الإصلاح والتَغيير

mainThumb

03-01-2012 10:56 PM

 يعتبر التغيير سمة رئيسية من سمات المجتمعات الانسانية وواحدة من المؤشرات التي تبين مدى التجدد والتحديث الذي يطرأ على أي تجمع بشري ، فالتغيير متلازمة أساسية من متلازمات المجتمعات والتجمعات البشرية على مر العصور والأزمان ،ونسبة التغيير تتناسب طرديا مع التقدم وعليه فنسبة الجمود والتصلب والتقولب والتقوقع تزداد أيضا كلما زادت نسبة التخلف . 

ولدمج عملية التغيير بالإصلاح نقول أن التغيير الذي نريد ليس التغيير الإقصائي ، الذي يطيح بكل انماط الحياة ، ويضع حدا فاصلا بين الماضي من جهة والحاضر والمستقبل من جهة أخرى ، بل عملية إضافة وتعديل في نمط التفكير والسلوك الفردي والجمعي في مجتمعنا ،الذي يصرعلى المطالبة بالتغيير والاصلاح ، في الوقت الذي يصر فيه بعض دعاة الإصلاح على اتباع انماط تفكير وسلوكيات قديمة ، توحي بأن هناك جمود فكري مما يشير إلى أن حجم المطالبة بالإصلاح الذي نرتجيه ، لا يتناسب مع حجم التغيير السياسي ، والإجتماعي ، والإقتصادي والثقافي ويجعله مقتصرا على المطالبة بتغيير سياسي دون غيره من التغييرات . وإذ ندرك أن التغيير في المجتمعات النامية ، كمجتمعاتنا العربية بشكل عام ،يسير ببطء ويحتاج الى إرادة سياسية وشعبية ، تشمل جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية وحتى الفلسفية ، فان هذا التغيير يحتاج الى ادوات متدحرجة تحدث احلالا للفكر المبني على الحوار بدلا من الفكر النمطي القديم ، وهذا يحتاج الى سن تشريعات جديدة قابلة للتطبيق , ويحتاح أيضاً الى عملية استبدالية احلالية للوجوه القديمة كواحدة من الادوات اللازمة ، بوجوه جديدة تفهم معنى التغيير والاصلاح وتعمل على مأسسته ، وجعله جزءا من الثقافة المجتمعية والمنظومة الاجتماعية والفكرية والثقافية والإقتصادية ، التي تتلائم وطبيعة المرحلة القادمة ، فتعمل على تطبيقه عملا لا قولا .

 ومن البداهة القول ان عملية المطالبة بالإصلاح ،هي نتيجة طبيعية للشعور بالفساد والخراب ، ونتيجة حتمية للإحساس بعدم قدرة الوجوه القديمة وأدواتها على التوافق وطبيعة المرحلة , وهنا لا بد من التفكير بتغيير إحلالي تدريجي للمجموعة القديمة وأدواتها ،عن طريق اقرار وتطبيق مجموعة من المعايير والقيم المجتمعية الجديدة التي تصلح للمرحلة القادمة ، وهنا لا بد من احداث تغيير في التكوينات السياسية ، والفكرية ، والثقافية ،والإقتصادية مما ينعكس آيجابيا على الانماط السلوكية للأفراد والجماعات ، ويعطي بالتالي مردوداً آيجابياً على المجموعة الكلية ألا وهي الوطن.

 وهنا لا بد من إجراء التدريب اللازم لرفع الكفاءة والمقدرة وتعزيز الكفاءات والقدرات المتوفرة ، ليقوم كل وحسب موقعه بالدور الوظيفي والمهام التي توكل اليه بشكل يتناسق مع الجماعة . 

وحيث ان عملية المطالبة بالإصلاح والتغبير مبنية على ايدولوجيات ومذاهب فكرية وفلسفية ممكن ان تكون مختلفة احيانا ، كما نرى الان على الفضائيات المحلية الرسمية والاهلية ،والتي يعبر عنها بالكتابات والمقالات في الصحف الورقية و الالكترونية , وحتى لا نبقى نعيش حالة من من الجدلية قد تجرنا الى حد المواجهة بين هذا الفكر او ذاك , فاننا نحتاج الى وقفة تأملية ، نلتقط فيها الانفاس ، ونرسم خارطة طريق ، تظهر فيها بصمات الاكثرية والاغلبية الصامته ، التي ليس لها منابر للتعبير عن نفسها ، فلا بد إذن من اعتماد أسلوب الاستفتاء العام ،على الخطوات والتغييرات الرئيسية التي تشكل مفاصل اساسية في التكوين المجتمعي , وذلك لتحكيم رأي الاغلبية والخروج من الجدلية التي باتت سمة رئيسية من سمات الحوار الفكري والسياسي الذي نراه على الشاشات او نقراه في الصحف . والمتتبع للحركات الاصلاحية التي سادت مجتمعنا في العام المنصرم يرى انها في المجمل تحمل أهدافا عامة ، ولديها من القواسم المشتركة التي يمكن البناء عليها للوصول للتغيير المنشود , إلا أننا نرى ان بعض هذه الحركات ، تجمع بينها روابط مناطقية او فئوية غير مبنية على التشاركية في الهدف ، بل تهدف لخدمة مجموعة محدده من الناس او منطقة جغرافية بعينها ، مما يضعفها كقوة ضغط فاعلة ، يمكن الركون إليها لاحداث التغيير المطلوب على مساحة الوطن ككل ، فهي تحمل في طياتها عوامل ضعفها ، لعدم شعور السواد الاعظم من الناس ان هذه القوة تصلح ان تقود المرحلة القادمة ، وبالتالي العزوف عن الانخراط في أطرها .

 اذ لا يعقل ان نطالب بالإصلاح والتغيير ، ولم نكن بعد قد حددنا الهدف والأدوات اللازمة التي تدخل الجميع في دائرة الفعل المبني على خطط ثابتة ومحددة وواضحة المعالم ، تحمل تواريخ يتم التوافق عليها بين كل هذه القوى التي تنادي بالاصلاح والتغيير ،على اعتبار أن الوطن بمجمله هو البيئة المطلوب تغييرها ، وان المستقبل الافضل للمواطن هو الهدف ، وأن الإصلاح هو الاداة , فكلما اقتربنا من الاتفاق على هذه الثلاثية كلما ابتعدنا عن المصلحة الشخصية ومحاولة تجيير المطالب لصالح هذه الفئة او تلك , او هذه المنطقة او تلك . والمتتبع أيضا للخطاب الاعلامي ، للقوى المنادية بالتغيير والإصلاح يلاحظ بسهولة التركيز على البناء السياسي للدولة كهدف للإصلاح والتغيير ، في حين تغيب أنماط اخرى اساسية ، وهي القوى الاقتصادية مثلاً التي يمكن ان تقيم نمطا اقتصاديا جديدا يعتمد التصنيع واستخدام التكنولوجيا لبناء اقتصاد متماسك يستغل الموارد البشرية والمادية ، ويوظفها للصالح العام ، ويعتمدها كرجيزة أساسية من ركائز البناء والانتاج في المستقبل المنظور . 

ونلاحظ كذلك غياب الدراسات الديموغرافية ، التي تضع بعين الاعتبار طبيعة السكان ، والتوزيع السكاني ، والهجرات الداخلية والخارجية ، والكثافة السكانية ومناطق تركيزها ، وتوزيع الموارد بعدالة , وليس على اساس الجغرافية والاقليم، وكذلك غياب الدراسات الاجتماعية ، التي يمكن ان تعالج التخلخل الحاصل في البناء المجتمعي ، والتركيب السكاني ، والمعايير الاجتماعية ، والدراسات التي يمكن ان تؤسس لعلاقات اجتماعية ، ينفتح بها الكل على الكل ، وذلك بتكريس مفهوم المواطنة ، ليكون المعيار الأوحد لقياس منسوب المواطنة هو العطاء ، وتكون الكفاءة هي الاساس في الاختيار طبقا للدستور وللشرائع السماوية , وآنئذٍ يشعر الجميع بالعدالة الاجتماعية والمساواة ،ويحاول الجميع الإنخراط في بوتقة التغيير والإصلاح .

 أعتقد أننا نحتاج إلى عقد مؤتمر وطني ، تشارك فيه كل الفعاليات السياسية والإقتصادية ، والإجتماعية ، والفكرية ، وقادة الرأي لبلورة الهدف العام الذي تشوبه الضبابية ، وتعمل كل مجموعة حسب اختصاصها لبلورة الأهداف الفرعية ، ووضع الخطط اللازمة للتنفيذ ،ضمن آليات وبرامج واضحة قابلة للتطبيق في زمن قياسي مقنع للجميع . 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد