسؤولية المدرسة ذاتها .



وفي كل الأحوال العقاب ليس حلا ، إنما المساعدة والتفهم والتشجيع ومعالجة الظروف المحيطة بالطفل هي الوسائل التربوية التي يجب أن تعتمد كحلول موضوعية لهذه الإشكالية . أما من حيث تأثير العنف في التحصيل المدرسي فاستطرد الباحث في القول ، أنه لا يمكن للعنف أن يؤدي إلى نمو طاقة التفكير والإبداع عند الطفل ، والعنف لا يؤدي في افضل نتاجه إلا إلى عملية استظهار بعض النصوص والأفكار ، وأن القدرة على التفكير لا تنمو إلا في مناخ من الحرية ، والحرية والتفكير أمران لا ينفصلان . وإذا كانت العقوبة تساعد في زيادة التحصيل فان الأمر لا يتعدى كونه أمرا وقتيا عابرا وسوف يكون على حساب التكامل الشخصي ، والدراسات التربوية الحديثة تؤكد بان الأطفال الذين يحققون نجاحا وتفوقا في دراستهم هم الأطفال الذين ينتمون إلى اسر تسودها المحبة والأجواء الديمقراطية . والعملية التربوية ليست تلقين المعلومات والمناهج بل إنها عملية متكاملة تسعى إلى تحقيق النمو الازدهار والتكامل . ولمعالجة هذه الظاهرة يرى الباحث أنها تكمن في بعضاً من النقاط الأساسية التي لا بد من تنفيذها :

1- تنمية وتطوير الوعي التربوي على مستوى الأسرة والمدرسة ، ويتم ذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة ، ومن خلال إخضاع المعلمين والآباء لدورات اطلاعية وعلمية حول افضل السبل في تربية الأطفال ومعاملتهم .

 2- تحقيق الاتصال الدائم بين المدرسة والأسرة واقامة ندوات تربوية خاصة بتنشئة الأطفال .

 3- تعزيز وتدعيم تجربة الإرشاد الاجتماعي والتربوي في المدارس وإتاحة الفرصة أمام المرشدين من اجل رعاية الأطفال وحمايتهم وحل مشكلاتهم ومساعدتهم في تجاوز الصعوبات التي تعترضهم .

 4- ربط المدارس بمركز الرعاية الاجتماعية والنفسية الذي يحتوي على عدد من الأخصائيين في مجال علم النفس والصحة النفسية والخدمة الاجتماعية ، حيث تتم مساعدة الأطفال الذين يعانون من صعوبات كبيرة في تكيفهم المدرسي ، وحل المشكلات السلوكية والنفسية التي يعجز المرشد عن إيجاد حلول لها ، أي أن يكون مرجعية تربوية نفسية واجتماعية لكل محافظة أو مدينة على الأقل .

 5- التعاون بين المدارس وجمعية حماية الطفل في رصد مشكلة العنف على الأطفال ومعالجتها . ولقد أبقى الباحث على مجموعة من التسائلات الاستنكارية المفتوحة أمام الأكاديميين وأولياء الأمور من أجل المتابعة ووضع الحلول المناسبة لذلك .. منْ يعاقب ..؟ وكيف نعاقب المعلم الذي يحمل ( خرطوما أو سلكا كهربائيا أو عصا ضخمة ) كوسيلة وحيدة للتربية ولفرض النظام قسرا مما يحدث الأذى فعليا على جسد الطالب ، ناهيك عن الأذى المعنوي والإحباط الذي يحفر أخدودا عميقا في شخصية الطالب فنشوه العلم والمدرسة والمعلم ؟؟!!



 كانت المدرسة ولا تزال مرحلة بناء لشخصية التلميذ كالمراحل التعليمية والتربوية تماما تبعا للمراحل الإنمائية التي يعيشها الإنسان وتربيته ، لترقى بالطفل والتلميذ نحو الشخصية النافعة والسوية والتعليم لتقديم العلم والمعرفة عبر وسائل تربوية حديثة ، ومعلمين مؤهلين يعشقون رسالتهم السامية ويقدرون الإنسان ، لان الرسالة هيّ رسالة إنسانية تربوية صرفة..!! إن المقصود من هذا البحث هو مقدمة لمحاصرة أسباب العنف من خلال الارتقاء بعملية التعليم والعلاقات الداخلية في المدرسة للتخفيف من حدته من خلال الوعي على الإطار العام للمجتمع وتفعيل عملية التعلم كمقدمة لتربية مدنية تقوم على الحوار . وليس من الصعب معرفة إن هذه الظاهرة هي من نتاج تراكم معرفي وثقافي منذ أمد طويل أصاب المجتمع والمدارس وهي قائمة على بقاء أنواع من العلاقات العنيفة داخل مدارسنا رغم أنها ظاهرة عالمية .



فنحن نناقش قضية إنسانية تهم ملايين البشر ، تلك الأسرة التربوية التي تشكل معظم أفراد الشعب ، ولما كان التربويون جزءً من الحياة فقد اكتسبوا عادات العنف من حياتهم التي انخرطوا فيها حينما كانوا أطفالا قبل المدرسة وطلبة وباحثين ومعلمين ومديري مدارس وقائمين على مؤسسة التربية والتعليم ..!!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد